بنفسج

"حفلات رياض الأطفال" لماذا لا يكون بسيطًا مفيدًا ومبهجًا؟

الأربعاء 15 يونيو

في هذه الأيام من كلِ عام تتزينُ صفحات التواصلِ الاجتماعي بصورِ حفلات تخرج رياضِ الأطفالِ المبهجة؛ نرى فيها بريقُ أعين الأمهات والآباء، نلمسُ فرحتهم بطفلهم الصغير الذي بدأ يخطو أولى خطواته في عالمه الأكاديمي، في الحفلة التي تُشكل خلاصة عامه الأول في الخارج بعيدًا عن الأهل، والتي يُبرز فيه ما تعلم بثقةٍ وسعادة أمام معلماته وأهله في ساعاتٍ قليلة لكنها مهمة له. "الروضة" أو "التمهيدي" أو "Kg"، على اختلاف مسمى هذه المرحلة إلا أننا نتفق على حساسيتها وأهميتها بالنسبة للطفل كونها التمهيد لدخوله المدرسة وإعداده لها، مما جعلها مؤسسة مهمة يظهر فيها التنافس إلى حدٍ كبير بين المؤسسات، لأهدافٍ تحمل رسائل تعليمية وأخلاقيةٍ تحقق هدف التعليم في حين، أو لأهدافٍ ربحية وتجارية في حينٍ آخر، لما قد تحققه من أرباحٍ مادية.

| طفل بــ "روب تخرج"!

 
حفلات رياض الأطفال التي بدت في الآونة الأخيرة، تتجه بترتيبٍ وتجهيزٍ أكبر وتكاليفَ أعلى مما كانت عليه، لتشبه إلى حدٍ ما حفلات تخرج الجامعات  بطريقتها ولباسها! الشكل النهائي لحفل التخرج الذي أصبح هدفه نيل رضا الوالدين وسعادتهما أكثر من التركيز على رضا صاحب الحفلة الأهم، وهو الطفل نفسه. 
 
والحقيقة أن الاهتمام بأداء وجودة رياض الأطفال أمرٌ رائعٌ ومهم، وأن تدريب الطفل على النظام والترتيب في حفلته أيضًا يبعث السرور، لكن المبالغة في التكلف والإسراف في شكلها وزينتها ونوعية الهدايا المقدمة للطفل أصبح عبئًا على كاهل الأهل.

نتكلم هنا عن نسبةٍ ظاهرة فقط، وهي بالتأكيد ليست بالمطلق أو التعميم، عن حفلات رياض الأطفال التي بدت في الآونة الأخيرة، تتجه بترتيبٍ وتجهيزٍ أكبر وتكاليفَ أعلى مما كانت عليه، لتشبه إلى حدٍ ما حفلات تخرج الجامعات والمعاهد بطريقتها ولباسها! الشكل النهائي لحفل التخرج الذي أصبح هدفه نيل رضا الوالدين وسعادتهما أكثر من التركيز على رضا صاحب الحفلة الأهم، وهو الطفل نفسه. الطفل الذي يبحث عن الراحة والبساطة والألوان الطفولية في لباسه، يتقيد لساعاتٍ، بلباس تخرج رسمي وملابس استعراضية، لأداء فقرات الحفل ولغرض التصوير، رغم أن سعادة الطفل تتمثل في ارتدائه ملابس وفساتين العيد مثلًا، أو استبداله بالزي الرسمي الموحد للروضة، تخفيفًا من عبء استئجار ملابس التخرج التي تعيق حركة الطفل، وتشغله عن اللعب والاستمتاع بفقرات الحفل.


اقرأ أيضًا: أبناؤكم أم أبناء الحياة: تتبع تاريخي لأصل الحكاية


هذا الصغير الذي تسعده بالونات بسيطة بأشكالٍ وألوانٍ مبهجة، لا يبحث عن لمعة الزينة وخامتها وصفها بديكورٍ فخم ُيُبهر الأهالي، إلا أنه لا يلفت الطفل، ولا يرسم في خياله صورة ترافقه عن يومه الجميل؛ فاستئجار قاعةٍ معدة للمناسبات الرسمية بخطاباتٍ متتالية وكراسي فخمة، لا تسعد الطفل بقدر وجوده في حديقة ألعاب، يُسمح فيها بأداء الفقرات أمام الأهالي، ثم التوجه للعب بالحديقة مع مهرجٍ لطيف يضيف جوًا من اللعب.

والحقيقة أن الاهتمام بأداء وجودة رياض الأطفال أمرٌ رائعٌ ومهم، وأن تدريب الطفل على النظام والترتيب في حفلته أيضًا يبعث السرور، لكن المبالغة في التكلف والإسراف في شكلها وزينتها ونوعية الهدايا المقدمة للطفل أصبح عبئًا على كاهل الأهالي، وزيادةً في التوجه نحو المظهر المكلف على حساب المضمون المُبتكر.

| فقرات استعراضية

inbound4622817877944963896.jpg
حفل تخرج للأطفال في روضة يا هلا

مضمون الحفلة وترتيب فقراتها وهو الغاية في الأصل، وبمقارنةٍ بسيطة بين الماضي والحاضر، نشهد فيها غياب فن المسرح من حفلات الرياض وهي التي كانت عمودها سابقًا، حيث كان يتدرب الطفل على أداء المسرحيات المكتوبة بلغةٍ سهلةٍ ومفهومة، تقدم في محتواها معانٍ وأخلاقٍ سامية للطفل الذي يؤديها وللحضور من الأهالي والأطفال الآخرين، المسرح الذي يعزز ثقة الطفل بنفسه، ويساعده على الوقوف والتحدث أمام، أي جمهور يغيب للأسف عن معظم هذه الحفلات الختامية.

 وكذلك الأمر نفسه بالنسبة للعرافة والإلقاء والنشيد والدبكة المتقنة، بحركاتها وفقراتٍ أخرى يؤديها الطفل نفسه، ويقدمها بتمكنٍ وسلاسة بعد تدريبه مبكرًا من دون ضغط، أو تخصيص حصص صفيةٍ لهذه المهارات الغائبة التي كانت تضفي جوًا ممتعًا للطفل أولًا ثم لأهله، إضافة إلى الفائدة المرجوة المرافقة له فيما بعد. أما في الوقت الحاضر، فنحن نشاهد فقراتٍ استعراضية لأغانٍ تم اختيارها من" اليوتيوب" بحركاتها وكلماتها وتكرارها في معظم الحفلات، وسط بكاء بعض الأطفال وانزعاجهم، من دون تفردٍ وتميز بالأداء والابتكار، بل بالتقليد والنسخ عند البعض وليس الجميع.

روضة ميلاد
حفل تخرج للأطفال في روضة ميلاد

الحفل الختامي للرياض كما يجب أن يكون هو خلاصة ما قدمته هذه الروضة طيلة أيام السنة للطالب؛ من إضافاتٍ لشخصيته وأدائه، وإبراز للموهبة التي لمسها طاقم الروضة خلال العام في الطفل، فهناك من تميز بالحفظ، وطفل آخر قادرٌ على حساب الأرقام بطريقة ملفتة، وآخر ذو صوتٍ جميل، ومن هو مبدعٌ في الإلقاء أو التقليد. هذه المواهب والمهارات تظهر في شخصية الطفل منذ بداية العام الدراسي؛ فهل استطاعت الروضة أن تحفّز هذه الموهبة من البداية، من دون أن تضغط على طالبها وطاقمها في الشهر الأخير من العام، لتضع الأطفال في صفٍ استعراضي واحد لأداء الحركات نفسها بشكلٍ متكرر، وهل استطاعت الروضة أن تتأكد من انسجام الطفل بهذه الفعاليات وفرحته بها؟

لذلك كان لزامًا علينا التنويه لهذه الإشكاليات التي يتحمل مسؤوليتها الأهالي أيضًا إلى جانب مؤسسات الرياض من دون تعميم، قبل الوقوع في المزيد من التكلف والمظاهر التي أُدرجت بشكلٍ ملحوظ، وتحميل إدارة الرياض والأهالي مزيدًا من الأعباء المادية مجاراةً للوضع، واستمرارًا في المنافسة القوية بين هذه المؤسسات، مع اضطرار الأهالي بالتأكيد لتواجد أطفالهم ومشاركاتهم في هذه الحفلات.