بنفسج

قطعن أيديهن: لماذا يتنكرن لبنات حواء؟

الإثنين 21 يونيو

عصر مواقع التواصل ونقل الأخبار دقّ جدران التفكير عند الكثيرين، تُقتل سيدة في غزة مثلاً، فترى الخبر انتشر في مواقع لبنانية. هروب فتاة تعرضت للضرب المبرح في السعودية يصبح تريندًا في عدة صفحات عربية. وهذا يعني أن الخبر لم يعد يُدفن في البئر مع الضحية. أثناء تصفحك لأخبار وتعليقات الرأي العام، سيتشكل لديك لمحة جيدة عن فلسفة الحياة لدى البعض، وعن أفكارهم، وماذا تحمل عقولهم، وماذا يخبئون في بيوتهم.

| المرأة عدو المرأة!

في الآونة الأخيرة، كثرت أخبار العنف ضد النساء وصارت مواد دسمة للإعلام، وفي خضم التعليقات، غالبًا، نلمح اتجاهين؛ أولهما ضد العنف، والآخر يتنكر خلف عبارات تعطي كرتًا أخضرَ للجاني؛ مثل "يمكن عاملة شي تستاهل القتل".
 

أن تقرأ هذه الردود التي قال بها بعض الذكور أمرٌ ليس بغريب. لكن إن كانت هذه التعليقات من أمهات لهن بنات؟ فالردود التي تترصد بالمرأة وتقلص نجاحها، وتأكل حقها تتشعب من مفهوم الذكورية، والذي لا يقتضي بالضرورة أن يمارس من قبل الذكور، إنما من بعض النساء اللواتي يشاركنا العمل والجلسات.

في الآونة الأخيرة، كثرت أخبار العنف ضد النساء وصارت مواد دسمة للإعلام، وفي خضم التعليقات، غالبًا، نلمح اتجاهين؛ أولهما ضد العنف، والآخر يتنكر خلف عبارات تعطي كرتًا أخضرَ للجاني؛ مثل "يمكن عاملة شي تستاهل القتل"، "تستاهل الضرب والحبس". لا يقتصر هذا على أخبار العنف، إنما بمواضيع الطلاق والزواج، أو عن خبر يتحدث فيه عن نجاح سيدة في عملها أو مشاركتها في عمل مجتمعي، سترى تعليقات سلبية تسيء للأنثى لمجرد أنها أنثى، أن تقرأ هذه الردود التي قال بها بعض الذكور أمرٌ ليس بغريب.

 لكن إن كانت هذه التعليقات من أمهات لهن بنات؟ من الأخوات؟ من الصديقات والمعلمات؟ فالردود التي تترصد بالمرأة وتقلص نجاحها، وتأكل حقها تتشعب من مفهوم الذكورية، والذي لا يقتضي بالضرورة أن يمارس من قبل الذكور، إنما من بعض النساء اللواتي يشاركنا العمل والجلسات والأحاديث، على اختلاف مستوى ثقافتهن، كنّ ربات بيوت أو مديرة في شركة، وسواء أدركن معنى الذكورية والنسوية، أو لم يدركن، فهناك سيدات يمارسنها دون علم بماهيتها إنما بغير قصد نتيجة ترهلات فكرية وعادات مجتمعية، لذا سنحاول في هذه المقالة فهم هذه الحالة من النسوة التي خلعنّ جلدهن، وما الأسباب التي تجعلهن يفضلن الوقوف مع الجاني وضد جنسهن بغير حق؟

قطعن5.png

في البداية، الذكورية كما تعرفها عالمة الاجتماع شارلوت خليمان – وهو أول رصد لتعريف المصطلح عام 1914 حسب المؤرخة جوديث ألن- "هو مصطلح يشير إلى معارضة الرجال الكارهين للنساء ولحقوق المرأة، ويتسع ليشمل الأعمال السياسية والاجتماعية والثقافية الجماعية للرجال لصالح جنسهم". إذًا، الذكورية بشكل عام تعني؛ الأفكار المفتعلة ضد المرأة، القائمة على تمييز ضد النساء بناءً على جنسهن ونوعهن الاجتماعي، وحصرهن في قوالب نمطية، وفي المقابل، توفير امتيازات اجتماعية للرجل بناء على جنسه فقط، وإعطائه السيادة في المجتمعات.

مع الوقت والتكرار تتحول العادة والممارسة إلى حقيقة في اللاوعي لدى عقل المجتمع الجمعي، وستجد لها مدافعين كأنها مقدس لا يمكن الأخذ بخلافه، فقد اعتادت الأجيال الماضية بشكل عام على الصورة النمطية لأدوار الرجل والمرأة، فبعد أن كان هناك نوع من العمل المتساوي في مجال الزراعة ورعي الأغنام، تحولت مع الوقت وتنوع فرص الرزق ودخول مجالات تحتاج إلى شهادة جامعية من جامعات المدن البعيدة فيقتضي السفر لها، ظهر نوع من اختزال للأدوار بين العمل خارج البيت إلى الرجل وداخله إلى المرأة.

الذكورية بشكل عام تعني؛ الأفكار المفتعلة ضد المرأة، القائمة على تمييز ضد النساء بناءً على جنسهن ونوعهن الاجتماعي، وحصرهن في قوالب نمطية، وفي المقابل، توفير امتيازات اجتماعية للرجل بناء على جنسه فقط، وإعطائه السيادة في المجتمعات.

 غالبًا، المال يأتي من جيب الرجل، وتربية الأطفال والقيام على شؤون البيت هو اختصاص المرأة، لكن بعد اجتياح التعليم والجامعات في معظم المدن، وإعمال العلم المكتسب في العمل، وظهور أعمال لا تقتصر على المجهود البدني، إنما العقلي والمستوى التعليمي، فأصبح لدى النساء حاجة للتمرد على المتعارف به والخروج لفرص العمل، والمشاركة في تسديد مصاريف البيوت ومتطلبات الحياة، وتحولت من عالة إلى معيل لنفسها، ومعيلة للأسرة أحيانًا، وفي كل هذا، صار عليهن واجبات ومسؤوليات ولهن حقوق، فأردن إعادة التعريف مرة أخرى للأدوار وفهم جديد لفلسفة الحياة المشتركة يناسب الحاضر الجديد، بما أنهم يجتمعون على كوكب واحد، وليس رجالاً من المريخ ونساء من الزهرة.

| عبارات مقيتة من نساء

قطعن4.png

ورغم دوران عجلة الحياة إلا أننا ما زلنا نسمع عبارات هادمة، والمؤسف، في بعض الأحيان، أن يكون صاحب العبارة سيدة؛ تبارك إحداهن لجارتها بإنجابها طفلة وتكمل "عقبال الصبي"، يكثر عدد البنات في البيت فتقول الأم "هم البنات للممات"، تقول طالبة جامعية لزميلتها "أنا ما بنزل موادي إلا عند دكتور، لأن الدكتورات ما في أسوء منهم بالتصليح والمعاملة"، تُضرب الابنة من زوجها فتقول أمها "ما دام بصرف على البيت وبرجع على بيته اصبري"، تقول الجدة لحفيدتها "ما تعترضي ولا تحكي لا، بكرة بترجعي مطلقة وبتفضحينا". ترد تعليق إحدى الأخوات على خبر قتل فتاة "تستاهل، أبصر شو عاملة"، تقول مريضة "مستحيل أن أذهب إلى دكتورة الرجال أشطر"، وغيرها من العبارات التي تتسرب في الأحاديث لتعطي ضوءًا أحمرَ يستلزم الوقوف والسؤال؛ لماذا؟ حتى ننظر للأمر بموضوعية، يجب أن نتناول عدة نقاط ساهمت في خلق هذه الظاهرة:

| التأويلات الدينية: الفهم الذكوري والمحدود للدين وتنميطه ليخدم رؤيا معينة توافق ما تريده السيادة، فترى الكثير من البرامج التي كانت تعرض على شاشات الأبيض والأسود إلى اليوم، تنادي بفكرة البيوت، بفكرة الضلع الأعوج، ناقصات عقل ودين، سبب خروج آدم من الجنة، والكثير من الأحاديث التي تخلق دوائر حمراء للمرأة وتجعلها رتبة ثانية، وعدم إبراز كيف كنّ النساء يعملن في التجارة ويشاركن الرجال في المعارك ويسألن ويعترضن في مجالس العلم والفقه، وكيف كان الرسول الكريم مع أهل بيته.

| العادات والعرف: فعادات المجتمع الأولى، المقتصرة على أن الأنثى تابعة، ولا تستطيع أن تدير أمرها، وأفضل عمل لها هو البيت، وأنها مسؤولة من قبل الرجل، وتفضيل الأولاد الذكور على الإناث. كل هذه الأفكار صارت تتصادم مع فجوة الأجيال، فالجيل الجديد من الأناث الذي يعمل وينفق من عمره في الجامعات والتعلم، ويتعب للتخرج وإيجاد فرصة عمل، وتبلور لديه مفهوم الاستقلال المادي، والتحول من فكرة أن الزواج أمر محتم وتبعية وستر- بمفهوم الأمهات القديم- إلى فكرة أن الزواج مشاركة وقرار شخصي.

| عدم التجربة: معظم النساء اللواتي يتبنينّ هذه الأفكار لم يخضعن لتجربة الدراسة والعمل، ولم يعرفنّ الجد والسهر من أجل الحصول على علامة جيدة في التمريض، أو السفر من أجل منحة تفوق، ولربما لم يجربنّ معنى أن تكوني يتيمة دون معيل وبحاجة إلى العمل، لربما بسبب الفقر، أو زواج في سن مبكر، أو بسبب تبني أهلهن لهذه الأفكار، فصرنّ ضحايا مدافعات عن هذه العادات لأنه بنظرهن لا خلاص منها، وترسخ في ذهنهن أن هذا هو الطبيعي، بالإضافة لكونهن مستقبلات للروايات دون خوض غمار البحث وتكوين رؤيا ذاتية، مثلًا، أن تسمع الأم من ابنتها عن أستاذة جامعية سيئة المعاملة، وبالمقابل، الأستاذ ليّن ومساعد لطلابه، أو تجربة جارتها التي تعالجت على يد دكتور ناجح وذمها للممرضات المساعدات له.

| الاستخفاف بتربية الأطفال: عطفًا على النقطة السابقة، في الاتجاه المقابل، هناك بعض التصرفات الخاطئة من السيدات العاملات فيها نوع من الاستخفاف بفكرة تربية الأطفال والبقاء في البيت من أجلهم، وترك الدراسة في سبيلهم، فيصبح الأمر منافسة كأنهما فريقان يحاول كل منهما قهر الآخر بكلامه.

| البطالة: فترى الكثير يتبنى فكرة بما أنه لا يوجد فرص عمل جيدة للسيدات، فلماذا يدرسن ويعملن.

| حوادث التحرش والاغتصاب: التي تحدث للنساء خارج بيوتهن، فيأتي عامل الخوف سواء كان خوفًا عليهن لذاتهن، أو خوفّا على سمعة وشرف العائلة.

 
 
هذه الأفكار خلقت نوع من التطرف لكلا الجنسيين، وكأنهما في مبارة كرة قدم، ويجب أن يخرج فائزًا وخاسرًا، لذا سنرى أحيانًا كرهًا واستخفافًا غير مبرر، والأهم إرباك المؤسسة المهمة في المجتمع وهي الزواج، القائم على فكرة البيت وجمع إنسان جيد وصالح مع إنسان جيد وصالح لإنتاج أطفال صالحين لمجتمعهم.
 
 لذلك يجب إعادة صياغة "وفلترة" الأفكار والمفاهيم لنتجه نحو علاقات صحية وجيدة في البيوت والشارع والعمل، والذي يقيمك كإنسان هو أخلاقك وعملك وصلاحك لا أعضاءك التناسلية التي تحدد جنسك.

| كسب الرضا والقبول من ذكور العائلة: والحفاظ على الأمان والعيش المشروط بقبول هذه الأفكار، فهي ترى وجودها بالصف الأقوى، يحميها من النقد، ويكسبها الراحة، فهي كما نقول بالعامية "تشتري راحة راسها"، حتى وإن لم تع أنها هكذا تمارس الذكورية، فقد ذكرنا سابقًا أن هناك نوع ينتمي للفكرة ويمارسها دوي وعي أو قصد، إنما ترسبات أدت إلى نفس النتيجة، أو مشاهدة مصير الكثير من الرافضات لسيطرة الرجل، مثل السيدات التي تطلقن هربًا من الزوج السيء ولم يجدن دعمًا ماديًا أو نفسيًا من أهلهن، أو اللواتي ضربن وحبسن لمحاولتهن الوصول إلى مراكز حماية الأسرة، بالإضافة لمعرفتهن أن المنظومة السياسية والقانونية لا تقف بصفها مثل أغلب القضايا التي دفنت في أروقة المحاكم. أيضًا، الأعلام غير المنظم الذي ينشر الأخبار دون التأكد، فصار من ضمن ألاحتمالات أن هذا الخبر كاذب وصاحبته كاذبة، وللأسف، من الجانب الآخر، بعض السيدات أصبحن يتخوفنّ من التصريح أو طلب المساعدة خوفًا من التكذيب أو الاتهام باللهث خلف الشهرة.

فهل مقولة "عدو المرأة هي المرأة"، صحيحة؟ بالطبع ليست صحيحة بالمطلق، لكن، يؤخذ بها في كثير من المواقف، حين ترضين بالوقوف ضد النساء، فأنت تقفين ضد نفسك أولاً وضد بناتك في المستقبل البعيد، وحين تعتبرين العنف أمرًا طبيعيًا، سيصلك في لحظة ما، وحين تستهزئ في الرأي العام المطالب بالحقوق وإيقاف التمييز، سوف تخسرين حقوقك في المحاكم والشارع، نحن نريد أن نصل إلى مجتمع تتشارك فيه الأيادي لنصفق للجميع، وقوفك مع سيدة اليوم، هو خطوة جيدة للجميع غدًا، نبذ العنف من قتل وضرب وتمييز يجب أن يكون نبذًا ضد كل إنسان، سواء ذكرًا أو أنثى، طفلاً أو بالغًا، وكما يقول مانديلا: "ليس حرًا من يهان أمامه إنسان ولا يشعر بالإهانة".

وفي الختام، هذه الأفكار خلقت نوع من التطرف لكلا الجنسيين، وكأنهما في مبارة كرة قدم، ويجب أن يخرج فائزًا وخاسرًا، لذا سنرى أحيانًا كرهًا واستخفافًا غير مبرر، والأهم إرباك المؤسسة المهمة في المجتمع وهي الزواج، القائم على فكرة البيت وجمع إنسان جيد وصالح مع إنسان جيد وصالح لإنتاج أطفال صالحين لمجتمعهم، لذلك يجب إعادة صياغة "وفلترة" الأفكار والمفاهيم لنتجه نحو علاقات صحية وجيدة في البيوت والشارع والعمل، والذي يقيمك كإنسان هو أخلاقك وعملك وصلاحك لا أعضاءك التناسلية التي تحدد جنسك.