بنفسج

طيف التوحد: هل يُدمج أطفالنا في المدارس العامة؟

الأربعاء 06 أكتوبر

خلال رحلة اقتربت اليوم من عشر سنوات كاملة مع ابني، بعد تشخيصه بطيف التوحد، عايشنا سويًا الكثير من التحديات خلال رحلة التعليم. طرقنا أبوابًا كثيرة، هُددت بسحب حضانة ابني مني، واتُهمت بأني لا أقدّر ظروفه الخاصة، وأنني لا أرضى بالقدر. قالوا لي: "مستحيل، ولن يكون"، قالوا: "إن ذلك ضرب من الجنون". في تلك الرحلة بكيت كثيرًا، ودعوت الله أن ينير لنا الطريق ويهيئ لنا من أمرنا رشدًا. أكتب اليوم ردًا على سؤال؛ هل يستطيع طفلنا إكمال تعليمه في مدرسة عادية أم مدرسة خاصة بذوي الاحتياجات الخاصة؟ أو عندما يتواصل معي آباء يطلبون النصح بعد إصرار المدرسة أو المراكز العلاجية على أن يكمل الطفل دراسته في مدرسة لذوي الاحتياجات الخاصة.

كأم، وصاحبة تجربة، عاهدت نفسي على دعم آباء وأمهات الأطفال من ذوي الاحتياجات الخاصة، وخصوصًا اضطرابات طيف التوحد ونقص الانتباه وفرط الحركة، وشهدت على تجربة تعليم أختي الوسطى بعدما فقدت سمعها وهي بعمر العامين، وأكملت دراستها بشكل طبيعي، وتخرجت من كلية الآداب، وأكملت بعض الدراسات العليا لاحقًا، والفضل في ذلك لأبي وأمي، أؤمن بحق الدمج في التعليم العادي عندما يتوفر شرطان أساسيان؛ الأول أن يكون ذكاء الطفل في المعدل الطبيعي؛ والثاني أن يكون قادرًا على التواصل والتعبير عن احتياجاته ونفسه بأي شكل سواء بالكلام إذا كان ناطقًا، أو بلغة الإشارة، أو غيرها، إذا كان غير ناطق.

| طفل التوحد المدمج

لماذا صممت أن يكمل ابني تعليمه في مدارس عادية؟ المدارس المتاحة لذوي الاحتياجات الخاصة ربما تكون متميزة في الحالات الشديدة والصعبة، ومكانًا آمنا لهم، لكنها لا تراعي فارق القدرات لأطفال آخرين. في بداية رحلتنا التحقنا بمركز علاجي حكومي في باريس، وضعوا ابنى مع مجموعة من الأطفال غير الناطقين، ومن ذوي احتياجات مختلفة، يبكون طوال الوقت، بعضهم كان يقضي حاجته في أي مكان، فهو لا يستطيع الطلب أو السيطرة على نفسه. ما حدث بعد ستة أشهر أن حالة ابني تدهورت تمامًا، وصار يقلدهم، وفقد قدرته على الكلام بشكل طبيعي، عندها أوقفت ذلك فورًا، ولكن احتجنا إلى ضعف الوقت (حوالي سنة) كي يعود لحالته الأولى في التواصل.

وتشترط المدارس زيادة على ذلك، ألا يؤذي غيره من الأطفال سواء بالعنف أو بالحركة الزائدة عن الحد التي تشتت الآخرين، أو بالصراخ والبكاء. وذلك يتطلب أن يكون الوالدان مدركان تمامًا لقدرات طفلهم بشكل واقعي دون مبالغة حالمة أو نظرة سوداوية، يلي ذلك في الأهمية، أن النقص الموجود بطبيعة الحال سيتم تعويضه عن طريق مدرس ظل مرافق أو أدوات أخرى إذا كان هناك علاج دوائي، أو أجهزة ما أخرى، وذلك حتى لا يكون هناك ضغط نفسي عليه.

لماذا صممت أن يكمل ابني تعليمه في مدارس عادية؟ المدارس المتاحة لذوي الاحتياجات الخاصة ربما تكون متميزة في الحالات الشديدة والصعبة، ومكانًا آمنا لهم، لكنها لا تراعي فارق القدرات لأطفال آخرين. في بداية رحلتنا التحقنا بمركز علاجي حكومي في باريس، وضعوا ابني مع مجموعة من الأطفال غير الناطقين، ومن ذوي احتياجات مختلفة، يبكون طوال الوقت، بعضهم كان يقضي حاجته في أي مكان، فهو لا يستطيع الطلب أو السيطرة على نفسه. ما حدث بعد ستة أشهر أن حالة ابني تدهورت تمامًا، وصار يقلدهم، وفقد قدرته على الكلام بشكل طبيعي، عندها أوقفت ذلك فورًا، ولكن احتجنا إلى ضعف الوقت (حوالي سنة) كي يعود لحالته الأولى في التواصل.

| تحديات المرحلة

الدمج1.png
 

التحديات التي واجهتني في تلك الرحلة كثيرة، حتى لا أكون كمن يرسم صورة وردية، وحتى أكون أمينة في نصحي. فأحيانًا كثيرة أظن أن الدمج هو أكذوبة، ففي الوقت الذى تسكن فيه القوانين وينادي فيه التربويون بالدمج، تتعنت معظم المدارس العادية إلحاق الطلاب ذوي الاحتياجات الخاصة بها، وإذا قبلت ذلك على مضض، يستمرون بالضغط على الآباء والشكوى من الطفل، أو تقوم بتعقيد الإجراءات حتى يمّل الوالدين ويتراجعون عن طلبهما.

 ببساطة لأن ذلك سيكلفها مالًا للحصول على مدرس مرافق، ولتوفير وسائل الدعم الأخرى، ووقت لإنهاء المكاتبات والمراسلات للحصول على دعم، سواء من المراكز المتخصصة، أو من الإدارة التعليمية حسب التسلسل الإداري، وجهد من معلمة الفصل لاحتواء الطفل ومساعدته في الدمج، على سبيل المثال؛ انتقل ابني خلال مراحل تعليمه منذ التحاقه بالروضة بست مؤسسات، تلقينا دعمًا كاملًا في ثلاثة منها، فقط في الثلاثة الأخرى تعرضنا لضغوط شديدة، حيث تعرض ابني للتنمر.

يستحق لأننا نعطي أبناءنا فرصة ليعيشوا حياة طبيعية، لأنهم يتعاملون يومًا ما وحدهم، مع ذلك المجتمع، فلذلك علينا تأهيلهم تدريجيًا لذلك. يستحق أيضًا لأنه عندما يكون الطفل ذكيًا أو في معدل ذكاء طبيعي، فإنه يحتاج لشيء يوقظ العملاق الذي بداخله، شيء يحفز على إظهار قدراته.

هل يستحق الأمر المعاناة والتعب لدمجه في مدرسة عادي؟ نعم، يستحق. أعترف بأن حياتي المهنية كطبيبة أسنان قد توقفت تمامًا حتى أدعم محمد في استكمال دراسته في مدارس عادية، والحصول على الخطة العلاجية اللازمة له. أعترف أيضًا أنني قصرت كثيرًا في واجباتي المنزلية الأخرى، وأني أصبت في تلك الرحلة بالاكتئاب، وأحتاج بشكل دائم إلى دعم نفسي متخصص. إلا أنه لو عاد الزمن مرة أخرى سأتخذ نفس القرار مرة أخرى.

يستحق لأننا نعطي أبناءنا فرصة ليعيشوا حياة طبيعية، لأنهم يتعاملون يومًا ما وحدهم، مع ذلك المجتمع، فلذلك علينا تأهيلهم تدريجيًا لذلك. يستحق أيضًا لأنه عندما يكون الطفل ذكيًا أو في معدل ذكاء طبيعي، فإنه يحتاج لشيء يوقظ العملاق الذي بداخله، شيء يحفز على إظهار قدراته، مثل وجود أطفال آخرين يقومون بأشياء طبيعية بجواره، فيتعلم منهم مهارات التواصل الاجتماعي ويحاول أن يجتهد، سيتعلم مفردات جديدة، سوف يقلدهم في لعبهم.

| شروط دمج طفلكم

الدمج3.png

لكن هذا يحتاج أيضًا إلى انتباه وتوازن، نعم، أريد أن أحفز ابني، ولكن لا أريد ابني بالطبع أن يكون داخل دائرة مغلقة من التحديات، فينكسر ويشعر بالإحباط. لذلك تتطلب تلك الخطوة شجاعة وواقعية، فعلى سبيل المثال: اتخذت مرتين قرارًا بأن يعيد الصف الدراسي، وعملت مدة عام كمرافقة له عندما لم تسمح الظروف بوجود مدرس مرافق، فالأمر يحتاج إلى مجهود مضاعف منّا كآباء، وإلى بعض التضحية بالوقت والجهد والأهم من كل ذلك الصبر. إذا قررتم دمج طفلكم في مدرسة عادية، فهناك بعض النقاط المهمة التي ينبغي أن تنتبهوا لها: اعرفوا القوانين: عليكم الاطلاع على القوانين الخاصة بحقوق الدمج ورعاية ذوي الاحتياجات الخاصة بالبلد الذي تعيشون فيه.

ومن المهم مشاركة الفريق العلاجي للطفل في قراركم إذا كنتم تثقون فيهم، وبحث إمكانية تواصل الفريق مع المدرسة لدعمه، وأقصد بالدعم ما يلي أي شرح وتوضيح كيف يتعامل المعلم مع الطفل، التدخل في حالة وجود مشكلة نفسية تؤثر على الطفل مثل: التنمر من جانب الطلاب الآخرين، أو إساءة المعلم له بأي شكل،  توعية الطلاب الآخرين، حسب أعمارهم، بشكل علمي وتربوي بالتحديات التي تواجه طفلك وكيف يمكنهم دعمه، أن تكونوا قادرين على التواصل مع إدارة المدرسة في إطار واضح، ومعرفة حقوقهم وواجباتهم،  أن تكونوا قادرين على دعم الطفل دراسيًا حتى لا يُحبط، أو يشعر بأن هناك فرقًا كبيرًا بينه وبين زملائه.

أسماء.jpg
أسماء بركات مع طفلها

الصورة المرفقة صورتي برفقة ابني في مجلة لإحدى بلديات مدينة باريس منذ عدة أعوام، يتحدثون فيها عن نجاح تجربة الدمج الخاصة بنا، لكن كانت وراء تلك القصة معارك كثيرة لأواجه إجبارنا على وضع ابننا في فصل مخصص لذوي الاحتياجات الخاصة المختلفة، اتُهمت بأني لا أقدّر ظروف ابني الخاصة، هُددت بسحبه مني ووضعه تحت تصرف الخدمات الاجتماعية، ولكن، ما ساعدني، بعد الله، هو دراسة القوانين واختيار فريق علاجي مؤمن بالدمج.

وأخيرًا، فإن دمج أبنائكم في مدارس عادية ليس منة من أحد، فلا تشعروا بالحرج أو الخجل من طلب حقوق أطفالكم، والصبر الصبر، فيومًا ما سترون ثمرة جهدكم وإن تأخرت.