بنفسج

عزيزتي حواء، البوصلة الى أين؟

الجمعة 21 اغسطس

حينَ أتصّفحُ يوميًا مواقع التّواصل الاجتماعي، أو يُفتحُ نقاش في جلساتنا النّسوية، يكثرُ الحديثُ ويتواصلُ حول وظيفة المرأة الأساسية في الحياة، إذ توسّع الجدل، الذي يأخذُ مساراتٍ ونتائج مختلفة، بطبيعة أن المرأة تمثّل نصفَ المجتمع، وكلّ ما تمارسُه يلقي بظلاله على صناعةِ مستقبله حتمًا. وفي ظلّ مجتمع ما بعد الحداثة، هذا الذي وضعت فيه المرأة بصمتها الحقيقيّة، دون أن يزايدَ عليها أحد بولوجها مختلف التخصصات، متغلبةً بذلك على عوائق مجتمعية وتقاليد ثقافية.

 

وحقّقت نجاحات مبهرة، سواء كانَ ذلك برغبة وطموحٍ منها، أو الظروف المجتمعية الأسرية والاقتصادية دفعتها إلى ذلك، فالتّي منعتها الظروف يومًا من التعلم، أكملته بما يتيحُه لها الواقع، والتّي كانت تتوقُ لمنصبٍ حقوقيّ نالتُه، والتّي حلِمت بأكبر مصنع للخياطة أسستّه، والطبيبةُ التّي حلمت بالجراحة صارت لا تجد وقتًا من برنامجها المكثّف بالعمليات الجراحية، أمّا التّي أرادتِ النضال في السياسة أو أن تصنع اختراعًا ميكانيكيًا، أصبحت تجدُ لها مكانًا مرموقًا في أكبر الشركاتِ والمجالس، وهلّم جرة.

 

أمّا بعدُ يا سيدتي، ليسَ من الصواب أن أدلكِ أو أعرّفك حول وظيفتكِ في الحياة، أو أن أرشدك لتكوني ماكثةً في البيت أو خارجَه، لأنني بذلك التوجيه أكون قد قتلتُ فيكِ فطرة حبّ، فطرة البناء والتعلم، وغايةَ الاستخلاف التي خُلقت من أجلها، لكننّي أصدقُك القول أن هذا الأمر هو مسؤوليتك أنت، نظرتك أنت، رغبتُك أنتِ، لا يجوزُ لأي كانَ أن يحرّك بوصلة خياركِ حيثُ لا ترغبين، أو أن يحجب عنكِ شمسُ أحلامٍ ترنو لها نفسُك، إنّما الأمر يحتاجُ منكِ فطنةً لأمرين، الأول أن تتعلمي من تجارب النسوة حولكِ من نجحن، ومن فشلن في كلّ الخيارات، يجوزُ لنا الاقتداء الحسن لا التقليد يا رفيقتي، أما الأمرُ الثّاني هو اختيارُ الوجهة التّي تناسبكِ أنتِ، الوجهة التّي تكونُ على مقاسِ قناعاتِك، أهدافِك، قدراتُك، وواقعِك.

 

| سنديان الوظيفة أم البيت !

 

اخر.png

لا تستمعي لكثيرٍ من الرّوايات الرومانسية التّي تصور المرأة وقد تمتعت بأعلى درجات الراحة، والغنج الدرامي، أو تجمّل لكِ المرأة وكأنها سوبر womenالخارق القادر على فعلِ كلّ شيء وأي شيء، فأن تُدركي دور المرأة في الحياة أولى من أن تحصري تفكيرك بينَ سنديان الوظيفة أم البيت !

 

هكذا تكونين كمن جعلت نفسهَا بين ثنائية جامدة، لأن الخيار بين هذه الأمرين هو ما يُرادُ لكِ أن تقعي في دوامته، وهو ديدن الصراع الحضاري الذّي يضعُ المرأة اليوم بين خيارين لا ثالثَ لهٌما: الوظيفَة أم الزوج، الدراسة أم إنجاب الأطفال، العمل أم تربية الأولاد، الطموحات أم الأمومة وغيرِها من الثّنائياتِ المتناثرة هنا وهناك، تسمعيِنها كلّ يومٍ وعند عتبةِ كلّ خيارٍ أو قرار تودّين تقرير مصيركِ تجاههُ.

 

هل تعلمين عزيزتي أنّ هذه الدوامة هي ما يسلب حريتك، لستُ أحدثك عن الحرّية التّي يعلُكها إنسان الديمقراطيّات المزّيفة، أو إنسان المجتمعِ الصّناعي، ذلك الذي يوهمِك بأنّك حرّة، لكنكِ أمَةٌ للآلة وللأشياء وللقوانين والإعلام الذّي يتاجرُ بخياراتِك كسلعة يوميّة بمنأى عنك. لنعودَ لحريّتك الطبيعيّة سيدتي، الحرّية الخاصة بكِ هي التّي تحددها قيمِك الشّخصية وطموحاتِك المنطقيّة، وقراراتك التّي ترينَها صالحة لزمان ومكانٍ ما، الحرّية الطبيعيّة هي أن تستمعي لصوتِك الداخليّ دون تأثرٍ خارجيّ لتقررّي تجاه خياراتك في الحياة، بطريقةٍ صائبة إلى حدّ ما.

 

فالكثيرُ من بناتِ حواء اليّوم يقعن في مغالطات كبرى، يقسنَ إثبات ذواتهن، والتّميز الشّخصي بالأخريات، فلانة دكتورة، فلانة موظفة، فلانة مربيّة مميزة، فلانة طبّاخة ماهرة، حتى أُعميت الأبصار وأصبحت الكثيرات ممن لا يحققن شيئًا من هذا القبيل تبدو الحيرة على أعينهن، دعكِ من هذا!

 

| للخروج من عنق الزجاجة

 

لم يكُن نجاحُك سيدتي مرتبطًا بمهنةٍ أو وظيفة تسعين ورائها، أو في هدفِ واحد ووحيد، بل النّجاح يكمنُ في كلّ الإنجازات البسيطة، يكفي أن تختارينها أنت بحبّ ورغبةٍ فيها، المُّهم أن تكون نابعة من قلبكِ ورغبتكِ أنت.

إن معرفتك لدورك في الحياة والسبب الذي خلقتي من أجله، ستجعلك تحددين أدوارك الكاملة، والهادفة والعميقة بسلاسة، وتخرجين من عنق زجاجة العبودية التّي فرضتها حياة اليوم، أنت سيدتي، حينما تتعمقين في معرفة أدوارك، ستحددين أهدافك بتوازن، من ثم يصبح قياس النجاح في حياتك الشّخصية، الأسرية أو العملية له معايير ومحددات صالحة ومتناسقة مع أدوارك الأساسيّة .

 

لأننا اليّوم نخطىُ في معرفة أسباب وجودِنا لجانب الرّجال، ولا ندرك كيفية انتقاءِ أدوارِنا، أو الإجحاف في حقّها ما دُمنا لا نعرُفها أصلا، فمعرفةُ دورك كأم وكزوجة وكعاملة وكمؤثرة مختلفٌ أيّما اختلاف، وإن كان لبعضِنا نفسُ الأدوار، فالمتغيّرات الأسرية والمجتمعيّة والماديّة مختلفة بيننا جدًا، ما يوجبُ عليكِ وعليّ وعليها أن نحترمَ هذا من أجلِ تقدير ذواتِنا وعدم ظلمها في ظلّ التقلبّات التّي يشهدُها المجتمع، وهو الأول الذّي يحتاجُنا قويّات، متميّزات وعارفاتِ فاهماتٍ لأدوارنا موقناتٍ بأننّا نسلكُ طرقًا يصبُّ أثرها في بناء المجتمع أولًا وأخيرًا.


لم يكُن نجاحُك سيدتي مرتبطًا بمهنةٍ أو وظيفة تسعين ورائها، أو في هدفِ واحد ووحيد، بل النّجاح يكمنُ في كلّ الإنجازات البسيطة، يكفي أن تختارينها أنت بحبّ ورغبةٍ فيها، المُّهم أن تكون نابعة من قلبكِ ورغبتكِ أنت، لأنّ وظيفتُك الأسمى هي التّي تشعرك في انتهاء يومك بأنك أضفت للأمة شيئًا، سواء كنتِ ماكثة بالبيت أو عاملة، أو فاعلة اجتماعيًا بتطوعٍ أو مربيّة لأطفالك أو متفرّغة لزوجك.

 

حواء إثبات ذاتك الصحيح، ينطلقُ من كونك لا تنافسين سوى نفسك، وتتغلبين على مخاوفك، لا أن تنافسي رجلًا أو امرأة أخرى، لسنا بنفس الأهداف ولا الأولويات، ولا ذات الشخصيات واحترام اختلافاتنا أولى، فلا يغرّنك حالها ولا يحملُك الغيظ، لأنّ فلانة تمارسُ شيئًا غير الذّي تمارسينه، لستُ أقصد هنا كبتُ الأحلام والطموحات، لكننّي أقصد المقارنة الصفريّة، تلك التّي تشعرك أنك لا شيء ولا تشبهين قريناتك.


احترامُ أنفسنا يبدأ من قناعاتناَ منطلقاتنا أسباب وغاياتِ وجودنا، فأن أختار تربية أبنائي وسعادة بيتي وتختار تلك وظيفة صباحية وأخرى وظيفة تطوعية وثالثة بحرفتها وأخرى تختار الجميع وتقدر عليه لا يعني أننا لسناَ بنفس القدر من الوصول، بل من الخطأ أن نجعل الاخر مقياسًا لناَ هذا يعود لرؤية كلّ مناّ وتفكيرها، المهم أننا نصبو لذات الغاية ونمارسُ السعي نحو أسباب وجودنا بطريقة مباشرة أو غيرِ مباشرة ألا وهي بناءُ الإنسان الصّالح لعبادة الله !


هذا وقد تختلفُ جسور وصولنَا لها، فلنقدر بعضنا بعضًا، وندفعَ بكلّ أنثى للقياَم بواجباتها وتحقيق طموحاتها وإدراك غاياتها، لأننا نشكل إضافات لبعضنا كلّ من ثغرها، في حدّ لا نغرقُ فيه لرمي عباءة الدور الأول الذي خلقنا من أجله ألا وهو صناعة نصفُ المجتمع ومبتدأ الأسرة.