بنفسج

أطفال القمر: هل سمعتم عن أطفال يحرقهم التعرض للشمس؟

السبت 11 ديسمبر

اسمي أمل، لستُ كأشباحِ الليل، ولا مصاصي الدماء، ولستُ قصةً خياليةً، ولكنني لا أنتمي للأشخاصِ العاديّين. وجهي تظنهُ قد تعرضَ لحروقاتٍ شديدة، لكنهُ ليس كذلك؛ فأنا طفلةُ القمر، وهذا الذي تَرون هو جفاف جلدي شديد، إنني مريضةٌ بمرضٍ وراثِيّ نادر جدًا تم اكتشافهُ عام 1870، وسببه افتقارُ جسمي لِإنزيم (DNA polymerase) هذا الإنزيم مسؤولٌ عن معالجةِ الطفراتِ الناتجة عن اختراق الأشعة فوق البَنفسجية إلى الجسم؛ فكلَّما تعرضتُ للأشعةِ فوق البنفسجية، حدثتْ طفرةٌ في جلدي، وإذا توالتْ هذه الطفرات وكَثُرت، يؤدّي ذلكَ إلى احتماليةِ إصابتي بسرطانٍ جلدِيّ.

متلازمة أطفال القمر: هو جفاف جلدي شديد، إنني مريضةٌ بمرضٍ وراثِيّ نادر جدًا تم اكتشافهُ عام 1870، وسبب مرضي هو افتقارُ جسمي لِإنزيم (DNA polymerase) هذا الإنزيم مسؤولٌ عن معالجةِ الطفراتِ الناتجة عن اختراق الأشعة فوق البَنفسجية إلى الجسم.
 
كلَّما تعرضتُ للأشعةِ فوق البنفسجية، حدثتْ طفرةٌ في جلدي، وإذا توالتْ هذه الطفرات وكَثُرت، يؤدّي ذلكَ إلى احتماليةِ إصابتي بسرطانٍ جلدِيّ.
 
لم يتم العثور على علاجٍ قويّ وفعّال يستطيعُ الشخص التخلص من هذا المرض. بين مليون شخص يوجدُ شخصٌ مصابٌ بهذا المرض، في أوروبا وأمريكا بشكل عام، ويكثرُ في المغرب خاصة.

لن تجدَ الكثير من أمثالي سوى قِلّة؛ فبعد الإحصائيات الطبيّة، تبيّن أنهُ من بين مليون شخص يوجدُ شخصٌ مصابٌ بهذا المرض، في أوروبا وأمريكا بشكل عام، ويكثرُ في بلدي المغرب خاصة، بحيث يصلُ عددُ المصابينَ إلى 3000 مصاب، وأنا أمل واحدةٌ من هؤلاء المرضى.
بعد الشهور الأولى من ولادتي اكتشفَ والدايَ مرضي، وحاولا أن يعالجاني بشتى الطُّرق، ولكن دون جدوى؛ لأنَّه لم يتم العثور على علاجٍ قويّ وفعّال يستطيعُ الشخص التخلص من هذا المرض. كبُرَ المرض معي وكَبُرتُ معه حتى دخولي في المرحلة الابتدائية، كنت أجد صعوبةً في ذهابي إلى المدرسة؛ وكان عليّ أن أحذِّرَ من عدم قُدرتي للتعرُّضِ للأشعة فوق البنفسجية، وبالرغمِ من ذلكَ الجهد الكبير الذي يتطلبُ مني ذلك في كُل مرّة؛ لأستطيعَ الذهاب إلى مدرسة.

لا تقف المعاناةُ عند ذلك وحسْب؛ فبسبب شكلي القبيح كنتُ أتعرضُ لتنمُّرٍ قاسٍ من زملائي الطلبة في الصف ومن أولياءِ أمورهم إذ كانوا يقولون لوالدتي: "بنتك بتخوف أولادنا"، "درسي بنتك لحالها"، إلى أن وصلَ المطافُ بي لِرفضِ الأستاذة بأن تكونَ الغرفةُ الصفيّة مغلقة طوال اليوم، وأن يجعلوا الفضاءَ من حولي مظلمًا بشكل تام؛ لكي لا أتعرض للأشعة فوق البنفسجية، ولكن كان هذا صعبًا جدًا بالنسبة إليهم.

من هنا تأملتُ مَليًا في أمري، وفكّرتُ كثيرًا في حالي، ونظرتُ طويلًا في مرضي، إذا لم أحصلْ على فضاءٍ مُظلمٍ؛ فحياتي ستنعدم حتمًا، لأنني سأبقى عدوّةً للشمس والنور والضياء والبهجة.

بعدما علمتُ أنّ حاملي هذا المرض أعمارهم قصيرة جدًا، وتترواح بين 10 إلى 15 عامًا، وذلك إن استطاع فعلًا أن يحميَ نفسه من الشمس ومن التقرحاتِ التي إن حصلتْ ستؤذي أعضاءً أخرى في الجسم، كالإعاقة الذهنية، قلة السمع، احمرار العينين، رقّة الجفنين، وتساقط الرموش والشعر. غير أنّ شدة التقرحاتِ في الجلد يؤدي نزيفها لأن يستمر لأسابيع عديدة، وإذا تفاقمَ الوضعُ الصحي السيّء؛ يؤدي ذلك إلى سرطان الجلد.

عرفتُ كل التفاصيل عن مرضي، وتيقنت أنهُ داءٌ بلا دواء، وأنَّ الوِقايةَ من الشمس والنور هي ملاذي الوحيد، وتحمّلِ العيش في نمطٍ حياتِيٍّ قاسٍ جدًا.

جاهدتُ كثيرًا لتجاوز مراحل الدراسة المُتعبة نفسيًا، وكانت طيلة دراستي هي دراسة منزلية؛ فكان التعب الجسدي أقل قليلًا من التعب النفسي، وبقيتُ هكذا إلى أنْ سُمحَ لنا بارتداءِ ملابسٍ خاصةٍ بنا نحنُ المرضى، وهو مكّون من قناعٍ واقٍ للرأس والوجه، وقفازاتٍ لليدين تُغطيها بشكل كامل، حتى تظنّ أنه لباس روادِ الفضاء، ولكن هذا اللباس المختلف كان السبب في تنمُّرِ الكثيرين من الجاهلين بهذا المرض؛ فبالإضافة إلى معاناتي الجسدية كانتْ لمعاناتي النفسيّة نصيبٌ أكبر؛ فهذا الاختلاف كان أكبر تأثيرًا فينا من ذلك المرض الجسدي نفسه.

نحنُ خُلقنا على أن نكونَ أعداء للشمس، وأطفال مُقرّبين للقمر، وجُبلنا على تلكَ القوّة التي تستطيع أن تواجِه هذا الواقع المرير؛ فكل ما تفعلونهُ أنتم في وضحِ النهار هو حلمٌ بعيد بالنسبة لنا.
 
 لكنني لم أقفْ عند تحقيقِ هذا الحُلُم، ولم أستسلم لهذا المرض اللعين، بل تجاوزتُهُ بكل طاقتي، ولو لم أفعلْ كل هذا؛ لكنتُ أختار أحد الأمرين: إما من عِداد الموتى في الأرض، أو عالةً على أهلي ومجتمعي.
 
 ها أنا اليوم؛ من فزّاعةٍ للصغار، وشبهُ فضائيّةٍ غريبة، إلى دارسة في الكلية، ودارسة للماجستير، وحاملة لدرجة الدكتوراه، وانضممتُ إلى قائماتِ انتخاباتٍ شبابيّة مستقلة للمجلس البلدي، ورُشحتُ إلى المناصب ونجحتُ فعلًا.

نحنُ خُلقنا على أن نكونَ أعداء للشمس، وأطفال مُقرّبين للقمر، وجُبلنا على تلكَ القوّة التي تستطيع أن تواجِه هذا الواقع المرير؛ فكل ما تفعلونهُ أنتم في وضحِ النهار هو حلمٌ بعيد بالنسبة لنا؛ لكنني لم أقفْ عند تحقيقِ هذا الحُلُم، ولم أستسلم لهذا المرض اللعين، بل تجاوزتُهُ بكل طاقتي، ولو لم أفعلْ كل هذا؛ لكنتُ أختار أحد الأمرين: إما من عِداد الموتى في الأرض، أو عالةً على أهلي ومجتمعي؛ فها أنا اليوم من فزّاعةٍ للصغار، وشبهُ فضائيّةٍ غريبة، وصاحبة وجهٍ أتى من كوكبٍ آخر، وسيدةُ النحلِ ومُستخرِجة للعسل بقناعي الواقي، إلى دارسة في الكلية، ودارسة للماجستير، وحاملة لدرجة الدكتوراه.

وانضممتُ إلى قائماتِ انتخاباتٍ شبابيّة مستقلة للمجلس البلدي، ورُشحتُ إلى المناصب ونجحتُ فعلًا، وكانت أول مخططاتي من هذا الهدف والحلم هو حملة لتوعية لمرض أطفال القمر من خلال تقديمِ المساعداتِ ودعمِ أهالي المصابين بهذا المرض، وتوفير المرهماتِ النادرة واللّازمة، وتأمين لوازم الوقاية من ملابسٍ وأماكن مغلقة، وتيسير التعليم الخاص، ضمن جوٍّ حياتِيٍّ مناسبٍ لمرضهِم.

كل ذلك أفعلهُ من أجلِ إشعال النورِ في داخلهم، لأنني قاتلتُ كثيرًا حتّى أشعلتهُ في داخلي، برغمِ ذلكَ الفضاء المظلم من حولي. حتى لو كُنّا أعداءً للشمس، وأطفالًا للقمر، نستطيعُ بعزيمتنا وتغلّبنا على هذا المرض أن نصنعَ الأمل من رحمِ الألم.