بنفسج

لماذا يبدو الخطاب النسوي مُتشنّجًا؟

الخميس 25 مارس

لا يمكن نزع التجربة النسوية الفلسطينية، والخطاب النسوي من سياق التجربة العربية العامة، إذ إنها جزءٌ منها، وامتدادٌ طبيعيٌ للتجارب العربية المُبكِّرة. وكما تجمع العرب ظلال واقعهم السياسي القاسي، تجمعهم كذلك ذات أسباب الرجعية والمماحكة مع إمكانية التطور، والمنازعة الدائمة مع الجزء الرديء من العادات والتقاليد، والاستغلال الديني لتحجيم الحق الطبيعي للمرأة، والمشاكل التي يُعانيها الخطاب النسوي المُتشنج.

وكما تتشابه النسوية في فلسطين مع مثيلاتها في الدول العربية، فإنها قد تكون من بين الحركات النسوية الأضعف تأثيرًا، ليس على فئات المجتمع وحسب، بل على صانعي القرار، بخصوص الدفع باتجاه حماية حقوق المرأة في مواقعها الطبيعية و"التشاركية" مع الرجل، وخلق حركة نسوية بارعة في التصدي لكل أشكال التقاعس عن رد حق المرأة، وهي عاملة، أو أُم، أو ناشطة، أو مريضة، أو ناجحة، أو متمردة، على التهالك المُتصاعد في المنظومة الاجتماعية وغير الاجتماعية. وهي بذلك؛ أيْ المرأة المُستحِقة للدفاع من قِبل النسوية، تمارس الدور الطبيعي الكامل، الذي تنادي به النسوية أصلًا، وتشتكي العوائق في هذا الطريق، للمفارقة، لا تجد النسوية معها.

| النسوية في فلسطين

تتشابه النسوية في فلسطين مع مثيلاتها في الدول العربية، فإنها قد تكون من بين الحركات النسوية الأضعف تأثيرًا، ليس على فئات المجتمع وحسب، بل على صانعي القرار، بخصوص الدفع باتجاه حماية حقوق المرأة في مواقعها الطبيعية و"التشاركية" مع الرجل.
 
إن النسوية في فلسطين تناقض نفسها، بعدالة المُناصَرَة والاستنكار، إذ تتمتع القضايا ذات الطابع الاجتماعي والآفة السلوكية؛ كالاغتصاب والتحرش والقتل والحرمان من الحضانة، "وذلك مهم جدًا"، بمساحة دائمة، تجعلها الحركة النسوية المُمثلة بالجمعيات والحراكات، واجهة أساسية لعملها.

إن النسوية في فلسطين تناقض نفسها، بعدالة المُناصَرَة والاستنكار، إذ تتمتع القضايا ذات الطابع الاجتماعي والآفة السلوكية؛ كالاغتصاب والتحرش والقتل والحرمان من الحضانة، "وذلك مهم جدًا"، بمساحة دائمة، تجعلها الحركة النسوية المُمثلة بالجمعيات والحراكات، واجهة أساسية لعملها؛ عوضًا عن أن تكون كُل القضايا على الطاولة، في حين تختبئ النسوية في أماكن لا نعرفها، عندما يتعلق الأمر بناشطة سياسية، أو موظفة فضحت الفساد، أو قاضية طالتها المِقصلة كما طالت الحالة "الحقوقية" برمتها في البلد.

حتى في القضايا التي تخص قتل النساء، نجد العمل النسوي هشًا في مناصرتها، إذ إن الرفض للمُسبِّب الاجتماعي ليس كافيًا، وخلق زوبعة احتجاجية تنتهي بعد أشهر في إثر قضية قتلٍ لا تكفي، تحتاج النسوية عبر أجسامها المتُعددة القعود على باب صانع القرار. إن تغيير الوعي، وسحب أدمغة أجيالٍ جديدةٍ من أماكن "عميقة" في التخلف الاجتماعي، بطيء ومُضنٍ، لذا، من المهم الاستعانة بحامية قضائية وتشريعية فاعلة، فليس فنجان القهوة الوحيد الذي يرّخص دماء النساء.

إن استباحة القانون يعني استباحة كل شيء، وإذا ما وقفت النساء والنسويات ألف سنة على باب المجتمع طلبًا للتغيير، بهذه الطريقة، لن يتغير، ولن نشهد ولو تحسيناتٍ طفيفة، إن المعارك وإن كانت سلمية تستدعي مُقاتلين ذوي وعيٍ وصبرٍ شديد، وتحتاج كذلك إلى أدوات، إن لم تجعل الطرف الآخر يجنح للسلم، على الأقل، عليها دفعه للتفكير بالانسحاب.

الخطاب النسوي2.gif

إن الرجل ليس عدوًا، رغم أنه المُنفِّذ الأبرز في قضايا قتل النساء التي هي حالات أقل من قتل الرجال، وهذا لا يقلل خطورتها، لكن بعض النساء تتبنى الخطاب الذكوري باستماتة، وجزء ممن يُحرّضن على تعنيف النساء هن النساء أنفسهن؛ من الحماوات والأمهات، وزوجات أخ الزوج وغيرهن، إن الرجل ضحية "رابحة"، خلقت منه العادات البائدة وحشًا له سيادة وريادة اجتماعية، وربما أكثر من يؤثر على بعض الرجال أمهاتهم؛ "النسوية" تغاضت عن علاج هذه المسألة من طرف المرأة عبر منهجية متينة، لأنها، أي المرأة، الطرف الأقرب للنسوية، لا لأن الرجل مُستثنى من الإصلاح، لكن الرعونة التي يتسم بها الفكر الذكوري، تمنعه من الاستماع للنصائح من إمرأة عادية، فما بالك من"النسوية"؟

المجتمع الذي ينصِّب ذكوره أسيادًا على التفاصيل السخيفة في حياة النساء، من باب الغيرة عليهن، وهم أنفسهم يفلتون عيونهم المسعورة في الأسواق على أجساد النساء وتصرفاتهن دون حشمةٍ أو أدب، كيف لك أن تُصدقه، بأن يتقبّل الخطاب "النسوي" في حال أصلح نفسه.

ومن المُسْعِد أن هذا الرجل، يرفض هذه الصورة تدريجيًا؛ لكنه يرفض، دون حق، أن يتخلى عنها كليًا، فليس كل الرجال يقتلون نسائهم وإلا ما بقيت نساء، لكنه قد يرفض المرأة الطبيعية بكليتها، منها رفض أن تصدر عنها ضحكة عفوية وقوية مثلًا، أو يرفض أن تمارس بعض الوظائف، أو تستمر في بعض صداقاتها، أو جرّها لطاعة والدة الزوج، والانصياع لإرادة عائلة كاملة حتى لو كان عددُ أفرادها مئة ألف، ربما هذه المسائل لا تؤدي إلى قتل النساء، لكنها تقتل إرادتهن التي تصبح شاحبة ومسلوبة الحيلة في أبسط القرارات.

 لهذا لا تجد غضبًا عارمًا عند قتل إمرأة، ربما لأنها واجهت القتل بأشكاله المتعددة حتى عندما كانت حيّة، لا نبالغ بهذا القول؛ فالمجتمع الذي ينصِّب ذكوره أسيادًا على التفاصيل السخيفة في حياة النساء، من باب الغيرة عليهن، وهم أنفسهم يفلتون عيونهم المسعورة في الأسواق على أجساد النساء وتصرفاتهن دون حشمةٍ أو أدب، كيف لك أن تُصدقه، بأن يتقبّل الخطاب "النسوي" في حال أصلح نفسه.

| سبب تشنج الخطاب النسوي

 
يتشنج الخطاب النسوي أيضًا بسبب القهر المُستمر لأبسط حقوق المرأة في المكوّن الاجتماعي الأول وهي "الأُسرة"، وقد يكون هذا التشنج طبيعيًا ومُبررًا، بل قد تملك الناشطات النسويات الحق في ذلك، إنك لا تستطيع اللوم دائمًا، على امرأةٍ عاشت أعوامًا مع شكاوى نساء أخريات حول تجاربهن الاجتماعية الأليمة.
 
وبُعيدًا عن الأسباب، غير المُبررة جميعًا، هل تدري ما معنى أن تخسر امرأة حياتها لأنها ماتت، ربما، بضربة خطأ من أخٍ، لأنها رفضت إعداد الطعام له، لأنه يعاملها كالخادمة.

إن ما سبق، واحدٌ من أهم الأسباب التي تجعل غالب الناس، بما فيهم النساء، يُقلعن من أرضيات الإيمان بالعمل النسوي دون الهبوط مجددًا، ما يزيد صعوبة إنجاح التجربة النسوية، ويكثّف عداءاتها والغضب المحموم عليها، حتى في منصات التواصل الاجتماعي، ما يُفاعل هذا الغضب منها، الغضب الذي تتبناه النسوية على "الرجعية الاجتماعية"، وظواهرها ومُفرزاتها، فيلتقي الغضبان ويدمران ما هو مُدمَر أصلًا، ونتيجةً لذلك يتشنج الخطاب النسوي.

يتشنج هذا الخطاب أيضًا بسبب القهر المُستمر لأبسط حقوق المرأة في المكوّن الاجتماعي الأول وهي "الأُسرة"، وقد يكون هذا التشنج طبيعيًا ومُبررًا، بل قد تملك الناشطات النسويات الحق في ذلك، إنك لا تستطيع اللوم دائمًا، على امرأةٍ عاشت أعوامًا مع شكاوى نساء أخريات حول تجاربهن الاجتماعية الأليمة، حتى أنك لن تفهم حُرقة صيّحة النسوية في الميادين والشوارع، بعد كل روحٍ تُزهق لامرأة. وبُعيدًا عن الأسباب، غير المُبررة جميعًا، هل تدري ما معنى أن تخسر امرأة حياتها لأنها ماتت، ربما، بضربة خطأ من أخٍ، لأنها رفضت إعداد الطعام له، لأنه يعاملها كالخادمة، إننا نشعر بالتوتر المُستمر إذا عاملنا المدير العمل بفوقية، أو خسرنا أمام تجاربنا العاطفية، قِسها على هاتين، وأمور أخرى. كيف للنسوية التي تقعد في مكتبها مع مئات الملفات حول التعنيف وسلب المرأة من ذاتها - وإن لم يكن عامًا - أن تتخلى عن تشنجها بهذه البساطة.

لقد نجحت النسوية الفلسطينية، المنتمية بالأساس للنسوية العالمية على اختلاف تياراتها، في خلق عداءات قوية وعميقة مع فئات المُجتمع، وقد فشلت أغلب فئات المجتمع كذلك، في استيعاب أهمية وجود الحركة النسوية كشريكٍ ومُراقب، شأنه شأن النقابات والهيئات أو أي ذراعٍ اجتماعي يرفض الكسر، والنتيجة شيطنة النسويات.

لا تؤمن أغلب المجتمعات العربية بتحرر المرأة، بما فيهم بعض المثقفين، وإن لم يكن موضوعنا، فمن الجيّد ذكر الدلائل، إذ إن جسد المرأة لا زال مكونًا، لنسج بيتٍ شعري أنيق، أو لوحة، نالت شهرة في مَعرَضٍ ما، في حين يقفز الجسد نفسه في تجارب عالمية ليكون مجرد أداة إلى جانب مُلهماتٍ أُخرى، لذا يبقى الخطاب النسوي حبيس تجاربه ومحيطه، تمامًا كشخصٍ يريد من الآخرين معاملته بلين، في حين يحتفظ هو بشخصيته الغليظة معهم.

لقد نجحت النسوية الفلسطينية، المنتمية بالأساس للنسوية العالمية على اختلاف تياراتها، في خلق عداءات قوية وعميقة مع فئات المُجتمع، وقد فشلت أغلب فئات المجتمع كذلك، في استيعاب أهمية وجود الحركة النسوية كشريكٍ ومُراقب، شأنه شأن النقابات والهيئات أو أي ذراعٍ اجتماعي يرفض الكسر، والنتيجة شيطنة النسويات، والنسويات يشيطنَ المُجتمع، لكن الشيطان يقف بعيدًا لم يمسه أحد.

تعاني الحركة النسوية، كما كل شيء في مجتمعنا، من معايب الأداء، ونحن هنا لا نُعرّي النسوية بقدر ما نساويها بمشاكل التجارب الاجتماعية الأُخرى، ومن ذلك احترام المرحلية. لماذا يعتبر المجتمع مطالب الحركة النسوية معارك لمجرد المُبارزة؟ ولماذا تنّجر النسويات إلى المرحلة الأخيرة من المعارك بدلًا من تجنبها، مع مواصلة العمل من أجل المرأة؟ إن الردود الغاضبة المُستمرة، والتي ينقصها الوعي والدراسة، أذهبت بين الأرجل، قضايا كثيرة تخص المرأة.

يستحيل أمر الإتيان على كل شيء في القضايا الإشكالية المُعقدة، لذا لا نستطيع ذكر كل الأسباب التي تتعلق كوّن الخطاب النسوي مُتشنجًا، أو يُنظر إليه أنه كذلك، لأننا قد نعرف أهمها الذي يخلق الخوض في تفاصيلها اعتراضات وتساؤلات تحتاج المزيد من الشرح الدائري أو العادي، ليحصل الإرباك والشوشرة، ما يعني أننا بحاجة لأن نرتاح مجددًا، ثم نبدأ النقاش، متخلصين ما فات من أسبابٍ ومُتعلقات ثانوية، وربما نحن لا نعرف كل شيء عن الخطاب النسوي، بما فينا النساء والنسويات، لكن من المهم معرفته، أن ما قد يجعل الخطاب النسوي ينجو، باعتباره جزءًا من كِل مُتعثرٍ في المجتمع.