بنفسج

في تناقض المعاني... محاولة فهم

الإثنين 20 مارس

بعد الكارثة  الطبيعية (الزلزال)  التي تعرضت لها أجزاء من سوريا وتركيا، وبعد مشاهدتنا للأطفال العالقين تحت الأنقاض؛ آلاف الجرحى والثكالى والأرامل، مئات المفقودين، والبيوت التي هدمت على رؤوس القانطين فيها، إضافة للمآسي والمجازر التي تحدث مرارًا وتكرارًا في هذا العالم، الفقر،  العوز، التشرد، المجاعات، يكثر الحديث عادة بعد كل هذه المآسي عن الله، لماذا خلق الشر؟ لماذا يعرض الأطفال له؟ لماذا يشعرنا بالألم؟ أليس الخالق الرحيم؟ لماذا أوجد الشر في هذا العالم؟ 

الشر؛ هذه الكلمة الفلسفية التي تعرفها البشرية منذ قديم الأزل وارتبطت بالخرافات والشعوذات والألم  والحروب والمجاعات، لماذا تغادر معناها الأصيل، ويحاول العالم اليوم اجتثاثها من قاموسه الحديث، ويربطها بالعدمية وبالسؤال المتكرر عن الله الرحيم ووجوده؟ لا سيما عبر الحداثة الأوروبية التي وعدتنا أن العلم سينهي الشر من هذا  العالم.

الشر؛ هذه الكلمة الفلسفية التي تعرفها البشرية منذ قديم الأزل وارتبطت بالخرافات والشعوذات والألم  والحروب والمجاعات، لماذا تغادر معناها الأصيل، ويحاول العالم اليوم اجتثاثها من قاموسه الحديث، ويربطها بالعدمية وبالسؤال المتكرر عن الله الرحيم ووجوده؟ لا سيما عبر الحداثة الأوروبية التي وعدتنا أن العلم سينهي الشر من هذا  العالم، ويقضي على الجوع والفقر والعوز، لنحيا حياة أفضل وكأننا في فردوسٍ أرضي. كان الفردوس الأرضي أحد نبوءات الحداثة؛ فالعالم سيغدو أفضل، والمستقبل سيغدو مليئًا بالأمان والراحة والمتعة واللهو، بلا أمراض ولا مجاعات، وبالكثير من وسائل الأمان والراحة.

تبددت كل الوعود بعد حربين عالميتين شهدهما العالم، وبعد كل الاحتلالات العسكرية، وبعد الآفات والأمراض التي رغم انتشار التطعيمات لم يفلح العلم بالقضاء عليها، انتشرت الأوبئة التي حيرت البشرية؛ كالكورونا وانفلونزا الطيور وغيرها، ولم يفلح العلم بالقضاء عليها، فرغم انتشار العلم والمعرفة والمستشفيات والأطباء والأدوية لم تتمكن البشرية من إنهاء المعاناة والأمراض لا الجسدية ولا النفسية.


اقرأ أيضًا: لبركة البيوت... استقيموا يرحمكم الله


 فقد زادت كذلك الأمراض النفسية والكآبة والعقاقير المهدئة والمضادة للاكتئاب مع تطور البشرية ولم تقل، لم يفلح العلم إذن بالقضاء على الشر، ولم تفلح الحداثة بتقديم صورة أفضل للانسان رغم كل وسائل اللهو واللعب والتفريغ النفسي، إلا أن المصحات النفسية تعج بالمرضى.  لدى الإنسان الحديث عقدة من الألم يبحث عن المتع، ولا يتقبل الشعور بالألم، حتى ولو كان الأمر طارئًا؛ فهو يرى وجوده قائم على المتعة لا المعاناة.

جميلٌ، ولكن دعونا نتخيل الحياة بلا ألم، دعونا نتخيل أننا نعيش في جنة لا معاناة فيها ولا أحزان أين المعنى إذن؟ يفقد النور معناه إذا اختفى الظلام، ويفقد الخير معناه إذا اختفى الشر، ويفقد الإنسان الفاضل فضيلته إذا أعدم الوسيلة في الاختيار بين الخير والشر بين المقبول وغير المقبول بين الحلال والحرام، يفقد الإنسان مشاعره إذا بقي سعيدًا على الدوام، وهو لم يختبر شعور الحزن والفقد قط، فبضدها تعرف الأشياء.

لماذا خلق الله الألم في هذه الحياة؟ خلقه ليعطي معنى للحياة، وليعطي مصدرًا نحكم به على الأشياء، فكيف سنحكم على الإنسان إن لم تكن لديه القدرة على الاختيار بين الصواب والخطأ، خلقه لرحمة منه سبحانه، فالإنسان عندما يشعر بالألم ينجو بنفسه من الموت، ففي الألم هروب نحو الحياة، فلو اقتربت من مصدر للنار، ولم تشعرك حرارتها بأي ألم ستفقد يدك وتحرقها دون أن تشعر، لو لم تبدأ آلام أسنانك بالظهور عندما يأكلها التسوس، فلن تذهب لأي طبيب لأنك لا تشعر، وهكذا حتى تفقد  أضراسك كلها تباعًا، إذن في داخل الألم رحمة للانسان لينجو بنفسه نحو الصحة والحياة الآمنة.

لو لم يكن هنالك ألم لما وجد المنح، ولا وجد التعاطف مع الآخرين، ولاختفت مظاهر الإيثار، مساعدة الفقراء، الصدقات، فكيف سنعطي من لا يفقد أي شيء، وكيف سنعطف على من لا يحتاج إلى عطف، ستختفي كل المشاعر النبيلة من الكوكب والأخلاق، وسنحيا حياة الروبوتات المقيتة نأكل نشرب نعمل وننام، لن نبكي لن نشعر، لن نتعاطف.


اقرأ أيضًا: اهمس بصوتك الخافت: تشدد تشدد وغالب حزنك


إن لم يكن هنالك شر لن تصنعنا الخيارات ولن نجاهد أنفسنا لنختار الفضيلة على الرذيلة، لن يثاب المحسن على إحسانه، ولا المتصدق على صدقاته وعلى الخيّر على ما اختار من الفضائل، ستختفي ثنائية الأخيار والأشرار، الصادق والكاذب، الرحيم والقاسي، المرتشي والنزيه، فكيف سنحاسب إذن، وما نفع يوم القيامة؟ وكيف ستتعدد خيارات الإنسان؟ 

فما الفرق بين الحياة الدنيا والحياة الآخرة؟ ما دامت الدنيا كلها فضائل، فلا معنى لوجود الحساب إذن. المفاضلة بين الناس والجزاء من جنس العمل والعدل الذي سيتحقق بالآخرة لن يكون إلا بوجود ثنائية الخير والشر، وقدرة الإنسان على أن يكون مخيرًا بينهما، ويرى الشر وعواقبه والخير وأفضاله، ألوهية الله الرحيم كامنة بجعل المرء حر الإرادة يختار ما يريد ليحاسب على ما أختار، وهنا يكمن العدل الإلهي.