بنفسج

للأم العاملة: لا تموتي قبل أوانك

الأربعاء 17 يونيو

الأم العاملة
الأم العاملة

لا أحد يتكلم كثيرًا عن معاناة الأم العاملة ولا يمكن لشخص أن يستشعر إرهاقها وتعبها، وسهوتها على مكتبها أثناء عملها، لا أحد يفكر كم تنال نصيبًا من ساعات النوم، وهل تفوّت شيئًا من وجبات طعامها، أو تلتزم بدوائها الذي كتب لها الطبيب. دراسات وأبحاث تروجها منصات التواصل الاجتماعي والمواقع الطبية – تحديدًا- حول عدد الساعات التي يحتاجها جسم الإنسان يوميًا من النوم كي يتشبّع بالنشاط والحيوية الكافيتين، وذات المصادر توصي بأهمية تناول أفراد العائلة للطعام الصحي.

 ويكون الخطاب عادة موجهًا للأم التي عليها أن توفّر حياة صحية لعائلتها، ونصائح أخرى حول أهمية العلاقة العاطفية بين الأم وطفلها والتي عادة تُبنى من خلال "استثمار الوقت" لتعويض الطفل غياب أمه عنه فيما يقضي يومه في دور الرعاية وعن عدد الضمّات والحَضنات وغيرها.

في المقابل؛ تواجه المرأة ذاتها إعلانات ترويجية عن مناطق خلابة وساحرة يمكن زيارتها بتذكرة زهيدة، وعروض ضخمة لملابس حلمت باقتنائها أو لأدوات تجميلية وعطور؛ وغيرها من إغراءات شرائية تحفّز كل الشعور الاستهلاكي عند الأنثى، وتجلد كل عجز يولي بعدم القدرة على التمتع بكل ذلك. في كلا الحالتين؛ موضوع المرأة العاملة يحظى باهتمام شحيح في حديث المنصات العلمية، فهي نادرا ما تَطرح الإشكاليات الاجتماعية والنفسية المحيطة بهذه المرأة وتقوم بمعالجتها "علميا" فتحاول النهوض بها.

ماذا تحتاج الأم العاملة؟

الأم العاملة    
تضطر المرأة في عصرنا هذا أن تكون عاملة وأم وربة منزل في آن واحد، وهي في ذلك لا تتعرض لضغط وإرهاق جسدي فقط، بل لضغط نفسي ناجم عن تعدد الخطابات الإعلامية الموجهة إليها.  فمن جانب يُطلب منها أن تكون أم مثالية لأسرة لا ينقصها أي شيء، ومن جانب يطلب منها أن تكون أنثى جذابة أنيقة ناجحة.
 
فهل على الأم العاملة أن تبقى في حالة من "التفسخ التام" بين بيتها ووظيفتها، بين السوق والدراسات العلمية، كل شيء يشكل ذلك بمثابة ضغط يمارس على هذه المرأة التي تشعر فجأة أنها تشيخ قبل أوانها.
 
 

 

فلا يعقل أن يبقى الحديث يدور عن الضرورة الملحّة للأكل الصحي وتجاهل مئات الأسر التي قد تضطر للوجبات السريعة لأن الأم  العاملة لم يتسع وقتها للطهو! هل يمكن مثلا تقديم حلول صحيّة لوجبات سريعة لكنها مفيدة؟ أو أفكار لأطعمة صحية لا تستغرق وقتا وجهدا في الإعداد. هل يبقى الخطاب الموجه للمرأة العاملة وكأنها لا زالت تجلس في البيت ويتم التعامل مع حاجاتها النفسية كما لو أنها لا تواجه أية مشكلات أو معيقات أو منغصات يومية؟

ينطبق الحال على المجتمع الاستهلاكي الذي يمارس شكلًا من الاستعباد المادي الذي يسرب للمرأة العاملة رسائلا ضمنية بأنها تحتاج المزيد لتكون الأجمل والأكثر أناقةً، فعليها أن تمتلك جسمًا رشيقًا ووجهًا خاليًا من الشحوب والبقع الداكنة أسفل العينين. هذا الخطاب الذي يصنع على المدى البعيد صورة للــ"سوبر ماما" في عملها داخل البيت وخارجه بحيث تبقى قوية متماسكة صلبة، حتى تستطيع تحقيق ذاتها ونجاحاتها وأحلامها المطلقة.


اقرأ أيضًا: طلب العلم وتربية الأطفال: كيف نوازن؟


وأمام ما طرح سابقا؛ هل على الأم العاملة أن تبقى في حالة من "التفسخ التام" بين بيتها ووظيفتها، بين السوق والدراسات العلمية، كل شيء يشكل ذلك بمثابة ضغط يمارس على هذه المرأة التي تشعر فجأة أنها تشيخ قبل أوانها. لا بدّ أن تكون وجبة الطعام مجهّزة، البيت مرتب، الأطفال متفوقون في مدارسهم، الزوج سعيد بمثالية زوجته ولكن ماذا عنها هي، هل هي فعلا سعيدة؟

في دراسة اطلعت عليها مؤخرا صادرة عن مجلة أمريكية، تقول أن "الأمومة" تعادل وظيفتين ونصف الوظيفة، فما بال إن كانت هذه الأم امرأة عاملة، إذن هي تمارس ثلاث وظائف ونصف الوظيفة، ولا زالت تتنفس، وتقف على رجليها، وتحاول أن تعيش في هذه الحياة التي تنهش من عمرها ووقتها وصحتها دون أن تعي.


اقرأ أيضًا: سندريلا في إجازة.. يُرجى منكم توزيع المهام


الأمومة لم تعد التحدي الوحيد في هذا الوقت، التحدي أصبح أيضا في أن تكون هذه المرأة ذاتها قادرة على الصمود، التحدي في أن لا تستسلم وتتعب فتسقط في لحظة ما، التحدي في عدم نفاذ طاقتها واستنزافها، التحدي ببقائها ثابتة محافظة على سجيتها وخفة روحها ونقاء عاطفتها.

الأم العاملة؛ لا تحتاج في حقيقة الأمر إلى وظيفة جيدة وراتب ممتاز فحسب، بل هي أحوج إلى الاحتواء النفسي سواء أكان ذلك مجتمعيًا أو من أفراد عائلتها وهنا يقع على الرجل أو الزوج دور كبير في أن يكون المعالج الأول لكل التحديات التي تقف ذات سد أمام هذه المرأة، وأن يشاركها مسؤولياتها وأحلامها، كما يقع الدور أيضا على المؤسسات المجتمعية في إقامة جلسات تفريغ نفسي لتلك الأمهات، بحيث يبُحْنَ فيها عن مشاعرهنّ المخلتفة، يتعلمن فيها إدارة ذواتهنّ والحالة النفسية التي يعشنها، جلسات يستطعن من خلالها أن يبقين في ذواتهن ما شاء من الحياة، على الأٌقل أن لا يمتن قبل أوانهنّ!