بنفسج

أبناؤنا والهوس الكوري: المد القادم من الشرق

السبت 27 اغسطس

في السنوات القليلة الماضية، شهدت الثقافة الكورية انتشارًا عالميًا واسعًا وتأثيرًا كبيرًا، خاصة على الأوساط الشبابية، ولم يعد الأمر مقتصرًا على الشغف الكبير لمتابعة أعمالهم السينمائية، بل انتقل هذا الحب إلى اتباع الثقافة الكورية في المأكل والمشرب والملبس، بل حتى التحدث، فعلى الرغم من صعوبة اللغة الكورية وعدم تداولها، إلا أنها لاقت إقبالًا واسعًا لتعلمها بين أوساط الشباب والمراهقين.

 وأصبح هناك جيل لديه هوس جديد يسمى "الهوس الكوري"، ولم يعد الأمر مقتصرًا على مجرد حب ومتابعة، بل تحول إلى اتباع وطاعة عمياء دون تلقي أمر صريح بفعل شيء، وباتت الأسر تستغيث من خطر تفشيه وتأثيره على مستقبل أبنائهم، خاصة بعد انتشار لعبة الحبار وغيرها مما يهدد مستقبل الأبناء. فما سر انتشار وحب الثقافة الكورية لدى الشباب بهذا الشكل؟ وما آثاره عليهم؟ ومتى يجب السماح للطفل بالمتابعة ومتى يجب الحذر أو الابتعاد عنها؟

| أصل الحكاية

هناك جيل لديه هوس جديد يسمى "الهوس الكوري"، ولم يعد الأمر مقتصرًا على مجرد حب ومتابعة، بل تحول إلى اتباع وطاعة عمياء دون تلقي أمر صريح بفعل شيء، وباتت الأسر تستغيث من خطر تفشيه وتأثيره على مستقبل أبنائهم، خاصة بعد انتشار لعبة الحبار وغيرها مما يهدد مستقبل الأبناء.
 
يخيل للكثيرين أن الأمر بسيط ومحض تصادف وحب لثقافة بلد ما، لكن حينما يكون الانتشار ملحوظًا بهذا القدر، فيخطئ من يظنه محض تصادف، بل الأمر مخطط له وأكبر الدوافع هو تعزيز النمو الاقتصادي.

يخيل للكثيرين أن الأمر بسيط ومحض تصادف وحب لثقافة بلد ما، لكن حينما يكون الانتشار ملحوظًا بهذا القدر، فيخطئ من يظنه محض تصادف، بل الأمر مخطط له وأكبر الدوافع هو تعزيز النمو الاقتصادي، وذلك بعد الأزمة الاقتصادية الشهيرة التي عاشتها كوريا واضطرت لسداد ديونها بشكل كامل، مما أدى إلى تأزمها اقتصاديًا، وكان لا بد للنهوض من جديد، وذلك  بالاعتماد على التكنولوجيا التقنية بجانب العمل على انتشار الثقافة الشعبية الكورية.

وتبتدأ الحكاية من الصين، ففي عام ١٩٩٧ بثت محطة التلفزيون الصينية المركزية مسلسل what ıs love الذي احتل المرتبة الثانية في محتوى الفيديو الأجنبي داخل الصين في ذلك العام، نتيجة لذلك ظهر مصطلح "هاليو"، أو "الموجة الكورية" لأول مرة، والذي يشير إلى الهوس العالمي بالثقافة الكورية. ومن الصين إلى اليابان حيث أدى النجاح الواسع لمسلسلwinter sonata عام ٢٠٠٣ إلى انتشار الثقافة الكورية في اليابان، واشتهار جزيرة نامي اليابانية -محل تصوير المسلسل- وصارت مزارًا سياحيًا من قبل السياح في اليابان.

ومن اليابان إلى كل العالم، حيث قاد انتشار الهوس الكوري إلى ظهور أوسع لما يسمى "بالآيدول الكوري"، وهم مجموعة فتية وفتيات كوريين أطلقوا على أنفسهم هذا الاسم، ونالوا شهرة واسعة  في أمريكا اللاتينية والشرق الأوسط بين أوساط المراهقين والشباب، كما وصلت السينما الكورية ذروة نجاحها وحازت أفلامها على جوائز أوسكار لمرات متوالية، وبلغ عدد أعضاء المنضمين لمنظمات ذات صلة بالهاليو -الموجة الكورية-عام ٢٠٢٠ إلى نحو ما يقارب ١٠٠ مليون شخص، مما جعل السياحة والثقافة الكورية تنشط بشدة.


اقرأ أيضًا: لعبة الحبار: هل يمكننا التحكم فيما يشاهده الأبناء؟


 ويعتبر الهاليو هو الاقتصاد الثقافي لكوريا الجنوبية الذي يحتوي على الموسيقى والأفلام وألعاب الإنترنت والمطبخ الكوري، كما أن كوريا الجنوبية من أكبر دول العالم التي لديها هدف لتصبح أكبر مصدر مورد لثقافتها الشعبية في العالم، ومن هنا أخذت كوريا الجنوبية في التأثير على طريقة تفكير الشباب والمراهقين، ورؤيتهم للثقافة الكورية التي فُتنوا بها، إضافة لذلك، فقد شهد الاقتصاد الكوري طفرات واسعة بعد الشهرة العالمية التي حازتها الثقافة الكورية، والفضل كله كان لتأثير الهاليو الكبير.

كما بلغ الناتج المحلي الإجمالي للهاليو في كوريا في عام 2004 حوالي 1.87 مليار دولار أمريكي، وفي عام 2019 حققت الموجة الكورية ما يُقدر بنحو 12.3 مليار دولار أمريكي، أي أنّ الزيادة خلال 15 عاماً كانت بحوالي 11 مليار دولار! وتوسع الانتشار ليشمل جميع نواحي الحياة الكورية من أداب وطعام ولباس وغيره، مما خلق المزيد من الشغوفين بتلك الثقافة وتقاليدها وجعل وزارة الثقافة الكورية تحدد ميزانية بقيمة ٥.٥ مليار دولار بهدف تعزيز النمو الاقتصادي. [1]

| الشباب والمراهقين هما الهدف الأول

received_474476404222960.webp
قاد انتشار الهوس الكوري إلى ظهور أوسع لما يسمى "بالآيدول الكوري" فعكف الشباب على متابعة الكوريين

ركزت كوريا الجنوبية في نهضتها الاقتصادية والثقافية على عنصر هام جدًا وعماد ازدهار أي حضارة، ألا وهم الشباب والمراهقين، ولم يكن مجرد تركيز عادي، بل إنها عملت على توظيف خصائصهم بما يخدم أهدافها، وجميعنا نعلم حب الشباب والمراهقين لكل ما هو جديد وغريب، وحب التجربة واتباع الموضة الغريبة، إضافة للأطعمة التي تسوق بطريقة جذابة، ويكفي أن تخلق لهم أبطالًا ونجومًا يبهرونهم، ومن ثم يقلدونهم في كل ما يفعلون، وعندما تحب شخصًا ستفعل كل ما يفعله، فتخيل إن أحببت ثقافة دولة! بالطبع ستحب تعلم كل ما فيها من عادات وقيم وأكلات وملبس وتود تعلم لغتها.

كثير منا خالط الكوريين وتعامل معهم، ولا أخفي عليكم أني منهم، وجميعنا ننقل التجربة ونتشاركها بين بعضنا بعضًا، وبلا شك، فالجميع يشهد لهم بالأدب الجم واحترام وتقبل الآخر غير المشروط، وفوق كل ذلك حبهم للغير ومحاولة التقرب لهم من أول فنانيهم ومحاولتهم الغناء باللغة العربية.

كثير منا خالط الكوريين وتعامل معهم، ولا أخفي عليكم أني منهم، وجميعنا ننقل التجربة ونتشاركها بين بعضنا بعضًا، وبلا شك، فالجميع يشهد لهم بالأدب الجم واحترام وتقبل الآخر غير المشروط، وفوق كل ذلك حبهم للغير ومحاولة التقرب لهم من أول فنانيهم ومحاولتهم الغناء باللغة العربية، مما أكسبهم جمهورًا كبيرًا ومهمًا مثل العرب، وشهادة السياح لهم بحبهم للعون وتقديم المساعدة، وخاصة المغتربين هناك، لأسباب العمل أو الدراسة، كل ذلك أضاف إلى رصيد الانتشار، والحب الكبير للثقافة الكورية الجنوبية.

| أطفالنا والهوس الكوري 

هناك تأثيرات سلبية للثقافة الكورية الجنوبية علينا، ومنها، على سبيل المثال لا الحصر، "لعبة الحبار" التي أودت بحياة العديد من الأطفال والشباب، وأيضًا المجموعات الغنائية التي ترتدي أزياء سوداء مخصصة وأعمالًا فنية أخرى تعكس دينهم أو عدم انتمائهم لأي دين، وطريقة التعبير عن الحب وغيره من قيم لا تناسب قيمنا ولا مجتمعنا. وبالتالي لا بد من الحذر قبل أن تترك نفسك وطفلك أو أبناءك لاستهلاك الثقافة الكورية الجنوبية بما كل فيها، فعليك الانتقاء الجيد لما ستتأثر به وتقلده حتى دون وعي منك.

والسؤال الآن.. هل التأثير الكوري علينا كمجتمعات عربية إيجابي أم سلبي؟ وكيف أحدد النافع والضار منها لأولادي؟ بلا شك فإن كوريا الجنوبية مثلها مثل باقي دول العالم لديها تأثيرات إيجابية وسلبية تؤثر بها على غيرها من الناس والدول، وكل متلقي يتأثر بقدر تلقيه ومما يحب أن يتلقى منه، فلا نستطيع أن ننكر تأثرنا بأدبهم الجم، كما ذكرت سابقًا، وحبهم للمساعدة وغيرها من صفات حميدة يتميز بها الشعب، إضافة لثقافة المطبخ الكوري وملابسهم التي تنال إعجاب الكثيرين وبعض الأعمال الفنية الراقية، وأيضًا الصناعة الكورية التي تتميز بالإتقان والجودة، فكل ذلك من صفات ومميزات إيجابية لا ضرر منها، وبالطبع لك حق التأثر بها.
على الجانب الآخر، هناك تأثيرات سلبية للثقافة الكورية الجنوبية علينا، ومنها، على سبيل المثال لا الحصر، "لعبة الحبار" التي أودت بحياة العديد من الأطفال والشباب، وأيضًا المجموعات الغنائية التي ترتدي أزياء سوداء مخصصة وأعمالًا فنية أخرى تعكس دينهم أو عدم انتمائهم لأي دين، وطريقة التعبير عن الحب وغيره من قيم لا تناسب قيمنا ولا مجتمعنا.
هل أنت شخص مستهلك للثقافات دون وعي؟ هل تقلد كل ما تراه وتتلقى وتتأثر بكل ما يصدر لك؟ لو كنت كذلك فلا تلومن إلا نفسك، وإن كنت تترك لأبنائك حرية غير مسؤولة لمتابعة كل ما يجول بهواهم ثم تأتي تبكي على اللبن المسكوب فهل هذا أساس الدين والتربية وهل هذا امتثال لما قاله النبي صل الله عليه وسلم " كلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته"؟!
 وبالتالي لا بد من الحذر قبل أن تترك نفسك وطفلك أو أبناءك لاستهلاك الثقافة الكورية الجنوبية بما كل فيها، فعليك الانتقاء الجيد لما ستتأثر به وتقلده حتى دون وعي منك، مثله مثل كل الثقافات العالمية التي تستورد منها وتتأثر بأفكارها، فالسؤال هنا هل أنت شخص مستهلك للثقافات دون وعي؟ هل تقلد كل ما تراه وتتلقى وتتأثر بكل ما يصدر لك؟ لو كنت كذلك فلا تلومن إلا نفسك، وإن كنت تترك لأبنائك حرية غير مسؤولة لمتابعة كل ما يجول بهواهم ثم تأتي تبكي على اللبن المسكوب فهل هذا أساس الدين والتربية وهل هذا امتثال لما قاله النبي صل الله عليه وسلم " كلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته"؟!
received_757970198757337.webp
الثقافة الكورية تلاقي انتشارًا واسًعا سواء في الطعام أو حتى المسلسلات والأفلام لذلك عليك الانتباه للوارد من هذه الثقافة

في النهاية.. سواء كان التأثر بكوريا أو غيرها، فالبداية تأتي من البيت، وقيام رب الأسرة بدوره في الحرص والرعاية على أتم وجه، فطفلك الصغير حتى خمس سنوات لا تشتكي من سلوكه وتأثره، وتأتي به لمختص تعديل السلوك قبل أن تعدل أنت سلوكك كمربي، فنحن كمختصين لا نقوم بتعديل سلوكه وإنما يتم تعديل البيئة المحيطة به، وعليه قس، فمن شب على شيء شاب عليه.

 إن أحسنت غرس القيم ووجهت طفلك للاختيار السليم وعلمته الحرية المسؤولة منذ الصغر سيكبر طفلك على هذه القيم الحميدة، وستكون نسبة تأثره بأي شيء خارجي مضر قليلة، وإن انخرط فسيعود حتما لفطرته الأولى، فاحرص أنت على تولي أمور رعيتك على أتم وجه، فثقافة وأفكار أي كان لن تؤثر سلبًا سوى على العقول الفارغة، فاحفظ عقلك وطفلك مليئا بالقيم والأخلاق القويمة وحاول أن تجد بديلًا نافعًا لأولادك وهوايات مفيدة يهتمون بها دون أن توصل الأمر للتصادم والشجار.


[1] هاليو (الموجة الكورية) أو موجة الهاليو أو هاليو أو الموجة الكورية (한류 بالهانغول الكورية، 韓流 بهانجا الصينية) هي موجة ثقافية كورية أطلقتها دولة كوريا الجنوبية. أطلقت هذه العبارة للمرة الأولى في الصين، كما ذكرنا في المقال أعلاه، وتعني حرفيًا "التدفق الكوري"، بسبب الانتشار الواسع الذي حققته الدراما الكورية في الصين، لتنتشر بعدها بشكل أوسع، إذ لم تعد تقتصر على السينما والفن والدراما فقط، بل أصبحت تركز على نشر الثقافة الشعبية الكورية بكل ما فيها [ لغة، مطبخ، أزياء].