بنفسج

من ألبس التضامن فستانًا وربطة عنق؟

السبت 02 أكتوبر

هل للتضامن جنس؟ هل يرتدي فستانًا مزركشًا؟ أم يرتدي ربطة عنق! كيف لمن جرب الظلم أن يرضى بالظلم؟ وهل تموت القضايا العادلة حين يظلمها المدافعون عنها؟ في عالم موازٍ تحكمه القوانين دون الأعراف والمسميات الرمادية، من حق الأب في ابنته بما يعرف بوليّ الدم، ومن تخفيف العقوبة بداعي الشرف للأخ أو الزوج بما يُعرف بلحظة غضب دفاعًا عن عرضه، هناك حيث كل مسمى باسمه؛ قاتل ومقتول، مجرم وضحية، ودم طاهر مسكوب من جسد ضعيف، لا يهم هذا الجسد أكان ذكرًا أم أنثى، هو فقط إنسان لم تسعفه قوته الجسدية ولم تسعفه رتبته كإنسان في مجتمعه أن يبقى حيًا، يُوقف الجاني أمام القاضي، ويحكم بسنوات عمره لقتله إنسان دون وضع أي مبرر وأي تخفيف لصلة قرابة أو دم.

| عنصرية التضامن

لا أعلم كم نحتاج من السنين والأجيال لنستهلكها لنغير القوانين والأهم الثقافة الدموية، لكن ما أعرفه حقًا أننا نعاني، وسنظل نفقد أرواحًا ونعاني.  وصار الصراع بين ذكر وأثنى، فريقان يحاول كل منهم تسديد هدف في مرمى الآخر.

هناك معاناة جليلة ظهرت، ألا وهي: "عنصرية التضامن حسب الجنس"؛ أي تحويل التضامن من سلوك قائم على رفع المعاناة لكل مظلوم إلى سلوك عنصري حسب الجندر على قاعدة "النساء للنساء"، "والرجال للرجالِ"، فحين يصبح الجلاد ضحية، ويصير للضحية سوط تتغير العناوين وتتحول المبادئ من مبادئ سامية وشاملة إلى مبادئ عنصرية.

لا أعلم كم نحتاج من السنين والأجيال لنستهلكها لنغير القوانين والأهم الثقافة الدموية، لكن ما أعرفه حقًا أننا نعاني، وسنظل نفقد أرواحًا ونعاني. ومن المعاناة في هذه الحلبة الضيقة، معاناة مخفية لا تكاد تظهر ولا يُشعر بها، فبعد أن صبغت الحلبة والقوانين والحكم والتضامن باللون الأزرق الذكوري والزهري الأنثوي كما تقتضيه ثقافتنا حتى في جندرية الألوان، وصار الصراع بين ذكر وأثنى، فريقان يحاول كل منهم تسديد هدف في مرمى الآخر.

هناك معاناة جليلة ظهرت، ألا وهي: "عنصرية التضامن حسب الجنس"؛ أي تحويل التضامن من سلوك قائم على رفع المعاناة لكل مظلوم إلى سلوك عنصري حسب الجندر على قاعدة "النساء للنساء"، "والرجال للرجالِ"، فحين يصبح الجلاد ضحية، ويصير للضحية سوط تتغير العناوين وتتحول المبادئ من مبادئ سامية وشاملة إلى مبادئ عنصرية ننادي بها متى نشاء ونقصيها متى نشاء حسب الضحية إن كانت من ملتنا وشيعتنا أم لا.

في رأيي هذا التأييد الأنثوي نتاج من سنوات طوال وأحداث وأخبار ومعارك صرنا نشهدها يوميًا في الإعلام، من قتل واغتصاب وجرائم أمام تقصير القانون واستمرارية ثقافة المجتمع، وتسليم بها دون محاولات جادة في التغيير، فأصبحت هناك انعكاسات لندية الرجل والمرأة.

في العادة، تبدأ حوادث القتل في البلاد بعناوين: "قتلها زوجها"، "قُتلت على يد أبيها"، "قُتلت على يد أخيها"، وكما هي العادة، ينقسم المجتمع لمستنكر بوضوح ومحتقر للجاني. وآخرون يستنكرون من وراء حجاب، يعلنون تضامنهم المشروط بأن لا يكون المجني عليها مرتكبة فعل أو خارجة عن المألوف، مع عبارات تقطر تشجيعًا للمجرم "أبصر شو عاملة"، "أكيد عاملة إشي". لكن ماذا لو خرجنا عن المألوف؟ خرجنا عن العناوين المنونة بنون النسوة كضحية! وصارت هذه النون تحمل مسدسًا أو سكينَ مطبخ! أو تنكة بنزين على جسد "زوجها"، ويصبح العنوان "إمراة تقتل زوجها"، "حرقت زوجها". نفس الجريمة في العادة لكن تغير مكان الفاعل والمفعول.

أقرأ في الأخبار عن حوادث قتل النساء للرجال، من طعن أو حرق، تدهشني الكثير من التعليقات التي تحمل طابع الاستهزاء، وأغلبهن من إناث يكتبن كلمات "بستاهل"، "برافو عليها"، "الله يقويها"، "خليها تربيه". ذات الكلمات التي كنا نقرؤها من البعض حين تكون الضحية أنثى ونشعر بظلمهم المعلن، وهم يشدون على يد الجاني! وها هي ذاتها حين كانت الضحية رجل. كل فريق يشد على يد فريقه! كأنها مباراة كرة قدم بغياب الحكم. لا كرت أحمر يوقف المهزلة ويعيدها إلى قاعة الحكم والعقل، لا كرت سوى الدم والانتقام.

| غابة الإنسان

غالبًا الضحية تكون الزوجة سواء بالموت أو الضرب، هكذا عودتنا الأخبار، فحين نشهد أن "الآية قد عُكست"، والضحية هو الزوج، ننهال عليه بالتعليقات المضحكة والمشجعة وكأنه ليس إنسانًا في نهاية المطاف، وكأن دمه ماء. صحيح أن الزوجة لا يمكنها الاختباء خلف العبارة القانونية والمجتمعية "القتل من أجل غسل العار"، وتحصل على أحكام مخففة كما يفعل الرجال القاتلون، لكن تأييدها كقاتلة والمزاح في دم المقتول هو نوع من الظلم ليس فقط له، إنما ظلم لأنفسنا ومبادئنا.

تعليقات فيها غلّ وكره ونوع من سداد الدين لما يحدث مع النساء مفادها "لنكسر الروتين وبدل أن تكون الأنثى مقتولة، اليوم هي قاتلة! هل حقًا نشاهد برنامج مملكة الحيوانات على ناشونال جيوغيرافك؟ يقول الكاتب ممدوح عدوان في كتابه حيونة الإنسان "إننا نعيش في غابة، والمسافة بين الإنسان والوحش صغيرة لدرجة أن أيًّا منا يمكن أن يكون الضحية أو الجلاد". في رأيي هذا التأييد الأنثوي نتاج من سنوات طوال وأحداث وأخبار ومعارك صرنا نشهدها يوميًا في الإعلام، من قتل واغتصاب وجرائم أمام تقصير القانون واستمرارية ثقافة المجتمع وتسليم بها دون محاولات جادة في التغيير، فأصبحت هناك انعكاسات لندية الرجل والمرأة، الاثنان في حلبة يشجعه جمهوره، فأصبح الاحتقان من الطرفين كبير لدرجة تغييب المحاكمة العقلية في التعامل مع الجرائم.

غالبًا الضحية تكون الزوجة سواء بالموت أو الضرب، هكذا عودتنا الأخبار، فحين نشهد أن "الآية قد عُكست" والضحية هو الزوج ننهال عليه بالتعليقات المضحكة والمشجعة وكأنه ليس إنسان في نهاية المطاف، وكأن دمه ماء. صحيح أن الزوجة لا يمكنها الاختباء خلف العبارة القانونية والمجتمعية "القتل من أجل غسل العار"، وتحصل على أحكام مخففة كما يفعل الرجال القاتلون، لكن تأييدها كقاتلة والمزاح في دم المقتول هو نوع من الظلم ليس فقط له، إنما ظلم لأنفسنا ومبادئنا.

التضامن 4.png

فيجب أن يكون هذا الأمر مرفوض، لأنه مخالف لفكرة رفض الظلم وإحقاق الحق، التي لا تخضع للجندرية، بغض النظر عن جنس الضحية، هو مرفوض لأن الظالم حين ارتكب جريمته ليس من أجل الاقتصاص من الثقافة "إن كانت أنثى، أو تأييد للثقافة إن كان رجلًا، إنما لأنه إنسان مبرمج على التعدي، ولو حدثت مشكلة بينه وبين شخص من جنسه سيتعامل معه بنفس الطريقة الإجرامية، فالسيدة التي قتلت زوجها، تحمل طابع الظلم التي لربما تؤذي أطفالها أيًا كان جنسهم، أو زميلتها في العمل، وإن كان القاتل رجل هو يحمل داخله العداء والقوة ومستعد لأن يقتل رجل مثله في الشارع لو حدثت بينهما مشكلة.

ربما في هذا البيت؛ المرأة مظلومة وفي البيت المجاور الرجل هو المظلوم، لا يصح أن "نفرح" بأنه مظلوم كنوع من مناصرتنا لحقوق النساء، لا يصح الفرح كنوع من الانتصار على الرجال، نحتاج أن نكون شموليين في الفكرة، والمبادئ لا تتجزأ، وحتى لا نعطي فرصة للذين يقولون "يلي مجننينا بقصص ظلم النسوان لي بيختفوا لما رجل ينقتل؟".

القتل والظلم مرفوضان سواء إذا وقع بين زوج وزوجته، بين مواطن وآخر، بين سيدة وأخرى، وحتى بين إنسان وكلب في الطريق العام. أن تتضامن مع الضحية حسب جنسك، هذا ظلم بعينه، تذكّر أن الظالم لا يفرق بالجنس، هو إنسان قاتل، مستعد أن يظلم أطفالك حتى ولو كان من نفس جنسهم، مستعد لأن يغيب القضاء والقانون ليشبع ظلمه. يجب أن نخوض نضالاً جماعيًا وشاملاً ضد أي ظلم وعلى أي مظلوم بغض النظر عن الجنس والعرق واللون. لا تجلعوا تضامنكم يرتدي فستانًا أو بدلة وربطة عنق!