بنفسج

برتقال أسود.. عن مواصفات شريك الحياة

الخميس 02 فبراير

اختيار شريك الحياة
اختيار شريك الحياة

يطلب رجل من بائع الخضار برتقالًا أسود فيعتذر منه ويصفه في سره بالمجنون، تقصد أمك خيّاطة الأسرة، ترجوها أن تخيط أثوابكم بذُبالات الشموع فتعاتبها الخياطة: أهذا وقت مزاحكِ يا جارة؟ ثم وفي جلسة تجمعك بأهلك أو جاراتك تخبرينهم عن أسس اختيار شريك الحياة وبمواصفات شريكك المستقبلي: طويل، مفتول الذراعين، رمادي العينين، يماثلك في الأفكار، يدعم هواياتك.

 ولحظتها.. "عينك ما تشوف إلا النور" ستُنهَرين وتُقرَّعِين وتُتَهَمِين بأنك "تتفقّسين"، وأن المقصد مِن الزواج هو فقط انتسابك لرجل، سيعتبرون أن كونك حالمة هو خطؤك الأعظم، سيعيبون عليكِ تصديقَك لخرافة فارس الأحلام الذي يأتيك على حصان أبيض ليزفّك. ومع الوقت، تقتنعين أن طلباتك كانت ضربًا من الخيال، تمامًا كالبرتقال الأسود والفستان المُحاك بذُبالات الشموع.

ثم، وبعد أن صرتِ تأكلين البرتقال برتقاليًا وترتدين ثيابًا قماشية وتتمنين رجلًا أيًّا كان ستتصل الخاطبات بأمك، أو ستسمعين من صديقتك عن خطّاباتها، وسيختل توازن عالمك، ستشعرين أن وعظهم كان فخًّا، فما يطلبه الشبان دون أن يُقرَّعوا عليه يفوق أحلامك بأضعاف.

اختيار شريك الحياة

اختيار شريك الحياة
لو سألتِ الرجال والنساء عن أمنياتهم حول شركائهم فسيجيبونك، مما يعني أن هذه الأمنيات قائمة وموجودة، ثم إن سألتِ المتزوجين منهم: هل ارتبطتم بالشريك الذي تمنيتموه؟ فهنا ستجدين حالات شتّى، ولن تهتدي إلى إجابة واحدة.
 
أعرف ذاك الفتى الذي اشترط الزواج بفتاة ذات ضفائر برتقالية، أتعلمين أن زوجته شعرها أسود يستحيل ضفره وطولها مئة وخمسون سنتيمترًا، لا مئة وثلاثة وستون فاصلة سبعة! هل يؤثر ذلك على توافقهما؟ هنا لن يمكنني إجابتك على وجه التأكيد.

جاركم يبحث عن حورية بحر ووالدته تقول له: على عيني. صديق شقيقك يفتّش عن فتاة بضفائر برتقالية طولها مئة وثلاثة وستون سنتيمترًا فاصلة سبعة وعيناها ما بين البني والأخضر ووالدته تعدِه أنها ستجد الفتاة، منشورات عدّة في مجموعات النسوة تطلب فتيات بأجسام الباربي وحكمة الجدات وثقافة الجامعيات وإغراء الممثلات، والأمهات يكتبن الطلبات في المنشور بأملٍ عريضٍ يوحي لهنّ أنهن سيعثرن على المنشودة!

تحسين بأن في الأمر خللًا ونقصًا، ألم يسمع هؤلاء الشبّان من أهلهم لفظة المستحيل التي تنفي وجود البرتقال الأسود والحصان الأبيض والفارس؟ ألم يُقل لهم: "لا تتفقسوا، يكفي أن تطلبوا للزواج امرأة"؟ أقدّر حنقك عزيزتي، لكن تعالي نتحدث بموضوعية وحيادية دون أن ننجرف -بسبب غضبك- إلى شدّ شعر أحد! وأوّل ما سنناقشه: هل حقًا لا يصح أن تكون لكِ، أو للخاطب تفضيلات مُحدَدة ومُسبقَة؟

لو سألتِ الرجال والنساء عن أمنياتهم حول قواعد اختيار شريك الحياة بالنسبة لهم فسيجيبونك، مما يعني أن هذه الأمنيات قائمة وموجودة، ثم إن سألتِ المتزوجين منهم: هل ارتبطتم بالشريك الذي تمنيتموه؟ فهنا ستجدين حالات شتّى، ولن تهتدي إلى إجابة واحدة، فالأمنيات حقيقية، أما تحققها فمشكوك فيه، وهذا لا يعني النجاح ولا الفشل في الحياة الزوجية.


اقرأ أيضًا: ميثاقًا غليظًا: كيف يكون الزواج مودة ورحمة؟


أعرف ذاك الفتى الذي اشترط الزواج بفتاة ذات ضفائر برتقالية، أتعلمين أن زوجته شعرها أسود يستحيل ضفره وطولها مئة وخمسون سنتيمترًا، لا مئة وثلاثة وستون فاصلة سبعة! هل يؤثر ذلك على توافقهما؟ هنا لن يمكنني إجابتك على وجه التأكيد.

الأمنيات المسبقة مشروعة وضرورية لتحديد مدىً معينٍ يود الشاب والفتاة البحث فيه والرفض أو القبول على أساسه، الأمنيات جزء من ولعنا البشري بالتصنيف، فهذه بيضاء، وهذا قصير، وهذه بدينة وهذا ناعم مقارنة برجل.

أحكام وتصنيفات عند اختيار الشريك

اختيار شريك الحياة

تصنيف طريقة العقل في إراحة نفسه لأنه عندما يُسأَل عن رأيه في شخصٍ، سيسهل عليه إن لجأ للأحكام والتصنيفات أن يعطي رأيه بلا دراسة حتى ما لم يكن مُنصِفًَا، كما اعتاد تصنيف البشر في المواقف، فإنه يفعل المثل عندما يكون الشريك المستقبلي موضوع الحديث. اتفقنا على هذا، إذن.. لماذا يغير الناس رأيهم ويرتبطون -أحيانًا- بالمُعاكِس تمامًا لأمنياتهم؟

لأن العقلَ المولَع بالتصنيف ليس وحده الموكَل بعملية اختيار شريك المستقبل، هناك القلب ونظرة العين وارتياح النفس وتآلف الأرواح، هذا من جهة، ومن جهة أخرى فإن العقلَ ولشدة تشبثه بخيارٍ ما وبحثه في دائرته سيملّ، وقد تصبح الخيارات المتكررة المتشابهة سببًا في أن يحتار ويعمى عن الأفضل.

التصنيف طريقة العقل في إراحة نفسه لأنه عندما يُسأَل عن رأيه في شخصٍ، سيسهل عليه إن لجأ للأحكام والتصنيفات أن يعطي رأيه بلا دراسة حتى ما لم يكن مُنصِفًَا، وعقلنا هو ذاته على الدوام، كما اعتاد تصنيف البشر في المواقف، فإنه يفعل المثل عندما يكون  موضوع اختيار شريك الحياة محور الحديث. اتفقنا على هذا، إذن.. لماذا يغير الناس رأيهم ويرتبطون -أحيانًا- بالمُعاكِس تمامًا لأمنياتهم؟

لأن العقلَ المولَع بالتصنيف ليس وحده الموكَل بعملية اختيار شريك المستقبل، هناك القلب ونظرة العين وارتياح النفس وتآلف الأرواح، هذا من جهة، ومن جهة أخرى فإن العقلَ ولشدة تشبثه بخيارٍ ما وبحثه في دائرته سيملّ، وقد تصبح الخيارات المتكررة المتشابهة سببًا في أن يحتار ويعمى عن الأفضل، وعندها ينجذب بفعل الفضول، والملل إلى أول خيار معاكسٍ لِما ظلّ يقابله ويبحث عنه ويدور في فلكه، فالمختلف وسط المتكرر يبرز ويلفت نظره بشكل أسرع.

لكن.. متى يكون من الخاطئ الانسياق وراء الأمنيات؟ ومتى يكون من الخاطئ التخلّي عنها؟ فلنعدْ إليكِ، وإلى معارفك من الشبّان. بمَ ستوصَف بعض أمنياتكم وفي أي فئة يمكن أن تُصنَف؟ ألم تري كيف عاملناها معاملة البرتقال الأسود؟  الأمنيات المرفوضة التي لا يحبِّذ أو ينصحُ أحدٌ بالإصرار عليها هي المفرطة في الحلم، وغير الواقعية.

اختيار شريك الحياة
ليس العقل فقط هو المسيطر على عملية اختيار شريك الحياة بل إن القلب ونظرة العين والارتياح لهم دور بعملية الاختيار

لماذا يتزوج شاب من فتاة لا تملك جسم الباربي كما أراد؟ ببساطة لأنه كان يحلم، سايروه وبحثوا معه عن حورية البحر الخاصة به وقالوا: شاب، وله رغباته، إلا أنهم وعند الجد وإزاحةِ الهزل يعلمون أنه ما من فتاة كتلك، الفتيات العاديات هن اللواتي سيصادفهنّ، لا وجود للباربي، هناك فتاة بكيلوغرامات زائدة.

 هناك فتاة بشعر مُتقصِّف وأخرى باسنانٍ لا تمت لصفّ اللؤلؤ بصلة ورابعة أنفها كبير، باختصار ودقّة: الفتيات بشريّات تمامًا، من كوكب الأرض، لسن من عوالم القصص الخيالية، مثلما قيل لك ولنا بأن زوجك سيكون ذاك "أبو الكرش" والذي يجلس في المنزل بقميص أبيض داخلي (فانلة) لا ببذلة رياضة، والذي يعود من العمل غير قادر على تحيتك حتى تتخيلي أن يدعم مواهبك، مثلما قيل لنا هذا فقد كان يجب أن يقال للشبان، وكما ترين، فالنتيجة واحدة حتى لو أخفوا عنهم هذه الحقيقة، فهم في النهاية لن يجدوا الفتاة الباربي للارتباط.


اقرأ أيضًا: أساطير سنوات الزواج الأولى: عن السعادة الأبدية!


ولكي أكون موضوعية فليست كل التفضيلات الشكلية أو الجسدية التي يضعها أحد الطرفين هي تفضيلات يُجرَّمون عليها، فبعضها مُلحّة ولطالبيها أسبابُهم النفسية المحقّة وربما لا يستطيعون حقًا -لا دلالًا ولا سخفًا ولا سطحيّةً- أن يرتبطوا بشريكٍ يعاكسها، الخطأ أن تكون هذه التفضيلات مُملاة من المجتمع ومتغلغلة في العقل اللاواعي لهذا أو تلك.

 الخطأ ألّا تكون رغباتهم بل إملاءات لفظية وغير لفظية سمعوها منذ الطفولة وبقيت معهم إلى سنِّ اختيارِ الشريك، كالطلب النمطي المتكرر لفتاة بيضاء حصرًا، أو شاب طويل حصرًا، ومجددًا لا نعيب من يرغب في هاتين الصفتين، بل من ينصاع لهما لمجرد كونهما الصفتين التقليديتين في المجتمع.
والآن.. متى يكون التخلّي عن أمنياتنا المُسبَقَة خاطئًا؟

أولويات لا تتخلي عنها في اختيار شريك الحياة

اختيار شريك الحياة
عندما تنتمي هذه الأمنيات لفئة الأولويات والأساسيات التي لا يمكن تبديلها والتي يؤدي التغاضي عنها حتمًا، إلى استحالةٍ في الاتفاق بعد الزواج، فالأولويات التي لا يصح التخلي عنها هي الأولويات غير الشكلية، والمتعلقة ببيئة الشريك وصفاته النفسية ومدى شبهه بشريكه وتوافقه معه.
 
وما يحدث في حال عدم تحقق هذه الأولويات هي المشكلات الزواجية الشائعة، والتي تنشأ -مثلًا- عندما يتزوج فلانٌ بفلانةٍ عاملة رغم أن شرطه هو ألّا تعمل، ثم يتناحران لأنه لم ينجح في تقبل عملها ويريد منها تركَه في حين لا تستطيع بدورها ذلك.

عندما تنتمي هذه الأمنيات لفئة الأولويات والأساسيات التي لا يمكن تبديلها والتي يؤدي التغاضي عنها حتمًا، إلى استحالةٍ في الاتفاق بعد الزواج، فالأولويات التي لا يصح التخلي عنها هي الأولويات غير الشكلية، والمتعلقة ببيئة الشريك وصفاته النفسية ومدى شبهه بشريكه وتوافقه معه، وما يحدث في حال عدم تحقق هذه الأولويات هي المشكلات الزواجية الشائعة، والتي تنشأ -مثلًا- عندما يتزوج فلانٌ بفلانةٍ عاملة رغم أن شرطه هو ألّا تعمل، ثم يتناحران لأنه لم ينجح في تقبل عملها ويريد منها تركَه في حين لا تستطيع بدورها ذلك.

 وتنشأ أيضًا إذا تغاضت فلانة عن تدخين شريكها رغم أنها ترفض ذلك، ثم بدأت بعد الزواج بمشروع دفعِه للإقلاع عن التدخين. النصيحة، والنجاح في إصلاح الشريك قصص لطيفةٌ للقراءة ولن نرفض أن تحدث، لكنها في الواقع قلّما تتحقق ونحتاج تفصيلًا طويلًا لتوضيحها وشرحها. ولنضفيَ صبغةً علميةً على حديثنا أحبّ في الختام أن أعرّفك بنظريتين من نظريات الإرشاد الأسري حول الاختيار الزواجي.

إحدى هاتين النظريتين هي نظرية الحاجات التكاملية: ويرى واضعوها ومتبعوها أنه لمّا كان كلُّ واحد منّا ينقصه شيء، فإنه ينجذب نحو الذين يكملون النقصَ فيه، فالنظرية ترى أنه لا يُشتَرط التشابهُ لنجاح الزواج، ولا يتطلب التوافقُ تطابقًا أو تشابهًا بل ينجح بالتكميل، أي بأن يتزوج كل شخص من يكمله وربما يعاكسه، لا ممن يماثله ويشبهه.

أما النظرية الثانية والتي أميل إليها فهي نظرية التجانس: وتقوم على أن الشبيه يتزوج الشبيهة وأن التجانس هو الذي يفسّر اختيار الناس لبعضهم للزواج لا الاختلاف والتضاد، فالناس عامة يتزوجون من يقاربونهم سنًا وسلالة وعقيدة ومستوىً تعليميًا واقتصاديًا واجتماعيًا. وسبب ميلي لنظرية التجانس هو أنها تحمل عواملَ أمان أكبر تضمنُ أكثرَ من غيرِها تحقق التوافق الزواجي، وهو الذي يرى علمُ النفس أنه يتحقق عندما يجد كلٌّ من الزوج والزوجة ما يشبع حاجاتهما الجسمية والعاطفية والاجتماعية وتنتج عنه حالة الرضا عن الزواج، أو الرضا الزواجي.


اقرأ أيضًا: مصريّ وفلسطينية ... ماذا عن الزواج العابر للقطرية؟


اختيار شريك الحياة أمر ليس سهلًا وغير ضروري أن يكونا الزوجان نسخة من بعضهما،  نعم تحدث زيجات ناجحة بعيدًا عن تشابه الزوجين لأن نجاح الزواج يرتبط أيضًا بعوامل وأسباب أخرى. ما أودّه الآن هو أن أكون قد واسيتكِ وأنصفتكِ كيلا تبقي مستاءة وممتعضة، لأن الشبّان لم يسمعوا ذات التقريع الذي سمعتِه، لا تحزني، نحن لدينا ميزة مبكّرة، قلما ننسج أحلامًا في الهواء، أمّا هم فقد يتعرضون للصدمة عندما يدركون أن الفتاة الباربي مثلها مثل البرتقال الأسود، والجوري الذي برائحة البصل!