بنفسج

"مريضة.. فناجية.. فمتطوعة": نفين عودة تروي قصتها

الأحد 09 أكتوبر

"كنت بانتظار نتيجة الخزعة التي ستكشف عن إصابتي بالسرطان، كانت أربعة أيام شديدة جدًا، خاصة أني أخفيت الموضوع عن كل من هم حولي، وكنت أعيش ثقل الدقائق وحيدة في دوامة من الأفكار والأسئلة والمخاوف. وفي اليوم الذي خرجت فيه النتيجة وتلقيتها، شعرت بإحساس غريب، هدأت العاصفة في دماغي، وأخذت نفسي إلى صالون تجميل، هذّبت شعري وغيّرت لونه بنشوة غامرة، وددت أن أرى شعري بشكله الجميل قبل أن يتساقط بفعل العلاج..".

هكذا تصف نفين عودة 46 عامًا من بيت لحم لحظة تلقيها لخبر إصابتها بمرض السرطان في شهر واحد 2021. تصف نفين نفسها أنها لطالما كانت إنسانة مشرقة تهتم بصحتها، ناجحة وقوية في عملها ومنزلها ومجتمعها، كانت تحب كل شيء أن يكون 100%. بدأت قصة نيفين بعد إصابتها بفايروس كورونا في شهر كانون الثاني/ ديسمبر لعام 2020 حيث تقول: "بعد إصابتي بالفايروس، كان أول ما فكرت فيه أن أجري فحص ماموجرام الخاص بالكشف عن سرطان الثدي، حتى أنا كنت مستغربة من نفسي، ففي الوقت الذي كان يجدر بي فحص الفيتامينات والدم والكشوفات العامة للجسد، سمعت نداءً داخليًا غريبًا يدفعني لفحص الماموجرام".

| الخبر الصاعقة

بدأت قصة نيفين عودة بعد إصابتها بفايروس كورونا في شهر كانون الثاني/ ديسمبر لعام 2020 حيث تقول: "بعد إصابتي بالفايروس، كان أول ما فكرت فيه أن أجري فحص ماموجرام الخاص بالكشف عن سرطان الثدي، حتى أنا كنت مستغربة من نفسي، ففي الوقت الذي كان يجدر بي فحص الفيتامينات والدم والكشوفات العامة للجسد، سمعت نداءً داخليًا غريبًا يدفعني لفحص الماموجرام".
كانت صدفة أخذتها لهذا الفحص الذي كشف عن وجود كثافة عالية في ثديها دون وجود أي أمر مريب،وهناك أخبر الأطباء نيفين عن وجود كتلة يجدر التأكد منها إذا ما كانت حميدة أو خبيثة عبر خزعة، "تلقيت الخبر كالصاعقة، لطالما فحصت نفسي كل عامين لهذا المرض، وكانت النتيجة دائمًا مطمئنة، أما الآن.. كيف حدث هذا..!"

كانت صدفة أخذتها لهذا الفحص الذي كشف عن وجود كثافة عالية في ثديها دون وجود أي أمر مريب، فحسب الأطباء جميع النساء بعد سن الأربعين يصبح لديهن كثافة طبيعية في الصدر، ولكن لطف الأقدار، وفطنة الطبيبة التي نصحتها بإجراء فحص "ألترا ساوند". وهناك أخبر الأطباء نيفين عن وجود كتلة يجدر التأكد منها إذا ما كانت حميدة أو خبيثة عبر خزعة. "تلقيت الخبر كالصاعقة، لطالما فحصت نفسي كل عامين لهذا المرض، وكانت النتيجة دائمًا مطمئنة، أما الآن.. كيف حدث هذا..!". لم تدرِ نيفين كيف تتصرف، دخلت في دوامة من المخاوف؛ الموت، أطفالي، بيتي، زوجي، صحتي، شعري، مظهري، عملي.

شهر كامل كانت تتقدم نفين خطوة للأمام وتعود خطوتين، تجرفها الأسئلة والمخاوف كلما اقتربت من اتخاذ قرار إجراء عملية الخزعة، وخلال هذا الشهر، لم تخبر نيفين أيًا من أفراد أسرتها، أو محيطها بالموضوع، كان مديرها في العمل هو الوحيد الذي يعلم بالموضوع، والذي كان يحثها على إجراء العملية، إضافة إلى استشارة أطباء مختلفين، كلهم نصحوها بإجراء العملية على الرغم من أنها في كل مرة كانت تنتظر إجابة مختلفة. استجمعت نفين قواها ومضت نحو إجراء العملية وحيدة، وعادت إلى المنزل تأكل نفسها قلقًا بانتظار النتيجة لتظهر بعد أربعة أيام، مؤكدة وجود كتلة سرطانية خبيثة بطول 8 ملم، وهو أمر، رغم ثقله، مبشر، كون المرض في بداية البداية.

| سأبدأ قوية..!

نيفين عودة2.jpg
نيفين عودة مع أبنائها

كان على نفين بعد تأكيد النتيجة أن تخبر أهلها، خصوصًا أنها ستخضع لعملية استئصال قريبة بعد خروج النتيجة، ولكن كانت مصرة أن تبدأ قوية، وتخبر أبناءها وزوجها بالخبر بقوة، ولا تهتز، فلطالما كانت بالنسبة لهم مصدر قوة وإلهام. وهنا ترفق نيفين أثناء حديثها ضحكة ساخرة، وتقول: "كانت الأحداث التي دارت وتدور من حولي غريبة، فكل شيء أصبح يدور حول هذا المرض، وهو ما كان يثنيني مرات، ويجعلني أتلكأ في إخبار أسرتي مرات كثيرة".

قبل إصابة نفين بفايروس كورونا بشهر واحد فقط توفيت صديقتها، وأم صديقة أبنائها، بسرطان الثدي، وتركت خلفها 5 أبناء، مما أثّر بدورة على نفسية أبناء نيفين، وخصوصًا ابنتها الكبرى، لذلك كانت تعلم نيفين أن خبر إصابتها بالسرطان سيكون قاسيًا على أبنائها كما كان قاسيًا عليها تبعًا أنهم تحت تأثير فاجعة من ذات الحقل. ليس هذا وحسب، كانت نيفين تراودها فكرة أن لا تخبر أيًا من أفراد أسرتها حتى أختها الوحيدة التي تقطن في أمريكا عن الموضوع.

ولكن الغريب أنها في كل مرة كانت تهاتفها، تشرع أختها بالحديث عن صديقتها المصابة بذات المرض، ممتعضة منها لأنها تمتنع عن إخبار أهلها بمرضها، وكأنها توصل رسالة دون أن تعلم لنيفين بضرورة مصارحة الأهل بالموضوع. بعد شهر، وبعد أن شعرت نيفين بأنها على قدر من القوة الكافية لسند أهلها إذا ما تأثروا الموضوع، بدأت نيفين بمصارحة ابنتها الكبرى، كونها خريجة خدمة اجتماعية، وذلك حتى تساعدها تبعًا لتخصصها في إخبار إخوتها الأصغر سنًا.

"تلقت الخبر بصدمة كبيرة، وكما توقعت، تذكرت أم صديقتها، وبكت كثيرًا لأنها خافت أن تفقدني، ولكن جاء هنا دوري الذي حضرت له نفسي طويلًا، وهدأت من روعها، وقلت لها أني محظوظة فالمرض في بداياته، الله يحبني وسأنجو"، هكذا وصفت نفين ردة فعل ابنتها الكبرى التي كانت ردة فعل أختها وأخيها مشابهه لها، وحتى زوجها، ولكن في كل مرة كانت تتبادل نيفين معهم الأدوار لتمدهم هي من قوتها الذي استعصمت به قبل البدء بهذه الرحلة.

| رحلة حلوة ومرة

قد يستغرب القارئ كما استغربت أنا أثناء حواري لنفين عندما سألتها لتصف لي رحلة علاجها؛ فتقول لي: رحلة حلوة ومرة، فما الحلو فيها؛ لقد وجدت نيفين الحلاوة في التغير الذي صارت عليه، وما تعلمته من هذه الرحلة، وقبل الحديث عن حلاوة الطريق، سأتحدث عن أشواكه التي انتزعتها نيفين واحدة تلو الأخرى بيديها. "أجريت العملية، وتم استئصال السرطان، ولكن طبيبي أخبرني أنه يجب عليّ أخذ بعض جرعات الكيماوي، وهو ما كنت خائفة منه ولم أتوقعه لأن المرض في بداياته، ولكن أخبرني أنه مهم ليكون العلاج وقائيًا ونهائيًا وناجعًا..".

بهتت نيفين هنا لبرهة وتلكأت، أرادت أن تسأل أحد الأسئلة التي لطالما هاجمتها، ولكن الطبيب أجابها قبل أن تسأل وقال لها: "نعم، ستفقدين شعرك أثناء العلاج". ابتلعت الغصة ووافقت على العلاج، فعليها أن تحب الحياة ما استطاعت لذلك سبيلًا، ولا تنسى هنا تعاون الطبيب الذي ساعدها لإجراء العلاج الكيماوي في مشفى المطلع الذي كانت تفضل، وتمتدح دائمًا. بعد أول جلسة وقفت أمام المرآة لتمشط شعرها، لم تكن تظن أنه سيتساقط بعد أول جلسة، ولكن هذا ما حدث، وهنا اتخذت القرار الحازم بأن تتخلص من نقطة الضعف التي تقلل من قوتها وعزيمتها.

"قد تظنون أني امرأة خارقة لا أتألم، لا، بل كنت أبكي أحيانًا، أشعر الضيق والتعب النفسي، ولكني لم أكن أكبت مشاعري، كنت أتوجه لابنتي الكبيرة في كثير من الأحيان لأخفف أحمالي، ثم أنهض وأغسل وجهي، وأخبر نفسي على المرآة أني قوية، سأكمل الطريق وسينتهي المرض".

أمسكت بالهاتف وأخذت موعدًا لدى مصففة الشعر، وفاجأتها بأنها تريد أن تحلقه تمامًا وليس تقصيره وحسب، حتى لا تعيش حسرة تساقطه يومًا بعد يوم، وتنهي الكابوس الذي لطالما خافت منه. تقول نفين عد حلق شعرها: "لم أسمح لأبنائي وزوجي برؤية رأسي بلا شعر، ليس لضعف مني، بل خوفًا عليهم، فلم أرد أن يشعروا بالضعف ولو قليلًا، لذلك ارتديت القبعة حتى عاد شعري للنمو مرة أخرى". وتضيف: "قد تظنون أني امرأة خارقة لا أتألم، لا، بل كنت أبكي أحيانًا، أشعر الضيق والتعب النفسي، ولكني لم أكن أكبت مشاعري، كنت أتوجه لابنتي الكبيرة في كثير من الأحيان لأخفف أحمالي، ثم أنهض وأغسل وجهي، وأخبر نفسي على المرآة أني قوية، سأكمل الطريق وسينتهي المرض".

"بالفعل، انتهت رحلة الكيماوي بعد شهرين، والإشعاع الوقائي بعدها بشهر، واستعدت صحتي واكتسبت معها الكثير من الدروس والعبر التي تمثل بالنسبة لي حلاوة الطريق". وتضيف عن الدروس: "كنت دائمًا في آخر القائمة! تعلمت أن أضع نفسي أولًا، ليس من منطلق أناني، بل أن أهتم بنفسي وأحبها لأنها إذا كانت قوية وتحب ذاتها، عندها فقط ستكون قادرة على منح الحب والعطاء. كما بدى لي بعد هذا المرض تفاهة الدنيا، ندمت على كل لحظة حزن مررت بها، كيف أجهدت نفسي فكريًا ونفسيًا على أمور لم تستحق، إن أغلى ما يملك الإنسان هي العافية التي أدركتها الآن، وهي ما يستحق فقط أن نأسى عليها ونحزن".

| أزهرت وأثمرت

نيفين عودة3.jpg
نيفين عودة

نفين اليوم تهم بإنشاء جمعية لدعم النساء المريضات بسرطان الثدي، حيث لمست خلال فترة علاجها افتقار المؤسسات الطبية لهذا الجانب، وهو أشد ما يحتاج له المريض، هذه المشكلة التي باحت بها لطبيبها يوسف الذي أخذها لتكون متطوعة في العيادة المتنقلة للتوعية والفحص المجاني للنساء للكشف عن أي إصابات لسرطان الثدي. نيفين التي كانت مريضة واليوم داعمة اجتماعية ونفسية، تفسح من ساعات عملها اليومي لدعم النساء وتوعيتهن بالمرض. تصف مدى جهل المجتمع أهمية الفحص المبكر التي لولاه لكانت هي الآن في حال آخر أسوء، ناسبة هذا الجهل لثقافة المجتمع حول العيب والمحظور في مثل هذا الموضوع.

والأسوأ تأجيل النساء للعلاج بعد معرفتهن حتى يفوت الأوان في كثير من الأحيان لمجرد خوفهن، حيث تقول: "الخوف يقتل؛ نحن بحاجة للقوة، للوعي، للتمسك بالذات، وإن تخلى الكل عنا كما يحدث في حالات مرضية عديدة". أخيرًا تقول نيفين، أن لطف الله كان السبب في كل ما حدث، وهذا يقين تعمّق بداخلها وقرّبها أكثر من الله، رغم أنها قد لا تبدو هكذا كما يراها الناس.