بنفسج

في حجر كل أم فلسطينية.. قمر

السبت 04 فبراير

تظن أنهم بلا هدف وهم الهدف بأكمله، بلا أمل وهم بصيص الأمل المتبقي لنا جميعًا. أتحدث عن الذين لا يهابون الموت، يحملون أرواحهم على راحاتهم، ويمضون متجهون بعزيمة وإصرار ليس له مثيل، يواجهون العدو الجبان ببسالة منقطعة النظير، هم ليسوا كبارًا في أعمارهم، بل هم في بداية طريقهم نحو الحياة، لكن قدرهم هو الذي كان كبيرًا، وعقولهم هي التي تأبى إلا أن تفكر بصفة شيخ جاوز التسعين عاشر الكثيرين، ونال من كل قرية في بلدةٍ غصن زيتون أخضر، أرهقه برائحة تعبق برحيق الوطن جعله يكرس كل دقيقة في حياته لذلك الوطن المسلوب.

 قلوبهم مليئة بالحب لأمهاتهم وأهلهم، نعم لا تستغرب ذلك حتى لو تركوهم ورحلوا إلى خالقهم، هم فعلوا ذلك انطلاقًا من تلك التربية التي حثته على أن الديار جميلة ومقدسة، لكنها أسيرة ويجب عليك تحريرها، انغرس هذا في عقله وهبّ ليفعل ما بوسعه، وكان جميلًا حينما ارتقى زاهيًا في بسمته التي علت شفاهه النقية صافيًا في وجهه البريء، نظرت إليه ودمعة للفراق نزلت فقط.

إلى اللقاء يا من رفعت الرأس عاليًا وغدوت نجمًا في السماء صافيًا، هل لي بقبلة على الجبين الراسخ أذكر بها مجيئك في لحظة ورواحك، أوجعت قلبي، وهو الذي كان قلبًا فقط بوجودك، أما الآن فهو حجر يسكن جوفي وغصة نالت من عيني، أما أباك فلم تُرَق من عينه دمعة وفؤاده ذائب من فرط الألم ، يا ليته أراق الدمع وخفف عن رأسه أوجاع تضج لها القلوب والحناجر ساهية.


اقرأ أيضًا: جنين ماضي الثورة وحاضرها


هؤلاء ليسوا مثلنا إنهم هم الأفضل منا جميعًا، اللهم إنهم شهداء وإنا ضعفاء، فاجعل لهم نصيبًا في الجنة أكثر منا جميعًا، واجعل لنا نصيبًا من الشجاعة لنحاول به اللحاق بالبواسل الشجعان، أنتم الأمل، الهدف، الوطن، السعادة، الأحلام، الفرح، وأنتم كل شيء حقيقةً وأبدًا ورجاءً إلى اللقاء.

هذه هي فلسطين، شهيد تلو الشهيد ودماء زكية تراق كل يوم هنا وهناك، أسبابٌ زائفة وطرق قتل مبتكرة، هم العدو فاحذرهم. أودّ أن أنوه هنا إلى أن الإنسان بشكل عام، يجب أن يكون حذرًا في كل شيء لا سيما إن كان هذا الإنسان مناضلًا حرًا يلتمس شيئا من الثأر لبلده لمن قضوا نحبهم من أصدقائه، لمن هم خلف قضبان ظالمة، وهم أحرار في نفوسهم وعزتهم، أن تكون حذرًا لأننا أولًا وآخرًا بشر، سَتجد منا الشريف ومنا غير ذلك، لا تدع أحدًا يعلم نواياك ولا أين ستذهب، وماذا ستفعل أظن نصيحتي مقبولة ومفهومة ولو كانت مبطنة.

وللحرية الحمراء باب بكل يد مضرجة يدق. نعلم أن الحياة لن تتوقف وأنها ستمضي بنا يومًا تلو يوم، سوف نذهب إلى أعمالنا، مدارسنا، بيوتنا، مناسباتنا لكن هذا لا يعني أن لا نشعر مع بعضنا البعض ونكون يدًا واحدة، لا يُعقل أن يكون في مدينة شهيد وإضراب، وأخرى يسير يومها عاديًا، في مخيم ما مواجهات في غيره إغلاقات، أنت تضرب يا أخي وأنا في ظهرك أحميك، أسدد خطاك أكون لك درع لا يخترقه أحد.

نحن حجارتنا أقوى من مدافعهم وأثقل من صواريخهم، نحن الأهل والبلاد لنا، والتراب نحن منه وهذه سماؤنا، وتلك شمسنا وذاك قمرنا، وسترحلون ذات يوم أغبر عليكم، ستذهبون بثيابكم ولن تأخذوا معكم شيئا لأنه ليس لكم في هذه الأرض شيء لتأخذوه، قريب سنفرح وسنتحرر وسنرقص فرحا في بلادنا الجميلة.


اقرأ أيضًا: عدي التميمي: قيامة مجاهد حتى الرمق الأخير


 سنعود حاملين مفاتيح بيوتنا التي أخذناها معنا حينما خرجنا، ونحن نظن أننا سنذهب يومًا أو يومين على الأكثر، ولبثنا بعدها كثيرًا، نعم بعد أن تشتت شملنا وأزهقت أرواحنا وتكبلت أيدينا سنوات عديدة سنعود، لم نيأس يومًا بل كان لنا في كل شهيد أمل، وفي كل أسير باب حرية وفي كل جريح جرح يُضمَّد.