بنفسج

مشوار الألف حلم...يبدأ بجرة عجل

الخميس 11 يونيو

كم من ذي عرج في درج المعالي عرج، وكم من صحيح قدمٍ ليس له في الخير قدم!

تقول الحكمة :"كم من ذي عرج في درج المعالي عرج، وكم من صحيح قدمٍ ليس له في الخير قدم!"، حكمة جسدتها الفتاة إسراء حسن شحادة (25 عاماً) من مخيم قلنديا شمال القدس المحتلة، إذ جعلت من عجزها وملازمتها لكرسي متحرك سبباً للتحدي، وكان لها من اسمها نصيب "درب إسراء للوصول الى حلم بالإقدام لا بالأقدام"، قد تحقق.

حاورت "بنفسج" الطالبة إسراء، التي وقفت في حزيران المنصرم على منصة التخرج في جامعة بيرزيت –شمال رام الله-، معلنة انتهاء مرحلة هامة في حياتها، وتحقيق حلم طال انتظاره.

 خمس سنوات..وتحقق الحلم!

| إسراء حسن شحادة (25 عاماً) من مخيم قلنديا شمال القدس المحتلة،  تسبب لها ميلادها المبكر في شلل نصفي نتيجة نقص الأوكسجين، حيث كانت رئتيها لم تكتمل بعد، فعاشت فترة حضانة في المستشفى استمرت 4 أشهر، ومرت بحالة اضطراب صحي حتى سن الرابعة.
 
| "هذا الشلل تسبب لي بنوع من الانغلاق على نفسي، خاصة بعد أن رفضت المدارس استقبالي كطالبة نظامية بسبب أوضاعي الصحية، وعدم تأهيل مباني المدارس لمن هم في مثل حالتي، ولذلك تأخر التحاقي بالنظام التعليمي المدرسي نحو 3 أعوام"
 
| درست وتخرجت إسراء، وتحلماليوم، بالحصول على وظيفة تناسب وضعها الصحي، لتؤهلها إلى الارتقاء بنفسها وتوفير احتياجاتها.

تقول إسراء إنها التحقت بجامعة بيرزيت عام 2013، على ذات البوابة التي دخلت منها يوماً ورأت من خلالها بداية الحلم، على ذات البوابة التي خرجت منها إسراء قبل نحو شهر مودعة الجامعة، "شكراً بيرزيت ها قد حققتُ حلمي"، بيرزيت التي احتضنت إسراء لنحو خمسة أعوام، جعلتها تؤمن يقيناً أن كل حلم راودها قابل للتحقق، ما دامت تُقدم عليه بشغف جميل وإرادة.

في بداية مشوارها الجامعي، تضيف إسراء أنها التحقت بكلية الإعلام، وسرعان ما انتقلت الى كلية القانون وأنهت متطلبات تخصص العلوم السياسية فرعي الإدارة العامة، بعد صعوبات عايشتها مع مساقات الإعلام التي تتطلب مرونة في الحركة، الأمر الذي يصعب على إسراء القيام به كونها تظل حبيسة كرسي متحرك.

تقول إسراء: "لم يكن الأمر سهلاً عليّ كما يتخيله البعض، بعض المواقف التي تعرضت لها في الجامعة لا يمكنني نسيانها، أكثرها بؤساً عندما تأخرت قليلاً عن موعد المحاضرة بسبب صعوبتي في التنقل، وعندما دخلت الى غرفة المحاضرة بدأ المحاضِر بتوبيخي وطلب مني ألا أتأخر مرة أخرى وإلا سأبقى خارج قاعة المحاضرة، المحاضِر لم يأبه بأن هذه المرة الوحيدة التي تأخرت على موعد محاضرته، ولم يراع ظروفي الصحية، ذلك اليوم أكرهه بشدة، لا يمكنني نسيانه".

  حكاية القدر

غ42.png

وعودة لمعرفة الأسباب التي جعلت إسراء من ذوي الاحتياجات الخاصة، فقد روت  لـــ "بنفسج"، أن ميلادها كان مبكراً، في الشهر السادس، ولم تكتمل رئتيها بعد، فعاشت فترة حضانة في المستشفى استمرت 4 أشهر، ومرت بحالة اضطراب صحي حتى سن الرابعة، حيث أصيبت بشلل نصفي في جسدها نتيجة نقص الأوكسجين، بسبب مشاكل صحية مستمرة في الرئة.

"هذا الشلل تسبب لي بنوع من الانغلاق على نفسي، خاصة بعد أن رفضت المدارس استقبالي كطالبة نظامية بسبب أوضاعي الصحية، وعدم تأهيل مباني المدارس لمن هم في مثل حالتي، ولذلك تأخر التحاقي بالنظام التعليمي المدرسي نحو 3 أعوام"، بهذه الكلمات ، عبرت إسراء عن صعوبات عايشتها في الماضي بسبب نظرة المجتمع لذوي الإحتياجات الخاصة، وانعدام تقبلهم بشكل طبيعي.

وأضافت: "استقبلتني مدرسة خاصة بذوي الاحتياجات الخاصة، ما أفرحني كثيرا حيث تمكنت وأخيراً من ترك المنزل وعدم المكوث فيه طيلة الوقت عابثة في النظر بين أربعة جدران وكأني في زنزانة، ثم تنقلت بين عدة مدارس إعدادية وثانوية، وعندما أنهيت الثانوية العامة بنجاح وحصلت على معدل 87 في الفرع الأدبي عام 2013، بدأ خوفي يزداد من أن يكون هذا النجاح سبب ألم جديد وليس فرح، فكنتُ أخشى أن تكون أوضاعنا الاقتصادية الصعبة عائقة أمام حلمي بدخولي الجامعة واكمال دراستي الأكاديمية".

لم ينقطع الخير أبداً، إذ حصلت إسراء على منحة من شركة الاتصالات الفلسطينية،  مكنتها من الالتحاق بجامعة بيرزيت، كونها الأقرب إلى منطقة سكنها، وقلبها. قضت إسراء نحو 5 سنوات في أروقة جامعة بيرزيت، بين حرّها وبردها، وسهلها الممتنع، وجمال أرواح طلبة متطوعين، سخروا أنفسهم لخدمة زملائهم من ذوي الاحتياجات الخاصة.  ولارتفاع عدد ذوي الاحتياجات الخاصة المنتسبين لجامعة بيرزيت، عملت الجامعة على تعيين كادر إداري إلى جانب الطلبة المتطوعين لمساعدة هؤلاء الطلبة، الأمر الذي ترك بصمة من الامتنان في نفس إسراء.

ولم تألُ جامعة بيرزيت جهدا، لمساعدة طلبتها من ذوي الاحتياجات الخاصة، فهيأت أبنيتها لتسهيل حركتهم، ودعمت أنشطة تنموية هامة لدمجهم في مجتمع الطلبة، حتى اعتاد كافة طلبة جامعة بيرزيت على احتضان ذوي الاحتياجات الخاصة، بل باتوا يتسابقون على مساعدتهم وإشراكهم في الفعاليات.

منصة التخرج.. رغبة طال انتظارها

 
"عندما صعدت إلى منصة التخرج، كانت في داخلي رهبة كبيرة، ورغم أنني كنتُ الوحيدة صاحبة الكرسي المتحرك، إلا أن فرحتي بلغت السماء...
 
لا يمكنني أن أصف شعوري بتحقيق حلمي واجتياز كل العقبات التي كانت أمامي، حقاً هو شيء لا يُقال ولا يُكتب، كانت فرحتي جميلة أيضا، في ظل فرحة عائلتي التي ما توانت يوماً عن تقديم الدعم لي".

بصوت ينبئ لمن يستمع إليه عن عمق فرح إسراء بما حققته، تقول إسراء :"عندما صعدت إلى منصة التخرج، كانت في داخلي رهبة كبيرة، ورغم أنني كنتُ الوحيدة صاحبة الكرسي المتحرك، إلا أن فرحتي بلغت السماء، لا يمكنني أن أصف شعوري بتحقيق حلمي واجتياز كل العقبات التي كانت أمامي، حقاً هو شيء لا يُقال ولا يُكتب، كانت فرحتي جميلة أيضا، في ظل فرحة عائلتي التي ما توانت يوماً عن تقديم الدعم لي".

ما ضاعف فرحة إسراء بالتخرج، قدرتها على تخطي العديد من الصعوبات، التي واجهتها خلال مسيرتها التعليمية في جامعة بيرزيت، حيث أوضحت لـــ "بنفسج" أهمية الدعم الخارجي لإكمال مسيرتها، كوجود عدد من صديقاتها اللواتي ساندنها، ووفرن لها ما يلزمها من مذكرات وملاحظات المحاضرات، علاوة على إيصالها إلى غرف المحاضرات في الكليات، حيث كان الأمر يتم بالتناوب وفق ساعات فراغ صديقاتها.

وجهت إسراء عبر بنفسج نصائحها إلى ذوي الاحتياجات الخاصة، بأن لا يقعدهم شيء عن تحقيق حلمهم، فالإعاقة-حسب تعبيرها-، هي ما يعيق عن تحقيق إنجاز مرموق، وحلم سامٍ، لا ما أقعد الجسد، في الوقت الذي ينبض العقل و القلب فيه إرادة وإقداماً.

أعربت إسراء عن انزعاجها، من انعدام الاهتمام المجتمعي بفئة ذوي الاحتياجات الخاصة، خاصة في المؤسسات التي تدعي توفير فرص عمل بنسبة ما لهم، وتخشى-وفقا لذلك- أن تظل حبيسة منزلها، وأن تبقى شهادتها الجامعية لوحة تزين الجدران بلا فائدة.

تحلم إسراء اليوم، بالحصول على وظيفة تناسب وضعها الصحي، لتؤهلها إلى الارتقاء بنفسها وتوفير احتياجاتها، بعيداً عن الظروف الاقتصادية الصعبة التي تعاني منها أسرتها. كما وتحلم بالالتحاق ببرنامج الدراسات العليا، إذا أتيحت لها الفرصة المناسبة، في سعي حثيث منها لتطوير ذاتها أكاديمياً وعملياً.