بنفسج

نوستاليجيا الزمن الجميل: ماذا علمتنا سالي؟

الأحد 06 مارس

الصداقة، الحب، التعاطف، الرقة، الحنان، الصبر، تحدي مشاق الحياة، هذه القيم نتعلمها بمرور الحياة، ونكتشف صفاتنا كلما وقعنا في التجربة والمواقف المختلفة، ولكننا تعلمنا كل صفة منها على حدا من مسلسل كرتوني، حفر في ذاكرتنا ذكرى لا تُنسى، عايشنا كل موقف وأخذنا منه قيمة، بكينا مع كل مشهد قاس، وقلنا "تبا للأشرار"، وفرحنا حين جسد الحب البريئ أمامنا الذي لا تشوبه مصلحة، أن تجد أحدًا يقف خلفك كجبل تستند عليه كالأصدقاء والأحبة.

 هنا نتحدث عن سالي، التي بمجرد أن تسمع اسمها تشوبك نوستاليجيا الزمن الجميل، فتسرح بذاكرتك وتبتسم على ذكريات الطفولة، وتنهال عليك وجوه سالي ومنشن ورفاقها، وتجد نفسك تلقائيُا تقول "إييييه على أيامنا زمان"، مفهوم النوستاليجيا عميق فهو شعور يأتينا حين نشتاق للماضي ويصيبنا الحنين، وهي كلمة يونانية "nostos" التي تعني الرجوع و "algos" تعني الألم. أول من استخدم الكلمة طالب الطب "يوهانس هوفر" لوصف الألم الناتج عن الرغبة في العودة إلى الموطن. وفيما بعد تعددت معانيها لتشمل الحنين لكل ما هو قديم. وليس فقط الألم على فراق أو خلافه.

وبالعودة إلى سالي؛ فقد عانت كثيرًا فتحولت حياتها في رمشة عين إلى الشقاء بعدما كانت من أغنى أغنياء الهند، انسحب من تحتها البساط بمجرد وفاة والدها الرجل الغني، فانقلبت من الأميرة الصغيرة إلى الخادمة وبائعة الكبريت. عشنا الأحداث برمتها مع سالي ورفاقها، كرهنا الآنسة منشن بغطرستها، وتفضيلها لمصالحها الخاصة، لكن الحقيقة الجارحة في هذه الدنيا إن هناك العديد من منشن في حياة الكثيرين، وإن حكاية سالي هي حكاية حقيقة ليست فقط بمسلسل كرتوني وهذا ما يبكينا حقًا. تعود القصة لفتاة تُدعى "سارا كريو"، في العام 1888 كتبت قصتها الكاتبة فرانسيس هودسون برنيت وأسمتها "سارا كريو" ثم كتبت مسرحية وتم تمثيل قصة سارا وفقها، وتم تسميتها "الأميرة الصغيرة"، ثم حولت لمسلسل كرتوني ذاع صيته عُرف باسم "سالي".

| الرقيقة النقية

تدور أحداث الحكاية حول سالي الفتاة التي أتت من الهند بعد وفاة والدتها، ليضعها والدها في مدرسة داخلية في لندن ويعود لمقر عمله في الهند كرجل لديه مناجم ألماس، ويظل تاركًا ابنته حتى مات بالحمى، ولم يترك لها أي إرث فقد أفلس تمامًا قبل موته.  انقلبت من الأميرة الصغيرة إلى الخادمة وبائعة الكبريت. عشنا الأحداث برمتها مع سالي ورفاقها.
 
 كرهنا الآنسة منشن بغطرستها، وتفضيلها لمصالحها الخاصة، لكن الحقيقة الجارحة في هذه الدنيا إن هناك العديد من منشن في حياة الكثيرين، وإن حكاية سالي هي حكاية حقيقة ليست فقط بمسلسل كرتوني وهذا ما يبكينا حقًا.

من منا لا يعرف سالي، من لم يبك على بكائها، من لم يلعن الآنسة منشن وتصرفاتها المزعجة، من منا لم يتأثر بنغمة صوت سالي، كانت نموذجًا فريدًا نقيًا، تحب هذا وذاك، تقدم الحب بكل ما أوتيت من قوة، بلوتي وأرمنكارد وبيتر أمانها في مدرستها الداخلية، جسدوا معنى الصداقة بمفهومها العميق، تجرعناها في طفولتنا، أما عن الدمية إيميلي فعلاقة سالي بها لا تشبه أي علاقة، تحدثها كأنها شخص أمامها، تبادلها الهموم، تبكيها المواقف التعيسة. أبكتنا الفتاة الرقيقة جميعًا على حياتها القاسية، فمن صدمتها في وفاة والدها أولًا، ثم سوء المعاملة ومضايقتها باستمرار من القلة في مدرستها إثر الغيرة.

تدور أحداث الحكاية حول سالي الفتاة التي أتت من الهند بعد وفاة والدتها، ليضعها والدها في مدرسة داخلية في لندن ويعود لمقر عمله في الهند كرجل لديه مناجم ألماس، ويظل مشغولًا عن ابنته حتى مات بالحمى، ولم يترك لها أي إرث فقد أفلس تمامًا قبل موته، تسير في مفترقات عديدة في حياتها، وتتعلم معنى الشقاء والنعيم بمعايشته على أرض الواقع.

سالي ٣
ملابس سالي نالت إعجاب الأطفال في تلك الحقبة وكانت محط الأنظار من الجميع بالفساتين بألوانها الزاهية

كانت سالي طوال حلقات مسلسلنا الكرتوني، هادئة، صاحبة ابتسامة جميلة، تمنح الدفء لمن حولها بالرغم من حزنها. في بداية حكايتها كانت أميرة مدللة غنية، يحترمها كل من في المدرسة حتى الآنسة منشن، بسبب الأموال الطائلة التي يرسلها والدها دعمًا للمدرسة،  لافينيا فتاة مغرورة سيئة الطباع غيورة، تعادي سالي بطريقة مستفزة، مذ أن خطت قدماها السكن الداخلي، بسبب اهتمام الجميع وتحديدًا الآنسة منشن، لا تُضيع فرصة للتقليل منها ومضايقتها، في حين أن سالي يثير استغرابها ذلك.

سالي ٦
جسدت سالي معنى الصداقة في قصتها والتعاطف مع الآخرين.. ولكن كان لديها حاقدة في وسط المحبين الكثر لها وهي لافينيا التي كانت تضايقها دومًا

في إحدى المرات سرقت لافيينا دمية سالي على مرآى كل الأصدقاء بمنتهى القسوة، وبالرغم من علمها بقيمة الدمية إيميلي بالنسبة لسالي إلا أنها أصرت على مضايقتها فركضت الصغيرة بلوتي التي تنادي سالي بماما لتأخذ منها الدمية فتدفعها بعيدًا عنها بقوة، لتتلقفها سالي بين أحضانها، وبعد تأنيب الكل لتلك الفتاة المغرورة،  أعادت الدمية وقالت بمنتهى الغطرسة: إنها بالأصل دمية مهترئة ورمتها على الأرض فسقطت بين يدي بلوتي. وهنا يتجسد معنى التعاطف والصداقة فقد وقف في وجه الفتاة الحاقدة على سالي رفاقها وكانوا نعم السند، كانوا حصنًا منيعًا لها وهنا تعلمنا قيمة الصداقة وأهميتها في حياة المرء.

| شجاعة قوية

بالرغم من أن سالي رقيقة القلب ومرهفة الحس إلا أنها كانت قوية شجاعة، ترد ردودًا رزينة تشبهها، في إحدى الحلقات ثارت الآنسة منشن كعادتها على الطفلة سالي بعنف، بعدما شب حريق في الإسطبل التي تنام فيه، وبختها بقسوة واتهمتها بأنها تعمدت إشعال النيران، من دون دليل ملموس،  كان مشهدًا مستفزًا للغاية، خال من المشاعر، فقالت لها الآنسة منشن: "هل هذا جزاء من أكرمك؟ مسكتها من  ملابسها تعنفها بقوة، وفجأة رمتها على الأرض من دون رحمة.  وقفت سالي وردت: "أنت لم تكوني يومًا عطوفة عليَّ، وهذا المنزل لم يكن منزلًا لي".

قالت لها الآنسة منشن: هل هذا جزاء من أكرمك؟ ومسكتها من ياقة ملابسها تعنفها بقوة، وفجأة رمتها على الأرض من دون رحمة.  وقفت سالي وردت: "أنت لم تكوني يومًا عطوفة عليَّ، وهذا المنزل لم يكن منزلًا لي".

فطردتها الآنسة منشن من السكن في ظل البرد القارص. حملت سالي دميتها ورفيقتها الأولى وخرجت تبكي، يطالعونها أصدقاءها من النافذة، تناديها الصغيرة بلوتي ماما سالي، فتمشي في شوارع المدينة ثم تستقر أمام الشاطئ، تلتقي سالي بصديقها بيتر الذي كان والده سائق عربة سالي حين كان والدها غنيًا، يساندها ويدعمها ويخبرها بأنه معها وبجانبها ولن يتركها، يأخذه إلى بيته حيث والده ووالدته، فيواسيها العم السائق، فتخبره أنها تود العمل والاعتماد على نفسها، فيأخذها بيتر إلى عمته، فتقبل أخذها للعمل في تعبئة علب الكبريت، وفور خروجه تخبرها بأنها غيرت رأيها وأن عملها سيكون في بيع الكبريت في الشوارع، توافق سالي لحاجتها للعمل، وتبدأ معاناة سالي في عملها كبائعة. 

سالي ٥
نالت سالي التوبيخ من الآنسة منشن في كل فرصة وبكى الصغار في المشاهد القاسية التي كانت منشن بها بلا رحمة

وهنا تعلم من شاهد الحلقة أن الدفاع عن نفسك في وجه من آذاك حق على نفسك، فأن تكون صبورًا لا يعني أن تتنازل، كن قويًا في وجه من تعدى عليك، قل ما تريد قوله في الوقت الذي تريد. تجسدت في هذا المشهد قيمة التعاطف ومساعدة الآخرين، وتعلمنا كيف تكون الرقة ومراعاة الآخر والتخفيف عنه بالكلمة الطيبة، ومساعدته إن كنا نستطيع المساعدة، قد كنا محظوظين حقًا بهذه المعاني التي تتدفق كالماء على مسامع أطفال!

| فتاة مبادرة

سالي٧
سالي كانت تربطها علاقة قوية بالدمية إيميلي لتجدها فكانت رفيقتها في حزنها وفرحها إضافة لرفاقها بالسكن

ظلت سالي طوال الحلقات بنفس القلب النقي، لم تغيرها ظروفها القاسية بعد وفاة والدها من أن تكون معطاءة كما هي، فظلت تساعد صديقتها أرمنكارد التي تعتبر الطالبة الأقل تحصيلًا في المدرسة، تطوعت بتدريسها ومساعدتها في المهام المرفقة لها. في لحظاتها الصعبة ساندت نفسها بنفسها ودعمها الأحبة، في أحد المشاهد كانت تبكي فجلس بجانبها أستاذها وقال: يا سالي هناك الكثير من التجارب والأحزان في الحياة، لا تفقدي أملك، ولا تيأسي، أنا متأكد بأنك ستجزين خيرًا يومًا ما".

سالي١
قصة مسلسل كرتون سالي تعود لقصة حقيقة لفتاة تدعى سارا كريو

أنا قصة إنسان، أنا جرح الزمان، أنا سالي سالي، يا نور الأمل الطالع، بدل أحزان العمر، كي نلمح نور الفجر، كي نحلم مثل الزهر. كانت تلك الأغنية تتر مسلسل سالي، حفظها كل من شاهده، وهم ممتعضين من الآنسة منشن ومن سلبية أختها التي تحب سالي ولكنها لا تستطيع رفع الظلم عنها، مستأنسين بعلاقة الأصدقاء كلهم.

 


اقرأ أيضًا:  الكافل واليتيم: نُفوس سكنها الظل وجودي آبوت


كان الأستاذ دوفاكش وهو معلم الفرنسية في المعهد، يقدم المساعدة لسالي، ويرسل لها الكتب لكي تزيد حصيلتها المعرفية، لكن الآنسة منشن تقف له بالمرصاد ولا يعجبها تفضيله لسالي، بعدما اشتكت لافينيا لها بأنه يفضل سالي عليها، مع أنها أعلى منها مقامًا، فيفصل من عمله إثر ذلك. هنا تعلمنا وآمنا أكثر بأن كل من يفعل الخير مجزي كما قال الأستاذ لسالي، بالرغم من الأستاذ خسر عمله ولكنه ظل مؤمنًا بأن الخير مردود له في هيئة أخرى ولو بعد مرور أعوام،وأن لا نندم على فعل الخيرات لأنه سيعود لنا بالنفع بالتأكيد، هنا عرفنا أن الأمل مهم لنواصل الحياة، وسنجازي على أفعالنا الحسنة مهما طال الزمن. كما تعلمنا أن علينا أن نكون المبادرين السباقين لفعل الخير دون انتظار المقابل. وأن نظرة ضحوكة من شخص ساعدناه تمنحنا سعادة لا يمنحنا إياها أي شعور آخر.

| لا تعرف الاستسلام

سالي ٤
الفتاة سالي انقلبت بها الحياة لتصبح خادمة في السكن بعد إفلاس والدها وبائعة كبريت هنا يُجسد معنى المسؤولية والاعتماد على النفس

مسلسل سالي تواجد فيه الكثير من الشخصيات منهم الحنون المتعاطف مع سالي، ومنهم المتغطرس، كالحياة تمامًا، من بلوتي إلى لافينيا وبيتر الذين تحدثنا عنهم مسبقًا، وبيكي الخادمة التي كانت تشعر بالاستياء تعاطفًا مع سالي بعدما أصبحت خادمة رفقتها، فأصبحتا رفيقتان في كل شيء. 

عملت سالي كبائعة كبريت وخادمة، أتقنت كل عمل قامت به، هنا تجسد معنى عدم الاستسلام لظرف سيء، وأن الحياة تكمن حلاوتها في أن تقف بعد كل أزمة ولا ترفع شعار اليأس، إن حاولت مرة، حاول الأخرى، إن انقطع مصدر رزق لك، جرب في آخر، إن أردت شيئًا خذه بكيفك وذراعيك ولا تركن لوضعية الاستسلام.

وكان لقط الآنسة منشن سيزر حضور قوي في حلقات مسلسل سالي، فهو كسول جدًا دائم النوم، وبونابارت هو بغبغاء سالي ويستطيع قول فقط سالي سالي. أما سيليا القرد الصغير الذي كان السبب بلقاء سالي بصديق والدها الذي أعاد لها لقب الفتاة الغنية، وانتشلها من المأساة التي كانت غارقة بها، السيد توماس هو شريك والد سالي، كان يبحث عنها ليعطيها ثروتها من حصتها التي ورثتها عن والدها في أسهمه، التي لم تكن تعرف عنها شيئًا، وقد ظنت أن والدها قبل أفلس بعد وفاته. وهنا جرت المعجزة فعادت الطفلة الغنية التي مرت بالفقر والحاجة إلى عالم الغنى مرة أخرى، وهذا كله بسبب وفاء الرجل الصديق، وإصراراه على رد الحق، وتعويض سالي عما عانته في حياتها، فعاشا سويًا، ومنحها أيضًا ثروته حيث لم يكن له أبناء.

وهنا عرفنا قيمة الأمانة وكيف يحافظ الصديق على أمانة صديقه، فصديق والد سالي كانت وصيته الطفلة الصغيرة، ظل يبحث عنها طويلًا حتى وجدها، وتعلمنا أن نرد الحقوق لأصحابها مهما مر من زمن، ومساعدة المحتاجين فقد عكفت سالي على تقديم العون لأصدقائها ولم تنساهم.

سالي٢
السيد توماس أعاد مال سالي في إرث والدها وكان نعم الصديق لوالدها بعد مماته وخير الأب لسالي منذ وجدها

ولا ننسى كم أغرمنا بملابس سالي المحتشمة والفساتين الجميلة التي كانت ترتديها، فكان حلم الطفولة للفتيات الصغار اقتناء مثل ملابسها، فكانت رقيقة بكل فستان ترتديه، وألوانها هادئة تشبهها من  الفستان الأحمر والوردي وحتى الأزرق الذي يشبه بلونه زرقة البحر، والقبعات التي أخذت قلوبنا كلما رأيناها على شعر سالي. فكانت بها كالأميرات تمامًا.

عاش معنا كرتون سالي لأيام، بكى الصغار عليها، والكبار أيضًا، عادينا الآنسة منشن وجبروتها، أحببنا اللطف في رفاق سالي، والنقاء في قلبها الرقيق، وكرهنا الأصدقاء الذين على شاكلة لافينيا. كنا نعتقد أن الأشرار فقط يتواجدون بمسلسلاتنا الكرتونية، لا ندرى بأنهم على أرض الواقع أسوأ بكثير. مرت سنوات عديدة على سالي ولكنها ظلت عالقة في الأذهان هي وجودي آبوت وسندريلا.