بنفسج

لتعليم وطني حر: نضال مقدسي لعرقلة أسرلة التعليم

الإثنين 29 اغسطس

كأي مكان طبيعي في العالم، يستعد الطلبة وذووهم في فلسطين لاستقبال العام الدراسي بكثير من الحماس والمرح، فيسارعون لاصطحاب أبنائهم لمهرجانات العودة إلى المدارس، حيث تزدحم المحلات التجارية، وحتى الأرصفة، بالحقائب والقرطاسية والزي المدرسي والأحذية الرياضية، وأشياء كثيرة مزخرفة بألوان زاهية يخترعونها كل عام، فيتهافت الأطفال عليها بكل عفوية لشرائها. وعلى المستوى الرسمي تتدفق الأخبار حول اجتماعات الوزارة ومديريات التربية والتعليم مع المدراء والكوادر لضمان سير العملية التعليمية على أكمل وجه.

| واقع التعليم في القدس

القدس4.webp
نموذج على تدخل الاحتلال الإسرائيلي في المنهاج الفلسطيني

غير أن ذلك الحال لا ينطبق على مدينة القدس، إذ يمثّل التّعليم في القدس ترجمة حقيقيّة لما تعيشه المدينة من قهر واضطهاد وتمييز في الخدمات، وابتزاز لتمرير خطط الأسرلة والتهويد إلى الناشئة العرب. فالأطفال المقدسيون وذووهم محرومون من فرحة العودة إلى المدارس من دون وجود منغصات تتصاعد موجاتها كل عام، وقد استفاق المقدسيون قبل ما يقارب الثلاثة أسابيع على تهديدات إسرائيلية لست مدارس تطالبها باعتماد المنهاج الفلسطيني المحرّف، وإلا سوف تسحب التراخيص منها خلال عام، وهي مدارس الكلية الإبراهيمية ومدارس الإيمان.

وليس هذا فحسب، بل يستفيقون يوميًا على أخبار بإغلاق أو تحول مدارس كاملة من خاصة إلى مدارس تتبع بلدية الاحتلال، وهذا كله قبيل أيام فقط من افتتاح العام الدراسي، مثال ذلك إعلان مدرسة رواد الغد تحولها من مدرسة أهلية إلى مدرسة بلدية، ويعني ذلك تحولها من المنهاج الفلسطيني إلى المنهاج المحرّف وفتح صفوف بجروت!

وبالرغم أن القانون الدولي وحتى الإسرائيلي يكفل لأولياء الأمور اختيار المنهج الذي يناسب أبناءهم، ولكن تحت ذرائع التحريض وتهديد الأمن العام يجبر الطلبة المقدسيون في مدارس البلدية التي يصل عدد الطلبة فيها إلى ما يقارب الخمسين ألفًا، على دراسة المنهاج الفلسطيني المحرّف في خطوة تحضرية لاستبدال تلك المناهج المحرفة بالمنهاج الإسرائيلي البجروت.

أي سياسة تقف وراء ذلك؟ وكيف لوليّ أمر أن يتدبر أمر ابنه قبل يومين من افتتاح العام الدراسي؟ وكأن الأمور أريد لها أن تكون بهذا التوقيت، لكي يسلّم أولياء الأمور بالأمر الواقع، مرغمين على ما تفرضه البلدية من ترتيبات بديلة، وبذلك يكون الطلبة المقدسيون محرمين من أبسط حقوقهم كشعب محتل، من دراسة منهاج يتوافق مع عقائدهم وتاريخهم الحقيقي.

وبالرغم أن القانون الدولي وحتى الإسرائيلي يكفل لأولياء الأمور اختيار المنهج الذي يناسب أبناءهم، ولكن تحت ذرائع التحريض وتهديد الأمن العام يجبر الطلبة المقدسيون في مدارس البلدية التي يصل عدد الطلبة فيها إلى ما يقارب الخمسين ألفًا، على دراسة المنهاج الفلسطيني المحرّف في خطوة تحضرية لاستبدال تلك المناهج المحرفة بالمنهاج الإسرائيلي البجروت؛ حيث وصل عدد الطلبة الذين يتعلمون البجروت في مدارس البلدية في العام الدراسي 2019-2020 إلى ما يقارب الأربعة عشر ألفًا. 

| معركة إثبات المنهاج الفلسطيني

هذا عدا عن ما يزيد عن خمسة آلاف طالب آخر يدرسون المنهاج الإسرائيلي في المدارس الخاصة، والتي باتت تبتز يومًا بعد آخر بسياسة التمويل التي وقعت في شركها لزيادة عدد الغرف الصفية التي تدرس المنهاج الإسرائيلي، وإلزامها بتدريس المنهاج الفلسطيني المحرف الذي تعتمده بلدية الاحتلال في القدس، والذي تمر فيه المناهج الفلسطينية بمرحلة غربلة، ليُحذف منها كل ما له علاقة بقيم الهوية والانتماء والتاريخ الوطني والقضية الفلسطينية،  ومعاني التضحية والشهادة في سبيل الوطن.  كما تقوم سلطة الاحتلال باستبدال تلك النصوص، وأحيانًا الدروس، بمواضيع أخرى ليس لها علاقة بأي شيء وطني.

هذا عدا عن ما يزيد عن خمسة آلاف طالب آخر يدرسون المنهاج الإسرائيلي في المدارس الخاصة، والتي باتت تبتز يومًا بعد آخر بسياسة التمويل التي وقعت في شركها لزيادة عدد الغرف الصفية التي تدرس المنهاج الإسرائيلي، وإلزامها بتدريس المنهاج الفلسطيني المحرف الذي تعتمده بلدية الاحتلال في القدس، والذي تمر فيه المناهج الفلسطينية بمرحلة غربلة، ليُحذف منها كل ما له علاقة بقيم الهوية والانتماء والتاريخ الوطني والقضية الفلسطينية، ومعاني التضحية والشهادة في سبيل الوطن. 

 كما تقوم سلطة الاحتلال باستبدال تلك النصوص، وأحيانًا الدروس، بمواضيع أخرى ليس لها علاقة بأي شي هوياتي أو وطني، أو دروس أخرى أكثر خطورة تسميها سلطات الاحتلال "دروس تشجيع التعايش السلمي بين العرب واليهود". أضف إلى ذلك أنه حتى المدارس الخاصة التي لا تزال تلتزم بالمنهاج الفلسطيني الأصلي فإنها لا تستطيع تمثيله على شكل أنشطة لمنهجية كأن تقوم بإحياء المناسبات الوطنية أو رفع العلم الفلسطيني والنشيد الوطني أو تعليق خريطة فلسطين، الأمر الذي يفرغ المنهاج من بعض قيمته ويجعل منه أقرب للتراث والتاريخ بدل من أحيائه كهوية وثقافة في نفوس الطلبة.


اقرأ أيضًا:عن هموم العودة إلى المدرسة


وفي ظل تلك الصورة القاتمة وغياب أي دور للسلطة الفلسطينية لدعم المؤسسة التعليمية في القدس، إن كان على مستوى الدعم المالي أو التعبئة الدولية والملاحقة القانونية، يقف المقدسيون وحيدين في هذه المعركة المستمرة "معركة كي العقل المقدسي"، غير أن الفعل الشعبوي المقدسي فيه ما يثلج الصدر، إذ نستفيق كل يوم على أخبار مبادرات من بعص المؤسسات المقدسية وأولياء الأمور واتحاد أولياء الأمور في القدس، لتثبت للمؤسسة الإسرائيلية بأن خططها لن تمر بسهولة ودونما مقاومة، مثل نشر مؤسسة فيصل الحسيني قائمة بأسماء المدارس التي تلتزم بالمنهاج الفلسطيني الأصلي، مشجعة أولياء الأمور للمسارعة بتسجيل أبنائهم فيها، واجتماع اتحاد أولياء الأمور في الكلية الإبراهيمية على أثر تهديدها ومدارس الإيمان بالإغلاق.

| خطوات لمواجهة خطر محو المنهاج الفلسطيني

القدس1.jpg
طلاب من مدينة القدس  يتظاهرون ضد تحريف المنهاج الفلسطيني

 وكان من أهم ما توصلوا له تشكيل لجان أولياء أمور فاعلة وواعية في كل مدرسة، حيث أثبتت التجربة أن المدارس التي لا تزال صامدة في وجه المؤسسة الإسرائيلية، تلك التي يوجد فيها لجان أولياء أمور قوية. ومن الخطوات المهمة التي بادر إليها الأهالي في الكلية الإبراهيمية هي توزيع المنهاج على الطلبة خارج ساحة المدرسة، وبذلك يخلو المدرسة والطاقم الاداري من أي مسؤولية قانونية، وقد رفعوا شعار "أولادنا مسؤوليتنا ونحن نختار ما يدرسون"، ولا ننكر أن التصعيد الاسرائيلي الفج على المنهاج الفلسطيني ساهم في المقابل في إعادة إثارة هذه القضية إلى الحيز العام، وجعل منها مثار جدل على مستوى أولياء الأمور والطلبة في القدس وأيضًا على المستوى الإعلامي.

غير أن تلك الخطوات على أهميتها لا تكفي، وعلى السلطة تحمل مسؤولياتها تجاه أهالي القدس وأبنائهم، فالمشكلة الأهم التي تواجهها المدارس الخاصة والتي تعتبر الثغرة التي تدخل منها المؤسسة الاسرائيلية لتملي شروطها هي القضية المالية، ففي الوقت الذي جندت فيه المؤسسة الاسرائيلية حسب الخطة الخمسية (2018-2023) مبلغ 445 مليون شيكل لأسرلة التعليم في شرق القدس منها ما يقارب 43% لدعم المنهاج الإسرائيلي وتوسع تمدده، لا نرى أي خطة أو دعم مالي في المقابل من السلطة الفلسطينية.  ويبقى التعويل على وعي المقدسين وإيمانهم بعدالة قضيتهم، وتضافر جهود المؤسسات التعليمية المقدسية سويًا، لتشكل جبهة موحدة تستفيد من التجارب الناجحة في وجه المؤسسة الإسرائيلية الغاشمة.