بنفسج

علم ينتفع به: لماذا علينا أن نتعلم كيف نربي أبناءنا؟

الثلاثاء 24 يناير

كيف نربي أبناءنا؟
كيف نربي أبناءنا؟

حين ننجب، تتولّد في داخلنا مشاعر مختلطة، تأخذ من حياتنا السابقة التي كنا نسيطر عليها بشكل كامل إلى حياة أخرى، إلى كائنات صغيرة، حياتها مرتبطة بنا بشكل كامل، خصوصًا في سنوات أعمارهم الأولى. إن سؤال كيف نربي أبناءنا يؤرقنا ويحملنا مسؤولية كبيرة.

طفل صغير للغاية لا يعرف من العالم سوى حضن أمه، تطعمه من داخلها، فيهدأ عالمه ويرتوي ظمأه وتغفو عينه. وتظل هي في دائرة كبيرة بين مشاعر الإرهاق والتعب، وبين مشاعر اللهفة وبدايات الحب لصغيرها، لكن هذا العالم الجديد المبهم يحتاج إلى دليل، فكل شيء في تلك الحياة كي نحسنه ونتقنه نحتاج إلى أن نتعلم.

كنت أخبر نفسي: إنما العلم بالتعلم.. كانت تلك الجملة التي أخبر نفسي بها دومًا حين وضعت طفلي الأول. كانت خبرتي لا شيء، لكن كان لدي طاقة للعلم وللتعلم كبيرة للغاية. حفزتها صديقة أهدت لي مجلدًا به ما يخص كل شيء عن الطفل من الولادة حتى المراهقة. لا زلت أحتفظ به ولا زال اللبنة الأولى لكل علم تعلمته في ما يخص تربية الأطفال، ثم سرعان ما عرفت موقع يهتم بالأمومة والأطفال، ويرسل بريدًا إلكترونيًا أسبوعيًا فيه كل ما يخص طفلي، وأشهر السمات العمرية والتحديات.

وتوالت رحلة التعلم هنا وهناك حول سؤال "كيف نربي أبناءنا؟"، كانت كل دورة متاحة أو محاضرة أو كتاب هي أشياء  أولوية لدي، أنفق من وقت وجهد ومال من أجل فقط الحصول على هذا العلم. كل التفاصيل التى تتعلمها في أي علم تختصر عليك سنوات من التيه، وخصوصًا حين يتعلق الأمر بعلم مثل علم التربية؛ فتطبيقه هو في لبّ مسئوليتك تجاه طفلك، تجاه إنسان كامل مسؤول منك وأنت مصدره الأول في تلك الحياة. فالعلم التربوي ليس رفاهية؛ أن تفهم طفلك الذي بعد سنوات قلائل سيصبح مراهقًا ثم شابًا يافعًا ثم رجلًا مسؤولًا عن بيت وأسرة، وتحسن تربيته، وتحاول أن تعلمه وتزرع فيه قيم ومبادئ، هذا ليس أمرًا هينًا.

فضلًا على أن كل راع مسؤول عن رعيته، فإن كل جهد ومشقة لن يضيع هباءً، بل هو في موازين أعمالنا الصالحة. صحيح أن كل تلك الخطوات والمراحل لا تمضي هكذا بسهولة، بل إنها طريق شاق يحتاج دائمًا إلى زاد ومعين. فرحلة التربية رحلة مليئة بالتحديات وليست برومانسية البدايات التي نشعر بها أبدًا، حيوات ترتبط بحياتك وجهدك وحديثك وكل أفعالك. وكثيرًا ما يصيبنا الضجر والملل من تكرار نفس الخطوات، ومن المشاكل التي تقابلنا يوميًا، حتى نكاد نفقد معنى لماذا نفعل كل هذا من الأساس؟


اقرأ أيضًا: صنائع المعروف: صوتك الذي لن يندثر


ما الذي يدفعنا  لنتعلم كيف نربي أبناءنا؟ فالجميع يربي بالفطرة هكذا مثلما فعلت الأجيال السابقة، لكن لكل وقت واجبه. وهذا العصر ليس مثل الماضي، وخصوصًا وأن بوابات المعرفة أصبحت متاحة للجميع فى كل وقت وفي أي مكان. بل أصبحنا ندرك قيمة أن نتعلم، وأن نتجهد في هذا الباب.  فهناك محرك لما نفعل أن هذا ليس هباءً، لا شيء فى تلك الحياة يمضي هكذا دون جدوى، فالعلم الذي نجتهد لتعلمه هو طريق نلتمس فيه موضعًا إلى الجنة.

فالحديث النبوي يختصر الحكاية: (من سلك طريقًا يلتمس فيه علمًا سهل الله له طريقًا إلى الجنة). هذا هو جوهر الأمر وحقيقته. وما علوم التربية إلا علم لا ننفع به أنفسنا فقط، لكنه العلم الذي نضع به حجر الأساس للمعرفة والوعي في رحلتنا مع أطفالنا، والبداية للإجابة على تساؤلات كثيرة وللتشابك مع علوم أكثر.

نحن نجتهد فى صناعة إنسان بكل ما تحمله الكلمة من معنى ومن تحديات، يحتاج لكل وقت وجهد ُبِذل في رحلة العلم ولا زال مطلوبًا أن يبذل. لكن ليس هناك قيمة للأشياء حين لا نلتمس فيها أجرًا معنويًا يدفعنا دفعًا كي نكمل الطريق، وليس هناك أنفع من أن يكون لهذا الجهد قيمة في موازيننا عند الله.

فكل جهد يبذل فى هذا الطريق يثمر معرفة وعلمًا، وييسر فهمنا لما يحدث وما سوف يحدث. تلك المعرفة التى جعلت الأمهات يدركن أخيرًا أن الأطفال ليسوا جميعًا سواء، وأن لكل سمات وصفات، يدركن احتياجات أطفالهم النفسية، يتشابكن مع علم النفس وعلوم التربية والعلوم الطبية فيما يخص أولادهن.


اقرأ أيضًا: للأم العاملة: لا تموتي قبل أوانك


نحن نجتهد فى صناعة إنسان بكل ما تحمله الكلمة من معنى ومن تحديات، ونحرص على الإجابة على سؤال كيف نربي أبناءنا، يحتاج لكل وقت وجهد بُذِل فى رحلة العلم ولا زال مطلوبًا أن يبذل. لكن ليس هناك قيمة للأشياء حين لا نلتمس فيها أجرًا معنويًا يدفعنا دفعًا كي نكمل الطريق، وليس هناك أنفع من أن يكون لهذا الجهد قيمة في موازيننا عند الله. وليس هناك أجل من أن نؤدي الأمانة بأخذنا بأسباب التعلم لنحسن تربية أطفالنا الذين هم رعيتنا ومسئوليتنا وهم أيضًا طريقنا إلى الجنة.