بنفسج

هل تكون المرأة عدوة لنفسها؟

الخميس 25 يونيو

خَلق الله الذكر والأنثى، وقسّم بينهما الرزق والفضل بالعدل وحسب الحاجات، وما فَضَّل أحدَهُما على الآخرِ مثقال ذرَّة. يتبادلان الإحسان ويقودان معًا سفينة الحياة إلى شطِّ السكينة والوداد، لكل منهما دورٌ، إن غاب اختلَّ ميزانها وتلاشَتْ كلُّ أسبابِ سلامتِها. فَأيُّ داءٍ ذاك الذي ألَمَّ بميزانِ الكون بَغتَةً لتنقلب الأمور ويختفي الاتزان؟ وأيُّ ريح تلك التي هبّت لتتآمر على الزهر لتُميتَه، أو تتكالب جهودُها لتذهب عبقه؟! ليأتيَ حينٌ من الدهر تصير فيه ال"هي" زهرة تُداس، أو تتجرع على الأقل مرارة الإهمال كأَنْ لم تكن شيئا مذكورًا؟!

لا عجب أن تتكالب العواصفُ على الزهرة وتفتك مخالبُ الظلم بال"هي"، وهي ذاتُها التي أرادتْ أن تكون ضحيةَ نفسها. فقبلت أن تكون وسيلة في يد رجل، وتناست حتى نسيت أن لها كيانًا مستقلًا يجعلها في الأصل قائمة بذاتها، مستغنية عن الآخر للتأكد من حقيقة وجودها. لم تكن هيَ يومًا بحاجة لصوت يعلو نيابة عنها ليوصل رسالتها، بل كيانا حرا له كلمته كما لل"هو" كلمته واختياره وحريته في الحياة. لكنها نسيت ثم قبلت بنصف حياة، حين اقتنعت من تلقاء نفسها أنها نصف الرجل. ثم اندثر النصف الثاني شيئًا فشيئًا ليصير في الوجود صفرًا.

| ضحية نفسها

 
المرأة هي التي أرادتْ أن تكون ضحيةَ نفسها. فقبلت أن تكون وسيلة في يد رجل، قبلت بنصف حياة، حين اقتنعت من تلقاء نفسها أنها نصف الرجل. ثم اندثر النصف الثاني شيئًا فشيئًا ليصير في الوجود صفرًا
 
إن الذي رسخ تسلط صنم الذكورية ليس الرجل وحده؛ المرأة ذاتها من ساهمت بالشكل الأكبر في جعل نفسها آلة للأعمال الشاقة والمهمات الصعبة دون توقف أو ملل، وقبلت أن تجعل من بيتها قبرًا يضع النهاية لها قبل أن يضعها لها الأجل،لتكون بذلك العدوة الأولى لنفسها.

أخبروا العالم أن الضعيف من يستهين بقوة امرأة، وأنها لا تحتاج أصلًا من يدافع عنها لتكون أو تتذكر قوتها. وأن من الجهل التمييز بين امرأة ورجلٍ في الإنسانية. لم يُخلَق الطموح ليكون مذكرًا وحسب، وإنما كان شعلة وزعت بالعدل على المرأة والرجل ليقودا معًا بحرارة واتزان موكب الحياة والإنجاز، ولينيرا سماء الكون متى طغت الدلاهم .

إن الذي رسخ تسلط صنم الذكورية ليس الرجل وحده؛ المرأة ذاتها من ساهمت بالشكل الأكبر في جعل نفسها آلة للأعمال الشاقة والمهمات الصعبة دون توقف أو ملل، وقبلت أن تجعل من بيتها قبرًا يضع النهاية لها قبل أن يضعها لها الأجل، فلا هي تحلم بتغيير مجتمع ولا بمزاولة عمل تثبت به نفسها، ولا حتى بالتحكم في أوقات حياتها عبر ممارسة هواية أو قيادة مشروع، أو أخذ قسط من الراحة على الأقل، لتكون بذلك العدوة الأولى لنفسها.

لقد ضاقت المحادثات والمجامع بشكاوى النساء في الكواليس، واحتجاجهن على بعضهن في غياب المشتكى منه الذي يستمر في عيش حياته، متجردًا من كل إحساس بالذنب تجاه المرأة التي لا يستطيع أن يدرك قيمة وجودها، وهو الذي ولد ليعرف المرأة مخلوقًا مهمته الطبخ والتنظيف وتربية الأبناء وتهيئ ظروف الراحة المثلى له، ظانًا ومعتقدًا أن ذلك دورها لا فضل وتعب منها. وأن العالم بانتظار الإنجازات والمعجزات التي تأتي على يد الرجل الذي له الحق في امتلاك الطموح طولًا وعرضًا. ولكن لا تغيير!

إن التغيير هدمٌ أو إصلاح لأجل تشييد بناءٍ متين الأركان. وإن تغيير ملامح البناء المادي لأهْونُ من تغيير عقلية مجتمع وتصحيح معتقداته، ولكن نزع جذور الذكورية وإحداث التحول يحتاج إرادة حقيقية وجهودًا جادة متدرجة، ليتقبل أفراد المجتمع الواقع الجديد الذي لم ننجح بعد في تحصيله بشكل حقيقي.

ليس القصد إضرامَ نيرانِ حربٍ مستعرة بين المرأة والرجل، ولكن القصد أن يسود الانسجام، ويهُبَّ كلاهما لأداء أدوارهما الفعالة في المجتمع، وأن تكف المرأة، سواء كانت فتاة، أو زوجة، أو أما عن الرضى بمصيرِ الانطفاء الذي اختارته ورضيت به، وإن كانت تعاني منه دومًا. دعيها ودعها تزهر، فإنها خُلِقَتْ لتأبى الذبول ويفوحَ عبقُ شداها فَيَعُمَّ بجماله الأرباع. دعوها تزهر، فإنها متى تفتحت وأزهرت، أعلنت الحياةَ مهرجانًا للجمال.