بنفسج

عامي الماضي.. إعادة تشكيل القناعات والأولويات

الإثنين 24 يناير

2021 عامي الممطر؛ عام منح ومحن، شأنه شأن باقي الأعوام، غير أن كليهما أتيا بكثرة، كثرة أنهكتني وأخرجت أفضل وأسوء ما فيّ –على السواء-. عام ابتدأته بعمل حر في مجال الكتابة –الأقرب لقلبي-، وختمته بعمل نظامي بمجال الهندسة –الأقرب لعقلي-. وبينهما دورات وتدريبات وتأسيس مدونة خاصة بـ "بتاع التاريخ" مشروع إعادة قراءة التاريخ بنظرة محايدة الذي آمنت به ودعمته، كل هذا جيد وهو فضل من الله ومنه، إلا أن تحدي العام الحقيقي كان بيني وبين البشر بالنيابة، وبيني وبين نفسي بالأصالة، تحدٍ غيّر بعض قناعاتي، وغيّر طريقة تعاطيَّ مع أغلبها، مشكلتي الأكبر كانت الانفعال الذي جرني إلى مربعات متعبة كثيرة أخرى.

| الانفعال

يؤسفني الاعتراف أني شخصية انفعالية بامتياز، أخذ الحياة على محمل الجد، تثور أعصابي عند أي هفوة، مهما ألجمت نفسي يٌقرأ الغضب على صفحة وجهي، تحدي طالما واجهني خصوصًا عند تدريب الفرق للمسابقات الثقافية أو تنظيم العمل بين الزملاء، النتيجة حالة إجهاد مزمن، تسارع ضربات القلب، تخوف الكثيرون من الاحتكاك بي، صورة نمطية لشخص لا يقبل التهاون ويدفع هو الثمن.

2021 علمتني أننا نغير في الحياة بقدر توفيق الله لا رغبتنا، لن نضمن أي نتيجة، أعمالنا بالسعي فقط، ألم يقل المٌولى –جل وعلا-: "وَقُلِ ٱعْمَلُواْ فَسَيَرَى ٱللَّهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُۥ وَٱلْمُؤْمِنُونَ ۖ وَسَتُرَدُّونَ إِلَىٰ عَٰلِمِ ٱلْغَيْبِ وَٱلشَّهَٰدَةِ فَيُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ"، لا ذكر للنتيجة هنا، إنما هي هوى النفس المهلك، والانفعال له عواقب وأهمها.

| تشوش الرؤية

نتيجة حتمية للانفعال، الانفعال يفقدك الصبر والروية، يشوش رؤية الحقائق، أنت لا ترى سوى هدفك –تقريبًا-، ما عدا ذلك أقرب للعدم، إن حالفك الحظ ستكون رؤيتك جيدة بالبداية، إلا أنك ستفقد القدرة على تعديل المسار، أما إن كنت سيء الحظ، الحائط سيكون مصيرك، لا رؤية أولية جيدة، ولا مسار معدل وفقًا للمتغيرات الجديدة، 2021 جعلتني أؤمن بمحدودية رؤيتي بشكل مطلق، كل فكرة وكل قناعة قابلة للتشكيك والتعديل بل والنسف بالكلية إذا ما اقتضى الأمر، بالطبع الحديث هنا لا يشمل الثوابت الدينية القائمة على الإيمان والتسليم الطلق، ولا يدفع للتردد بل للتأني وخوض الأمور برفق. أما الطبيعة الشخصية فلها تأثير قوي على سير الحياة اليومية، ومن أكبر ما عانيت منه.

| التعاطف المٌفرط

التعاطف إثبات أنك إنسان، أما الإفراط به؛ فإثبات الصدق وشدة الحساسية والأخطر النظرة البريئة للحياة، التعاطف المفرط يؤذي صاحبه ويفيد من حوله، "لا تكن ملكيًا أكثر من الملك" حكمة متداولة طالما سمعتها من أمي –بارك الله فيها-، وفشلت في تطبيقها، إلى أن جاءت 2021 لتعلمني أنها مبدأ حياة لا نصيحة عابرة، المتخاصمون سيتصالحون وستصيبك لعنة التعاطف الزائد مع المظلوم، كثرة المعارك من أجل المقربين ستترككِ منهكة؛ لتخوضي معركتك الخاصة –ستخوضيها وحيدة على الأرجح-، ليس لأنهم متخاذلين لكنها طبيعة الحياة، ومقتضى التعامل.

أعرف أن كلامي يبدو قاسي أناني، هي أنانية على كل حال لكنها أنانية إيجابية، لن ينفعك العالم إذا ما احترقتِ من أجله، ولن تنفعي نفسك. وانتبهي أن الانفعال والتعاطف وتشوش الرؤية إذا ما تضافروا سيشكلون فكرة في غاية الخطورة .

| كن فيكون

الفكرة الأخطر على الإطلاق، تجتهد وتسعى وتظن أن النتيجة حتمية، تحرق نفسك لأجلهم وتظن أنهم سيستمعون، تفكر وتتدبر وتنظر في أحوالهم، وتنسى أنك تقيس بنفسك، وإن حاولت القياس عليهم؛ فما يخفى عنك من أحوالهم أضعاف ما يظهر، ولا تعلم من أنفسهم إلا بقدر صراحتهم وفراستك، والاثنان موضع اختبار دومًا، تذكر أنك "لسْتَ عليهم بمسيطر" وأستعيذ بالله أن نكون من حملة لواء فرعون "مَا أُرِيكُمْ إِلَّا مَا أَرَىٰ وَمَا أَهْدِيكُمْ إِلَّا سَبِيلَ الرَّشَادِ". أما آفة العصر والضاغط الأكبر على جيلنا بلا منازع.

| شبح الإنجاز

عقدت معه معاهدة صلح –بفضل الله-، دخلت 2021 وأهدافي عملية، وخرجت منها هدفي الأول صحتي والثاني عائلتي، صحتي من خانتني أواخر العام الماضي، وعلمتني قيمتها بفقدانها، وعائلتي مصدر الأمان الأول وسط فوضى هذا العالم. هم الثابتون مهما تبدلت الأحوال، عملك لن يعيدك وقت مرضك، لن يمسك بيديك ويشد عضدك، المال يفعل لكن ليس بقدر عائلة، لن أقدم العائلة عن الصحة وقت المرض، إذا لم تحمل حالك لن تحمل أحد، سأقدمها فوق كل شيء وأي شيء وقت الصحة. هذه مأخذي على نفسي في عامها الماضي، أتذكرها وأتدبرها وأصرح بها، صرخة غضب ورغبة تحسين وإفادة للنفس والغير، ماذا عن مآخذك؟