بنفسج

"نص لا يلتفت إليه"... في تفاصيل تمنحنا الحياة

الأحد 25 يوليو

برغمِ مرارةِ الحياةِ؛ وهي أمَرَّ من مَذاقِ القهوةِ، وبرغمِ ذلك نبدأُ يومَنا بشُربِ فنجانٍ صباحي، ومعظمُنا يَعشقُ مرارتَها! ويشتاقُ لمذاقِها المُرِّ، يشربُها بحُبٍّ ويتقبّلُها، فعجبًا لأنفسِنا! فمعَ حالةِ التأفُّفِ وعدمِ الرضا؛ نتجرّعُ القهوةَ بمرارتِها بكُلِّ حُبٍّ، ولا نتجرّعُ واقِعَنا، أصبحنا نُغرِقُ أنفسَنا في كلِّ الجوانبِ السلبيةِ، ونعيشُ في مُسلسلٍ وَهْميٍّ من النّكدِ والمشاكلِ؛ لنصبحَ ضحايا لواقعٍ استَسْلَمْنا له بِمَحضِ إراداتِنا؛ فنجحَ في إدخالِنا إلى دائرةِ الهمومِ والتفكيرِ السلبيّ، وعيونُنا لا ترَى إلّا الشيءَ المفقودَ! وآذانُنا طربِتْ على سماعِ الأخبارِ السيئةِ! فالتفاؤلُ مُغيَّبٌ من حياتِنا فعلًا. أستغربُ من ردّاتِ أفعالِنا، وأتساءَلُ لماذا جُبِلنا على التمسُّكِ بالنكدِ وأصبحنا ندورُ في فُلكِه، لماذا لا نرَى الأشياءَ الجميلةَ التي حولَنا ونستشعرُ النّعمَ التي تَلُفُّنا. كلَّ يومٍ تستيقظُ معَنا؛ ولا نُعيرُها اهتمامًا حتى لا نتذكَّرَها.

في حياةِ كلِّ مِنّا "نِص حُلوٌ" لا نُدرِكُه؛ نعيشُ حياتَنا عُمرًا كاملًا؛ ولا نَنظُرُ إليه. كم مرّةً، وأنتَ تستيقظُ كلَّ صباحٍ؛ تَقفُ بكاملِ قوّتِك؛ تستعِدُّ وتُجهّزُ نفسَك لاستقبالِ يومٍ جديدٍ، استشعرتَ جمالَ ونعمةَ صحّتِك التي تتمتعُ بها؟ لم تَطرُقْ أبوابَ الأطباءِ كلَّ مساءٍ لفحصٍ مُعيّنٍ، لم تَقِفْ في طابورٍ طويلٍ يَعُجُّ بالآهاتِ والأوجاعِ لِتحصُلَ على رقمِ تحويلةٍ طبيةٍ، لم تَشعرْ بِغَصّةٍ لأنكَ مرفوضٌ أمنيًّا؛ وممنوعٌ من السفرِ للعلاجِ، لم تَعِشْ تفاصيلَ يوميةً لمَرضى غسيلِ الكلَى، لم يُدرَجْ لكَ جدولًا أسبوعيًا يُحدّدُ لكَ غسيلًا كلويًا، فقَدمُكَ تقدّمُ خطوةً؛ وتَرجعُ مِئةَ خطوةٍ للوراءِ على بابِ غرفةِ الغسيلِ؛ ثُم تَستسلِمُ بكُل إرادتِك، مُجبَرًا لا مُخيَّرًا، لتأخذَ جرعاتِ الوجعِ ، لم تَحملْ طفلَك مرارًا وحرارةُ جسمِه تتفوقُ على درجةِ الغليانِ؛ لأنّ اسمَه أُدرِجَ في قائمةِ مرضَى السرطانِ؛ ينتظرُ جرعةً قاسيةً تُدَمِّرُ الخلايا الحيّةَ قبلَ الخبيثةِ .

هل فكّرتِ بمَعركَتِكِ الصباحيةِ وأنتِ تُجهّزينَ أبناءَكِ لمَدارسِهم؟ هل شعرتِ بجمالِ فكرتي، كما هي جميلةٌ، حين تبدَئين يومَكِ بتجهيزِهم للروضةِ والمدرسةِ؛ تُجهِزينَ لهم الفطورَ؟ هل استمتَعتِ برائحةِ الخبزِ المُحمّصِ، والزعترِ، والشايِ بالمَرميةِ؟ أَمْ تأَفّفْتِ وشَكوتِ من التعبِ والإرهاقِ؛ فهُم مُتعِبونَ، ويطلُبونَ، ويرفضونَ، ويتشاجرونَ صباحًا، أتذكّرُ كيف كانت والدتي تُجهِزُنا للمدرسةِ؛ ونحن عشرةُ أنفارٍ؛ ولم أَسمعْها يومًا تتأفَّفُ، أو تشكو من التعبِ من كثرتِنا، أو من خلافاتِنا الصباحيةِ. كانت تَسمَعُنا جميعًا، وتُجهِزُنا وتودِّعُنا بِقُبلةٍ ما زالت مطبوعةً على خدّي ليومي هذا.

أقنِعْ نفسَكَ كلَّ صباحٍ بأنّ الحياةَ بكُل مرارتِها جميلةٌ بمَواقفِها القاسيةِ، فهناكَ مُتّسَعٌ للحُبِّ والحياةِ والعملِ والعطاءِ برغمِ الابتلاءاتِ والشدّةِ، انظُرْ إلى الأشياءِ والتفاصيلِ الصغيرةِ في حياتِك بشكلٍ إيجابيّ، فَكِّرْ في النِّعَمِ التي بينَ يديكَ، أعطِ لها أهميةً وقيمةً.

لماذا يا ترى اختلفتْ الأمورُ اليومَ؛ فأصبحنا على عجلةٍ! أُجهِزُه بسرعةٍ كالبرقِ؛ كي لا يفوتُه باصُ المدرسةِ، وأنتقلُ إلى الآخَرِ. كيف يستعدُّ للروضةِ؛ وأُوصيهِ أنْ يأكلَ "السندوتش"؛ وإلّا سوفَ أَحرِمُه من المصروفِ، نَفقدُ جمالَ المواقفِ، وننَظُرُ إليها بأنها عِبءٌ، ونشكو من كثرةِ الأعباءِ، وأننا لم نَعُدْ قادرينَ على الحياةِ، لماذا لا نقومُ بها بحُبٍّ، ونستَشعِرُ جمالَ عَفويتِها. كيف سيَكونُ يومُكِ بدونِ صباحاتِهم اليوميةِ؟ وحركاتِهم وشِجاراتِهم التي تَدَّعينَ بأنها تُسبّبُ لكِ الضغطَ والتعبَ؟ ستكونُ بلا لونٍ ولا طعمٍ.

أقنِعْ نفسَكَ كلَّ صباحٍ بأنّ الحياةَ بكُل مرارتِها جميلةٌ بمَواقفِها القاسيةِ، فهناكَ مُتّسَعٌ للحُبِّ والحياةِ والعملِ والعطاءِ برغمِ الابتلاءاتِ والشدّةِ، انظُرْ إلى الأشياءِ والتفاصيلِ الصغيرةِ في حياتِك بشكلٍ إيجابيّ، فَكِّرْ في النِّعَمِ التي بينَ يديكَ، أعطِ لها أهميةً وقيمةً، اطرُدْ التفكيرَ السيئَ الذي يجعلُكَ دائمًا حزينًا ومكتئبًا، حاوِلْ أنْ تُمَرِّنَ عقلَكَ الباطنَ بكُلِّ شيءٍ جميلٍ إيجابي، لا تَعِشْ على قاعدةِ "لو" فلَن تَجلبَ لكَ إلّا الحزنَ، ودائمًا أَجبِرْ نفسَكَ على النظرِ لِلنِّص الحُلوِ .