بنفسج

رُفعت الجلسة.. ولكن

الخميس 18 نوفمبر

لعل القارئ لهذا العنوان قد خمّن المواضيع التي سيتناولها هذا المقال وعرف محتواه، وهذا ما أرنو إليه حتى تصل إليكم أفكاري في هذا المقال وما سأسرده أمامكم. إن المرأة رغم رقة قلبها وعاطفتها الجياشة تخوض حروبًا ومعتركات صعبة في هذه الحياة، كتب عليها القدر خوضها مكرهةً دون إرادة منها أو قبول، فنجدها تعاني في صور كثيرة في حياتها الاجتماعية سواء داخل محيط أسرتها التي نشأت داخلها أو على صعيد حياتها الزوجية. وفي هذا المقال سأتدرج في عرض معاناة المرأة في تعاملها مع القضاء الشرعي من عدة زوايا وقضايا، وسأذكر مجريات هذه المعاناة لأسلط الضوء عليها بما يحقق الدعم والتأييد لهذه النظرة والتعاطف مع هذه المعاناة على أقل تقدير.

| حضانة الأم المطلقة أو الأرملة لأطفالها

محاكم2.png

إن موضوع حضانة الطفل من أكثر مواضيع القضاء الشرعي حساسية ومحط اهتمام، لأنه ليس هناك شيء أصعب من حرمان الأم من طفلها سواء بعد انفصالها عن والده أو وفاة والده، فنرى في المحاكم الشرعية آلاف القضايا المتعلقة بضم وحضانة الطفل سواء ذكرًا أو أنثى. وحتى تتضح الفكرة سوف أتحدث عن الحضانة قانونًا وكيف نظمها القانون الشرعي، حيث إنه يحق للأم المطلقة أن تحتضن طفلها بعد الطلاق إذا كان صغيرًا يحتاج إلى معاملة النساء طالما أنه لم يتعدى السن القانوني للحضانة، فلقد نص القانون على: "أن حضانة البنت تنتهي ببلوغها سن سبع سنوات. حضانة الولد تنتهي ببلوغه سن تسع سنوات".

ويمكن طلب تمديد الحضانة لسنتين إضافيتين من خلال دعوى أمام المحكمة الشرعية إذا رأت أن ذلك يصب في مصلحة الصغير. وإن الشائك في الموضوع أن هذا العمر يتعارض مع عاطفة الأمومة ورغبة الأم في احتضان صغيرها مدة أطول من ذلك، وخصوصًا تلك التي حبست نفسها عن الزواج من رجل آخر بعد الطلاق أو وفاة الزوج، وكرست حياتها لتربية أبنائها، فنجد أنه في كثير من الأحيان يتم منعها من حضانة الطفل بحجة أنه قد بلغ السن القانوني، بل ويتعدى الأمر إلى حرمانها من هذا الحق خلال السن القانوني من خلال التعنت، ومراوغة القضاء والتجبر على الأم وقلة حيلتها في بعض الحالات.

وفي حالة زواج الأم برجلٍ آخر أجنبي عن الطفل، فإن ذلك يمنعها من حقها في الحضانة وينتقل لمن هو أولى منها من النساء، وهذا ما نص عليه القانون الشرعي، ويظل حقها في حضانة الطفل مفقودًا إلى أن يزول المانع وهو الزواج بآخر، ولكن المحزن والمؤسف هو أنها إذا قررت الزواج برجل آخر وفقدان حق الحضانة، فإنها أيضًا، وفي كثير من الحالات تُحرم من مشاهدة طفلها المشاهدة المنصوص عليها قانونًا وتُحرم من حق الاستضافة، وهذا ما يثقل قلبها بالحزن والهم.

| هل هناك مطالب برفع سن الحضانة إلى 15 عام؟

| المرأة وقضايا النفقات: حين تكون الحياة الزوجية مليئة بالمشاكل والاضطرابات، ونجد أنها أصبحت صعبة الاستمرار أحيانًا تلجأ المرأة إلى بيت أهلها إما بعد الطلاق الحتمي أو على سبيل الغضب والانفصال المؤقت.
 
وما يجب ذكره أن المرأة هنا تعاني الأمرّين في سبيل إثبات حالة الزوج المادية، إضافة إلى تهربه المستمر من تبليغات المحكمة بما يؤثر سلبًا على مجريات القضية وصعوبة إصدار الحكم، وكذلك بعد إصدار الحكم بالنفقة يصعب على المرأة تحصيلها من الزوج.

نعم هناك مطالبات من مؤسسات حقوق المرأة والطفل والكثير من مؤسسات المجتمع المدني برفع سن حضانة الطفل ل15 سنة، خصوصًا للأم التي حبست نفسها عن الزواج بعد الانفصال أو وفاة الزوج وتفرغت لتربية أبنائها، وهناك العديد من المشاريع المنادية بهذه الفكرة، والتي لاقت قبولًا وتأييدًا واسعًا بين عموم الأمهات، وعلى النقيض كان هناك العديد من الأصوات المنددة والمستنكرة لهذه الفكرة، والرافضة لها تحت عنوان حرمان الأب من أبنائه أيضًا يعد جريمة، لكن ما لا يمكن إنكاره هو أنه ليس هناك من هو أحن على الطفل من أمه، وهي التي تعتني به وتلبي احتياجاته بكل حب وحنان.

 ولسنا بصدد حرمان الأب من أبنائه ولا إنكار دوره، ولكن ما يدمي القلب أنه في حالة زواج الأب بامرأة أخرى، فإن احتضانه للطفل سيكون كارثيًا على حياة الطفل حين يُعامل بقسوة من زوجة أبيه، وقد ضجت أسماعنا بالعديد من القصص والحالات التي عاش فيها الطفل حياة قاسية، وعذابات كبيرة أكبر من عمره بسبب انفصال الوالدين، وإقامته مع زوجة أبيه التي ستعامله بقسوة إلا ما ندر.

تجلس الكثيرات من النساء في بيوت أهلها دون الحصول على نفقة من الزوج الذي يمتنع عن ذلك قصدًا وتهربًا، فتلجأ الزوجة إلى المطالبة القانونية بالنفقة أمام المحكمة الشرعية التي بدورها تحدد قيمة هذه النفقة حسب حال الزوج ووضعه الاقتصادي.

| المرأة وقضايا النفقات: حين تكون الحياة الزوجية مليئة بالمشاكل والاضطرابات، ونجد أنها أصبحت صعبة الاستمرار أحيانًا تلجأ المرأة إلى بيت أهلها إما بعد الطلاق الحتمي أو على سبيل الغضب والانفصال المؤقت، وهذا لا يلغي حق المرأة في النفقة من زوجها سواء نفقتها كزوجة أو نفقة أبنائها، في هذه الحالة، تجلس الكثيرات من النساء في بيوت أهلها دون الحصول على نفقة من الزوج الذي يمتنع عن ذلك قصدًا وتهربًا، فتلجأ الزوجة إلى المطالبة القانونية بالنفقة أمام المحكمة الشرعية التي بدورها تحدد قيمة هذه النفقة حسب حال الزوج ووضعه الاقتصادي.

 وما يجب ذكره أن المرأة هنا تعاني الأمرّين في سبيل إثبات حالة الزوج المادية، إضافة إلى تهربه المستمر من تبليغات المحكمة بما يؤثر سلبًا على مجريات القضية وصعوبة إصدار الحكم، وكذلك بعد إصدار الحكم بالنفقة يصعب على المرأة تحصيلها من الزوج؛ إما بالتهرب أو الامتناع ، مما يضطرها إلى إصدار أوامر حبس بحق الزوج لإجباره على دفع النفقة التي تتراكم لأشهرٍ عدة، فتصبح في حالة ركض ومتابعة دائمة ما بين المحكمة وصندوق النفقة، وقد يتعدى الأمر إلى عدم حصولها على أي دفعة نظرًا لعدم توافر دخل ثابت للزوج يمكنها من ذلك.

محاكم.png

| المرأة وقضايا التفريق: وهنا تتجلى معاناة المرأة بصورة واضحة، فحين تكون العلاقة الزوجية محكوم عليها بالفشل لسوء العشرة من الزوج أو هجرانه لها أو تعليقها بالسفر، فيتركها لا هي مطلقة تنتظر نصيبها الجديد ولا هي متزوجة على ذمة رجل مسؤول، أو زوج فاشل يفتقر للمسؤولية ويمتنع عن الإنفاق أو زوج محكوم عليه بالسجن، وتتعدد الأسباب، هنا تلجأ الزوجة إلى التفريق القضائي بأنواعه وأسبابها المتعددة، والتي تطول فيها إجراءات التقاضي بشكل كبير جدًا بما يتنافى مع سرعة التقاضي، فيجعل الزوجة رهينة القضاء وطول إجراءاته.

 فعلى سبيل المثال وليس الحصر؛ في قضايا الشقاق والنزاع قد تصل مدة التقاضي إلى عدة سنوات نظرًا لإجراءاتها الطويلة والحاجة إلى الإثباتات والبينات القوية، وفي كثير من الأحيان تُحال إلى هيئة التحكيم لتنظر فيها، ولك أن تتخيل أن يتم رد الدعوى ولا يمكن رفعها مرةً أخرى إلا بعد ستة أشهر. كل هذا الوقت من يدفع ثمنه سوى المرأة؟  وقضايا التفريق الأخرى مثل التفريق للهجر والتعليق تحتاج مرور عام كامل لإثبات الواقعة والحكم بالتفريق بينها وبين زوجها الذي تركها معلقة دون سبب، والتفريق بسبب السجن لا يصدر حكم فيه إلا بعد سنة من حبس الزوج وصدور حكم جزائي ضده بثلاث سنوات على الأقل.

وكل هذه الأمور تعانيها المرأة في أروقة المحاكم الشرعية، وتصارع مجريات حياتها راغبة في الوصول إلى النجاة والسكينة، هذا على صعيد حياتها الزوجية، ناهيك عن حقوقها المسلوبة في الميراث ومنعها من الحصول على حقها الشرعي في مال أبيها، فقد حصلت وأن أصدر شخص حجة حصر إرث أمام المحكمة الشرعية، واستثناء شقيقته المتزوجة في الخارج منذ سنوات عدة، وحرمانها من ميراثها وحقها الشرعي، وهو الأمر الذي كشفته وتداركته المحكمة الشرعية، ولكن بعد مدة طويلة من عناء الإثبات.

أنا هنا أكتب ما دار حولي وعايشته في المحاكم الشرعية وفي الحياة العامة، كوني محامية ناشطة وباحثة في مجال حقوق الإنسان وحقوق المرأة والطفل، فلست منحازة للمرأة بالشكل الذي يفقدني مبدأي في الوقوف مع الحق لمجرد كوْني أنثى فقط، لكنني أنحاز للمرأة الضعيفة المقهورة التي سُلِبت وتُسلَب حقوقها يوميًا دون أدنى شعور، أنحاز للمرأة في عاطفتها ورقتها وهشاشة مشاعرها، وأطالب دومًا بالرفق بها قولًا وفعلًا.