بنفسج

بين أوراق أيلول... تختبئ ذكرى الميلاد

الخميس 22 سبتمبر

أقل من ربع قرنٍ باثنين ولازلت أحدّث نفسي بأنها فرصة جيدة لمراجعة الأدوار والدوائر، وناقوس للعودة إلى الله، ومحرك لتهذيب النفس، وأداة لتقويم الحياة الأسرية، وطريقة لتوسيع دائرة الاستعداد والحصاد. ثمّ وإني آمنت بأن الانتقائية سبيلٌ لحياةٍ أفضل، وأن الأسلوب هو أساس التعايش، وأن ادخار المشاعر لمن يستحقها أجمل أنواع الاكتناز، وأن الإهدار على صعيدها أخطر أنواع الإسراف، وأن التوازن في كل شيء حياة.

 وأن لهفة زراعة الأمل تتعزز بقدر اليأس، وأن الظروف ليست شمّاعة للتأخّر، وأن الاستسلام خيارٌ مقرون بالرفض إذا ما نافس الإرادة، وأن الأثر قرار. والعمل من أجله زاد، وتركه إرث لما بعد الرحيل، وأن الدين المعاملة، وأن صدق الرفقة يهون مشقة الدنيا، وأن الهدايا لا تقف عند حد التغليف. لقد أدركت أنّ الاستعاذة من وعثاء الطريق لا تقتصر على وقت الركوب، فكل الحياة سفر، وأن الخير فضل، وأن الشر خيار، وأن الحب يتجرد من أصله إن فقد الاحترام.

 وأن الروح تفقد البهاء إن قَبُح السلوك، وأن الطموح يفقد معناه إن غاب السعي، وأنه لا يقف عند حد العمر، وأن الملامح مرآة للزمن والمتغيرات، وأن الأرواح هي من تحدد الأعمار، وأن الاتكاء في المحن لا يكون إلا على "وبشر الصابرين"، وأن الحمد بالخير خير إجابة على سؤال الحال، وأن السّر مكشوف إن أُفشي لغير أهله، وأن إزهار القلوب محفوف بغيث دعاء الأولياء.

رحلة جديدة وما دمت أُيقن أنّ العافية أجلّ النعم، وأنّ النجاح لذة إن عزّز مشاعر الفخر المشترك، وأن الاستخارة سرّ بسيط لجلب التيسير، وجواب بليغ مرفق بالطمأنينة، وأن الاستشارة خبرة ملخصة، وأن الحقائق معرضة للانقلاب، حين تصبح الوقاحة ميزة، والوضوح ذنب، وأن الاسترخاء للتدبير خير مقاومة لفوضى التفكير، وأن الدعاء سلاح، وأن الحيرة أصعب من اتخاذ القرار.

 وأيقنت أن الولاء رابط لمعاملة الأشخاص، وأن الانتماء وسيلة الاتصال بالأماكن، وأن العزلة هي الغياب وسط الجميع، والوحدة هي الشعور بالعزلة بين الكل، وأن سلامة العلاقة في غياب سوء الظن، وأن الشّك معاملة في طريق الحقيقة، وأن الامتنان مغناطيس البهجة، وأن بادئة الشكر لله مهما بلغت أفضال العالمين.

عشرون شتاء وثلاث، ولازلت أؤمن بأن جمال الهدف مقتبسٌ من سمو الغاية، وأن مكانة الأم محصنة من كل أشكال الاحتلال، فالأم أجمل هدايا القدر، حيث التفرد في الحب دون انتظار المقابل، والعلو في مقدار العطاء، والفوز في دعوات القلب، والعناد في حضرة الألم، والضغط على التعب في سبيل راحة الغير، والقدرة على كساء الحزن بابتسامة مبتكرة لأجل فرحة الفؤاد المقابل، ثمّ أضمُّ قلبي وأذكره أن حنان الدنيا بين راحتيْ الوالد، وأنه السبّاق في تجاوزه للاستطاعة عند البذل، وأن الاتكاء بأكبر مساحة من السكينة لا يكون إلا على ظهره، وأن الأقدام الساعية لحاجاتنا هي الأحق بالصّون بعد القبلة، فلا أعظم من أمٍ تمسح على رأسك بالقرآن، وأب يوصيك بالدين.

أتناغش وأيلول لأطبع في عقله أن المودة أجمل المشاعر وأدومها، وأنّ خير الطمأنينة راحة القلب، وأن صدق اللطف أساس العلاقة، أن الرزق هيئات وأشكال، وأن القلب خير مفتي للخطوات، وأن أقدس الرباط هو رباط الستر والعفة، وأن أعظم المشاعر هي الرضى، وأبهجها الفرح، وأسلمها التفاؤل، وأن الوفاء قرين الصدق إن حضر بين الصحاب، وأن عدالة الأرض مزيفة، وأن الهدايا صلة، وأن النجاح غير محتكر على النفس، وأن الفخر مقسوم بين البالغ وأهله كما التعب، أن الوصول بعد الاجتهاد توفيق، أن العبث هو رجاء الالتزام ممن لا يصلي، وأن التعادل ليس شرطًا في ميزان الحق والواجب، أن البشر لا تُعنى بالأسباب بقدر ما تُركز في النتائج.


اقرأ أيضًا: عامي الماضي.. إعادة تشكيل القناعات والأولويات


الطرقات، أراقب تساقط الزيف وأخبره بأن الحلال دائم وإن قل، وأنّ بركة المال تتبلور في إدراك أجر الإنفاق بعد اليقين، وأن اليد العليا كما المؤمن القوي خير وأزكى، وأن الأرض تتسع بقدر الأخلاق، وأن رفعة الخَلق لا تكون إلا بها، وأن للكلمة ميزان، وأن ثقلها في قبحها، وخفتها في لطافتها، وتوازنها في الحكمة، وأنّ الصمت نجاة كما هو قوة، وأن الراحة تُشترى أحيانًا.

 وأن النسيان محظورٌ عند حدود الله، وأن هواجس الفقد أسوء الأفكار، وأن الأناقة في الحديث كما الثياب، وأن الطيبة ليست "هبل" إن كانت بمعيار، وأنّ الأماني المؤجلة تحمل في طياتها فرح يكبح لحظات الانتظار، وأنّ مشاعر الفخر أعظم ما قد يُهدي للوالدين، وأن الإتقان قاسم مشترك للاعتزاز بالنجاح بين الأعمال.

تتأرجح المشاعر على شفا الفؤاد بمرور الذكرى ولا زلت أؤمن بالمسلمات، وأُحصّن نفسي بالمعوذات، واقرأ على مسامعها آيات التفاؤل بما هو آت، وأنضج فكري بالرؤى. فلا عودة لما فات، لازلت أفضل كلمة الربيع للتعبير عن أعوام الحياة؛ رضًا عن أيامي التي انقضت، واستبشارًا في خبايا المستقبل، واستسلامًا لحاضر المجريات أملًا في حياة خضراء كما الإنجازات.

ثلاثة وعشرون صيفًا وبضع تجارب علمتني أن الفشل لا يحجب سبيل المحاولة، وأن الإنجاز شحنة إيجابية لدفع عجلة النجاح، وأن النفس أكثر ما يصعب ترويضه، وأن الكسل أكبر هادم للإنجازات، وأن النّوم شيطان آخر، حين يزين الراحة المزيفة في سبيل الإفراط، ويسلب المنفعة من الأوقات.

ثمانية عشر أيلول وخمس، وأنا أنكر ادعاء نفسي للخير في حضرة التقصير عند سؤالها عن الحال، وأستهجن عجزها رغم تدوينها للأهداف، ما زلت أؤمن أن الخير يسابق الليل ويسبقه وإن ارتدى قبعة الإخفاء، كما أني أدركت بأن الصداقة نادرة في عالم المصالح، وأن التّشافي من الحزن أطول من التحرر من الفرح، وأن كل شيء يتلف مهما حرصنا على تحقيق خلاف ذلك، وأن تحديد المسار واجب، وأن الضريبة ثمن لتشكيل الطريق، وأن توكيل الأمر لغير أهله ضياع بعد الفساد، وأن فرحة الزكاة رقصة فؤاد الفاعل قبل ضحكة يد المُعطَى.

ثلاثة وعشرون صيفًا وبضع تجارب علمتني أن الفشل لا يحجب سبيل المحاولة، وأن الإنجاز شحنة إيجابية لدفع عجلة النجاح، وأن النفس أكثر ما يصعب ترويضه، وأن الكسل أكبر هادم للإنجازات، وأن النّوم شيطان آخر، حين يزين الراحة المزيفة في سبيل الإفراط، ويسلب المنفعة من الأوقات، وأؤمن أنّ الحياة مدرسة أكبر من كل العلوم، وأن حب الانتقام أعلى مراتب الضعف، وأن الاستسلام لإبداع القدر في تصفية الحساب تسليم بعدالة الإله، وأيقن أن المنال مقرون بالنصيب، وأن السعادة شيء يجلب بالوصول والسكون الذي يتلو الرضا.

معارك كثيرة وأنا أرى اللجام أمام الظلم رغم الوعي بالحق، وأتأكد من تفوق مفعول المواقع الإلكترونية على الكحول، في سرقة العقل والزمن. تمر الأيام ويزعجني أنها باتت مساحة لرفع السفهاء، ويؤسفني غلبة التواصل الافتراضي لوصال الواقع، صرتُ أؤمن بأن "الإيموجي" ممر للهروب من بعض الردود الواجبة والمجاملات الضرورية، كما وأدركت أن السخافة قبلة مظللة براية الترفيه، وأن دوافع الفضول هي أكثر ما تجر للاكتئاب، وأن الأرض جنة إن أُحيطت بمن يصونها وكأنها وحيدة الكوكب.

لقاءات متواترة أفهمتني أنّ الإنسان يتهرب من طبيعته الاجتماعية إذا ما غرق المجتمع بالدجل، وأيقنت فيها أن الوقت أثمن موجود، وأعز مفقود، وعلمتُ أن الاختبار الأكبر هو التصالح مع الذات حول حقوق الله والعباد. محطات كثيرة أيقنت فيها أن الراحة متعبة للمفكرين، وأن التفكير مرهق للنائمين، وأن غرس البهجة وصفة للتحسين.

قصص عجيبة ولا زلت أؤمن أنّ الزواج قسمة كما الأرزاق، وأن العجلة عض على الأنامل، وأن التأني يعادل الأمان وأن السؤال بوابة، وأن الإجابة بوصلة، وأن الرد رفيق الاستفسار، وأن المبادرة طاقة، وأن الطاقة حياة، وأن الكبير يساوي الخبرة، وأن الحكمة مرآة لنضج الفكر، وأن طيبات الحديث زينة، وأن البناء قواعد. وخير القواعد الأخلاق، وأن الازدهار الأضخم هو استثمار الأنس، وأن الحياة فرص، أن التخطيط أسمى مراحل النجاح، وأن الحياة تفقدك الغث لتهديك الثمين، وأن القبول أعظم درجات الحب الإلهي، وأن الكتمان مقتلة لعمارة الداخل، وأن البكاء وعاء لتفريغ المشاعر، وأن لا شيء يستحق البؤس سوى دقائق ذهبت في معصية الله جل في علاه.