بنفسج

زواج القاصر: قول في القانون والوعي والمجتمع

الخميس 24 فبراير

زواج القاصر من المواضيع التي باتت تؤرق المجتمع الأردني بعد تعديلات قانون الزواج عام 2019. القاصر مصطلح قانوني يُستخدم للدلالة على الطفل الذي لم يبلغ سن الثامنة عشر من عمره والسنة في القانون هي السنة الميلادية، إلا أنه في حالة الزواج، فبحسب تعديل البرلمان الأردني في قانون الأحوال الشخصية من العام الآنف الذكر، فإنه يسمح بزواج الفتيات في سن السادسة عشر إذا كان الزواج "ضرورة" تقتضيها المصلحة بشرط موافقة قاضي القضاة وتوفر الرضا والقبول.

أما شرعًا فقد تباينت الآراء حسب دور الإفتاء في الدول الإسلامية؛ في الأردن يجوز للقاضي وبموافقة قاضي القضاة، بعد التحقق من الرضا والقبول زواج من بلغ سن السادس عشر شمسية إذا كان في زواجه ضرورة تقتضيها المصلحة، كما يمنع في المادة 11 من إجراء عقد على امرأة إذا كان خاطبها يكبرها بعشرين عامًا إلا بعد التحقق من رضاها واختيارها.

فالمؤيد يتذرع بأن السن الحقيقي للزواج يبدأ من بلوغ الفتاة بغض النظر عن عمرها. في المجتمعات الغربية فإن الفتاة تبدأ بالمواعدة مع الجنس الآخر في سن مماثل لسن زواج القاصرات، فما الضير إذا كان لدى الفتاة الرغبة في الزواج بتزويجها؟ فذلك يدرأ عن أبنائنا السعار الجنسي وأبناء الأطفال الموجودين في المجتمعات الغربية مجهولي النسب.

 من هنا تعلو الأصوات الرافضة لزواج القصر بأنه انتهاك لحقوق الطفولة، فحسب ما ذكرت جمعية "تضامن النساء" الأردنية: تُزوج القاصرات دون الخمسة عشر عامًا، ومن دون توثيق لمخالفتها القانون، وأحيانًا بتزوير السن الحقيقي للفتاة. 
ويتأرجح زواج القاصرات بين مؤيد له ومعارض؛ فالمؤيد يتذرع بأن السن الحقيقي للزواج يبدأ من بلوغ الفتاة بغض النظر عن عمرها. في المجتمعات الغربية فإن الفتاة تبدأ بالمواعدة مع الجنس الآخر في سن مماثل لسن زواج القاصرات، فما الضير إذا كان لدى الفتاة الرغبة في الزواج بتزويجها؟ فذلك يدرأ عن أبنائنا السعار الجنسي وأبناء الأطفال الموجودين في المجتمعات الغربية مجهولي النسب، حيث أن الزواج ينظم هذه العلاقات ويضمن للأبناء حياة حقيقية تقوم عائلاتهم بمسؤولياتها اتجاههم بدلًا من إلقائهم في دور الرعاية أو تنشئتهم مع أمهات وحيدات.


اقرأ أيضًا: الزواج المبكر: حين يبتلع عالم الكبار طفولتنا


 فقد سجّلت بريطانيا عام 2021 أصغر أم، والتي أنجبت طفلها في عمر الثانية عشر، حيث لم يكن والدي الطفلة على علم بحملها، وأودعت الطفلة وابنها في دار رعاية لمتابعتهما. معارضو زواج القاصر يستندون إلى عدم أهلية الفتاة إلى أخذ قرار الزواج وتحمل مسؤوليته، وعادة يكون قرارها بالتأثير من وليها، فتبقى تحت سلطة عائلتها ثم تنتقل بعد الزواج إلى سلطة الزوج وعائلته. 
على صعيد آخر فإن معظم العائلات التي تزوج بناتها القاصرات يكون سببه الوضع الاقتصادي السيء لهم، فتصبح الفتاة سلعة يتاجر بها رغمًا عنها، وهذا لا بدّ من إدراجه ضمن خانة الاتجار بالبشر. ماذا لو أن الفتاة راغبة في الزواج وتم تنشئتها لتقوم بمسؤوليات الزوجة في عمر صغير؟ لماذا نمنعها، ولكن على من يتزوج قاصرًا الوعي بأنها قد تتغير متطلباتها وقناعاتها في عمر ما، وإذا اشترطت على الزوج إتمام تعليمها والتحاقها لاحقًا بوظيفة فعليه، استيعاب التطور في شخصيتها.

(ع.ب) تزوجت في عمر الخامسة عشر لحاجة عائلتها لتحسين وضعهم الاقتصادي من خلال زوجها لتجد نفسها ضحية هجر وعنف زوجي واستغلال عائلي، ومعها ثلاثة أطفال، مما اضطرها للقبول بهذا الوضع إلى أن يكبر الأولاد.

وعلى الأسرة التي تؤيد زواج القاصر الوعي بأن هذا الزواج قد لا يكون موفقًا وينجم عنه أطفال آخرون يحتاجون وأمهم إلى تربية ومعيل. بالمحصلة، تكون الفتاة في هذا العمر بحاجة إلى استيعاب الزوج ومساندة عائلتها حتى تصل إلى النضج المطلوب. (ع.ب) تزوجت في عمر الخامسة عشر لحاجة عائلتها لتحسين وضعهم الاقتصادي من خلال زوجها لتجد نفسها ضحية هجر وعنف زوجي واستغلال عائلي ومعها ثلاثة أطفال، مما اضطرها للقبول بهذا الوضع إلى أن يكبر الأولاد. (ه.ج) تزوجت في السادسة عشر برغبة منها، وبعد إنهائها تعليمها والتحاقها بالوظيفة، وجدت نفسها مع زوج ما يزال يعاملها معاملة القاصر، فانفصلت عنه بعد إنجابها طفلين تتحمل مسؤوليتهما بالكامل.

(س.ه) أسرتها كانت داعمة لها وزوجها واعيًا ومتفهمًا، وبعد عشرين عامًا لا تزال تحمد الله على زواجها في عمر السادسة عشر، فهي ترى أنه وفر لها راحة من عناء مكابدة الحياة وحدها والمرور بتجارب عاطفية قد تكون صعبة. المشاكل تبدأ دائمًا عندما يكون الوعي غائبًا، والهدف هو انتهاز الفرص المادية، فلا القاصر مهيئ نفسيًا ولا جسديًا، وتجده يفرح لموضوع الزواج كفرحه بلعبة ينتهي مع أول مشكلة تواجه هذا الزواج، وهنا لمن يلجأ هذا القاصر فلا سند ولا معيل، وللأسف أن حماية الأسرة غير مخولة بالتدخل إذا لم يكن هناك شكوى.

وعي العائلة وأهدافها هو من يحدد صحة هذا القرار من خطئه، فالعائلة التي تؤيد الزواج المبكر تنشئ أبناءها وتعدهم لذلك، والعائلة التي ترفضه تضع دائمًا معايير وأهداف لأبنائها عليهم تحقيقها قبل الوصول إلى سن النضج وأخذ قرار الزواج.

 وإذا حدث واشتكى القاصر، تتدخل العائلات لتنحي دور المؤسسة وتنتهي معظم المشكلات على وعود بالتغيير والتحسن، ولكن للأسف لا يحدث شيء، وقد يكون القاصر وصل إلى عمر تجاوز السن القانونية، ولكن من دون خبرة وحنكة، أضف إلى كونه اكتسب تجربة سيئة ترافقه إلى أن يتجرأ ويأخذ قرارًا. يبقى زواج القاصر مرهون بإيجابياته وسلبياته يفصل بينها الوعي والتجربة، وهو خيار شخصي للعائلة والقاصر.

وما يُقال عن الأنثى يُقال عن الذكر، ولكن عند الفتيات في مجتمعنا هو أشيع لبلوغ الفتاة في عمر أصغر من الشاب عادة.  فكثير من الشباب الذين تزوجوا في عمر صغير يتغير ويأتي عليه مرحلة يندم على هذه الخطوة وربما ينسحب منها. وعي العائلة وأهدافها هو من يحدد صحة هذا القرار من خطئه؛ فالعائلة التي تؤيد الزواج المبكر تنشئ أبناءها وتعدهم لذلك، والعائلة التي ترفضه تضع دائمًا معايير وأهداف لأبنائها عليهم تحقيقها قبل الوصول إلى سن النضج وأخذ قرار الزواج.