بنفسج

هبة أبو ندى.. عندما لم تُعْجبها نهايةُ الحكاية

الثلاثاء 06 سبتمبر

عندما كنَّا صغارًا وفينا براءة الطفولة، حين عرفنا للمرة الأولى حرارةَ البكاء أمام التلفاز، ففي ذلك المساء غادر "ألفريدو" وترك صديقه "روميو" وحيدًا يحمل بين يديه عهد الأصدقاء، ورحل العم "فيتالس" حضنُ الأمان الوحيد لـ"ريمي". ونحنُ في الخلفِ نسأل -بحزن- لماذا كان عليهم أن يرحلوا هكذا، ويتركونا نتمنى خيالًا في بقائهم، ونطيرُ نحو النِّهايات السعيدة، ونظنُّها مستحيلة؟!  في اللحظة التي كُنَّا نعدُّ أمنياتنا، ونبكي وجودَنا النَّاقص.

كانت هبة تُعلِنُ رفضها لكلِّ نهايات الفراق، فأمسكت قلمها باسم الله لِتُعيدَ نسْجَ كل الحكايات، فيعيش "ألفريدو"، ويبقى العم "فيتالس" رفيقًا لرحلة "ريمي". كتبتْ لنا هبة كلُّ النهايات السِّعيدة كما تمنَّاها قلبُ كلِّ طفل. هو ذاته القلم الذي أعلَنَ حروفه ثورةً عندما ضجَّ الكون في الانتفاضة الثانية بصوتِ والد الشهيد محمد الدرة "مات الولد"، فكان بيتُ العزاء الأول ينطلق من حروف هبة، ترثي محمد، وتنتفض في وجه العالم، ليُبْصِر: هنا فلسطين، ميلادُ الوجع والإبداع في آنٍ واحد.

كتاباتٌ برائحة البلاد

 
هبة أبو ندى، كاتبة فلسطينية من قرية بيت جرجا المُهجَّرة وتعيش في قطاع غزة. شاعرة وقاصَّة، وما بينهما مواهبُ كثيرة. نذرتْ كتابتَها لتكون ناطقة باسم القضية الفلسطينية وآلامها، تُحاوِلُ أن تصنعَ أملًا بالغد في وجهِ كلِّ من عرفها.
 
تحمل هبة شهادة البكالوريوس في مجال الكيمياء الحيوية، ودبلومًا في التأهيل التربوي، وفي طريقها الآن لإعداد رسالة الماجستير في مجال التغذية العلاجية. لكنَّ إيمانَ هبة بالموهبة، جعلها تعملُ قائدًا في مركز رُسُل بقسمٍ مختص بالأطفال الأذكياء والمبدعين في مجال العلوم.

هبة أبو ندى، كاتبة فلسطينية من قرية بيت جرجا المُهجَّرة وتعيش في قطاع غزة. شاعرة وقاصَّة، وما بينهما مواهبُ كثيرة. نذرتْ كتابتَها لتكون ناطقة باسم القضية الفلسطينية وآلامها، تُحاوِلُ أن تصنعَ أملًا بالغد في وجهِ كلِّ من عرفها. تحمل هبة شهادة البكالوريوس في مجال الكيمياء الحيوية، ودبلومًا في التأهيل التربوي، وفي طريقها الآن لإعداد رسالة الماجستير في مجال التغذية العلاجية. لكنَّ إيمانَ هبة بالموهبة، جعلها تعملُ قائدًا في مركز رُسُل بقسمٍ مختص بالأطفال الأذكياء والمبدعين في مجال العلوم.

تحظى هبة بسمات شخصية أبرزها معرفة ما تريده من هذا الطريق، روحها هادئة وربَّما بعكس ما يُتوقَّع من كاتبةٍ يُشارُ لها بالبنان، فهي لا تحب ضجَّة الحديث إن لم تكن نقاشاتٍ ثرية حقيقية، تبتعدُ عن التَّكلُّف المُصطنع، وهذا ما جعلَ كتابات هبة "حنونة". فعندما تبدأ بقراءة نصوصها، تشعرُ أنَّ شيئًا ما يحتضنك، فهي تكتب كقارئٍ يبحثُ عن مرآة تعكسُ سرَّ مكنونه.


اقرأ أيضًا: جهاد الرجبي: صوت ياسمين الشام ورصاص فلسطين


ما بين الحياة والحبِّ ورائحة البلاد، شاركَتْ هبة كلَّ ما تكتب مع متابعيها، سواء كان ذلك في الصالونات الأدبية أو حتَّى عبر صفحاتها الخاصة عبر وسائل التواصل الاجتماعي. وهذا ما تراه عزيزي القارئ بمجرِّد تصفُّحِك في حساب الفيسبوك لهبة، ستجد أن القضية الفلسطينية ترصّدت المحتوى بشكلٍ واضح، فلا يمضي يومٌ دون أن تنشر هبة أحداث البلاد، وتدقُّ بابَ الخزَّان كلَّما أُطلِقتْ رصاصة، أو حُرِمتْ أنفاس من الحرية، أو صرخت حرائرُنا في القدس مُستغيثة. تقول هبة في ذلك: "القضية الفلسطينية هي الأم الروحية لي، فكلَّما أوشكتُ على تركِ القلم جعلتني أعودُ إليه، وصدقًا لولا أنَّ هذه القضية بحاجةٍ لمن يكتب عنها، لتركتُ الكتابة من زمن".

| راحة مؤقتة من الكتابة الاجتماعية

 
رواية "الأكسجين ليس للموتى"  فازت بها بالمركز الثاني بعد مشاركتِها بجائزة الشارقة للإبداع في الرواية الأدبية.عاشت هبة مع شخصيات روايتها 3 سنواتٍ متتالية، تُهدهِدُ على أكتافهم، يكبرون فتكبُر معهم، يبكون فتمسحُ ما انهال على خدِّهم من وجع، وتتابعُ حرفًا بحرف، فاصلة على نقطة، لتخرَجَ روايتها إلى النور. 
 
عكست هبة في روايتها الأولى صورة الإنسان العربي في زمن الثورات العربية، تحررَّت من المكان لتكون كلّ الثورات العربية بجمرةِ ثورةٍ واحدة، وكل الهتافات بهتافٍ واحد: "الشعب يريد"، وكل الشعوب في إرادتها شعبٌ بقلبٍ واحد. 

وأمَّا في ما يتعلق بالقضايا الاجتماعية، تختلفُ النظرة كثيرًا لدى هبة، وربَّما الأكثر دقَّةً قولنا أنَّها تغيَّرتْ عن قبل، خاصةً أنَّ الكثير من المعايير المجتمعية  اختلفتْ عمَّا كانت عليه، ولأنَّ رضا النَّاس غايةٌ لا تُدرَك، فما تكتبه هبة في بعض الأحيان يُساءُ فهمه، ويُعرِّضها لنقاشاتٍ لا تُسمِن ولا تغني من مبدأ.

 توضِّح هبة نظرتها في الكتابة بالقضايا الاجتماعية قائلةً: "الحقيقة أنَّ قرارَ الكتابة في الأمور الاجتماعية صعب جدًا لأنني خلال فترةٍ ما تعرَّضتُّ لكثير من الأذى والازعاج وسوء الفهم؛ فالعقلية المجتمعية القائمة -حاليًا- تُجابِه كل تغيير وتصدّه، فقرَّرتُ الراحة من التعليق حول الكثير من الأحداث المجتمعية لفترةٍ بسيطة فقط، لأعودَ من جديد، برونقٍ اجتماعيٍ آخر، فبالنهاية الكتابة أمانة ولا ينبغي أن أتركها لمجرد وجود بعض الظواهر المجتمعية الخاطئة".

"الكتابةُ كالصيام.. فلا تكونُ بغير نيَّة" تنطلقُ هبة من هذا الشعار، ليكون بمثابة صوتِ ذاكرتها الخفي: "هبة أنتِ تكتبين لأجل قضية، هبة أنتِ تحملين ميثاقَ البلاد، فلا تتراجعي ولا تيأسي". لم تكن هبة تُغْلِق أذنيها عن هذا الصوت، أطلقتْهُ بجناحي ابن فرناس، كم مرةٍ كاد أن يهوي عن حافة الطريق، لكنَّها الكتابة يا هبة، نَفسُ الأرضِ، وريحانُ الحبِّ، وصورةُ الأمل، فلم تكن لتضيق حروفُ قلمٍ قُرِأ على حبره آيات النَّصرِ والرَّحمن؛ فأنجب رواية "الأكسجين ليس للموتى" التي فازت بها بالمركز الثاني بعد مشاركتِها بجائزة الشارقة للإبداع في الرواية الأدبية.

هبة1
هبة أبو ندى في تكريم سابق لها

عاشت هبة مع شخصيات روايتها 3 سنواتٍ متتالية، تُهدهِدُ على أكتافهم، يكبرون فتكبُر معهم، يبكون فتمسحُ ما انهال على خدِّهم من وجع، وتتابعُ حرفًا بحرف، فاصلة على نقطة، لتخرَجَ روايتها إلى النور.  عكست هبة في روايتها الأولى صورة الإنسان العربي في زمن الثورات العربية، تحررَّت من المكان لتكون كلّ الثورات العربية بجمرةِ ثورةٍ واحدة، وكل الهتافات بهتافٍ واحد: "الشعب يريد"، وكل الشعوب في إرادتها شعبٌ بقلبٍ واحد. 

فتحتَ هبة أبواب العزيمة لتُلوِّح لكلّ أحلامها، حُلُمٌ يُصفِّق لآخر، فتحصد هبة المركز الأول على مستوى فلسطين في مسابقة ناهض الريس للقصَّة القصيرة، يتبعه فوزها بالمركز الرابع في مسابقة شاعر غزة.  تتزيَّن مكتبات غزة اليوم بجانب رواية "الأكسجين ليس للموتى"، بثلاثة دواوين شعرية مشتركة بعنوان "العصف المأكول" و"شاعر غزة و"أبجدية القيد الأخير". في ما تنتظر هبة وصول روايتها في طبعتها الثانية من الكويت.

أين هبة في الغد؟ هذا السؤال الذي يُطْلِقُ لكلِّ كاتب خيالًا يجوبُ في طرقاته بحثًا عن الإجابة، فالأحلام لا تنتهي، فكلُّ يومٍ يُولَدُ هدفٌ جديد، نعتني به ونعاهده بالوصول، فقلبُ الطَّموح لا يتوقَّف عن البحث، يؤمن أن لكلِّ شيءٍ حكاية، وطالما نحن هنا على هذه الأرض، فالحبُّ والحياة والأمل قنديلٌ لخطواتِنا. نسيرُ ونتركُ أثرًا، نقرأُ الوجوه لِنكتبَها صدقًا، نسمعُ صوتَ الوجع ونواسيه بكلماتِنا. فهذا الغد لهبة، حُلُمٌ وحريَّة تُجدِّف بهما لِتُبحِرَ نحو أمنية درويش: "ونحن نحبُّ الحياة إذا ما استطعنا إليها سبيلًا".