بنفسج

أنهكتك شهور وأتى رمضان

الثلاثاء 14 مارس

أذكُر تمامًا تلك اللحظة عندما رأيتكَ جالسًا تتكئ على الكرسي، تُطالع الغروب متأملًا ألوانه المتدرجة في السماء، والعبَرات تنهال من تلكما المقلتين تروي جفاف وجنتيكَ بعد قساوة أحداثك التي مررتَ بها طوال هذه الفترة، وتراكماتٍ أخرى قد تعاظمت على صدرك ، وباتت ثقيلةً عصيةً ، جئتُ إليكَ وقدماي تؤخران نحوك، لكنّي فعلتها وجلستُ بجانبك، مسحتُ عنك دموعكَ وربتُّ على كتفك علّي أزيح بعض الأثقال عنه، فرمقتني نظرةً مستنكرًا فيها هذا التطفل.

حينها اقتطعتُ حبلَ أفكارك وبدأتُ أحادثكَ بصيغة القلب الحنون، بدأتُ الحديث بآية "لا تحزَن إنّ الله معنا"، فارتسمت على محيّاكَ بسمة جميلة تبعثُ في القلب شيئًا من أمان. فراوغتني بسؤال أسكت حديثي بعضًا من الوقت، بأن كيف للإنسان أن يجد المخرج حينما تلتهمه الطرقات الصعبة، فترمي به في بحورٍ من التوَهان والضياع، فلم يعد يعرف نفسه أو في أيّ معتركٍ بات يرقد جسده؟

سكتُّ هُنيهةً أستجمع قواي، فبدأت حديثًا مقتضبًا بالبداية، رويتُ لك فيه عن النعيم الذي يحفّك دونما انتباهٍ منك، وكيف أن عليك شكرَ الله حتى في أسوأ ظروفك؛ فصدمتني بإجابتك، أنك حفظت كل تلك العبارات حتى أنها باتت لا تترك أي وقعٍ ولو صغيرٍ على قلبك! فعرفتُ حينها مقدار الإيمان الذي وصلته، فلمعت في عقلي قصةً كنتَ قد عشتها في سنواتك الأخيرة، حينما تغيّر بك الحال إلى ما صرتَ عليه الآن.

سألتكَ على حين غفلة، بأي الشهور نحن؟ فأجبتني وعلامات الاستغراب تراودك، فقلتُ لك بحماسٍ بدا واضحًا على نبرة صوتي التي ارتفعت "إذًا طوبى لك! فشهر الطاعات يطرق بابك". أوَلستَ من ينتظر رمضان بين السنة والأخرى حتى يدخُل فيه شخص ويخرج منه آخر كنسخةٍ محسنة عما كنت عليه من قبل! إذًا تعال عاهدني والله شاهدٌ بيننا، لن تتركَ عادتك الدائمة تلك. ألست من هذّب رمضان نفسه حتى تركَ الذنوب التي تُضعف النفس؟


اقرأ أيضًا: "صُوموا تصحّوا": كيف يكون رمضانك صحيًا؟


ألست من تعلّق في الوِرد اليوميّ، فبقيت له عادةً روتينية حتى بعد انتهاء رمضان، وانزرعت في جدول يومه كأنها إحدى واجباته التي لا عذرَ له عن عدم فعلها؟ ثم في رمضان الذي تلاه كنتَ قد عاهدتَ نفسك أنك ستلتزم بصلاة التراويح، ولن تضيّع ليلةً واحدة، فوجدتَ سكينةَ روحك فيها، فبقيت عادةً على مدار تلك السنين حتى أصبح قيام الليل فرضك السادس؟

وفي رمضان الأخير كنتَ قد عزمت أمرًا ما، مترددًا عن ما إن كنتَ على صواب، فكانت ليلةُ القدر، وقد منّ الله عليكَ حينها بزيارةٍ محفوفةٍ بالمخاطر بين الجبال وتسلق السياج والجدار الفاصل حتى وصلتَ باحات المسجد الأقصى، واستلقيتَ على أعتابه تناظرُ القبة الذهبية متأملًا بهاءها، وسكينةُ الليلة التي يُرجّح أنها ليلة القدر بصفاء سمائها وعبق نسيمها وهدوئها الذي يخاطب القلب.

 فرحت تتمتمُ بينك وبين نفسك، تبوح بما في قلبك مُتعبًا منهكًا وقد أهلكك التفكير، ترجو من الله دليلًا يرشدك فتلتقي بذاتك، وبعدها وقد كان الإمامُ يطيل السجود كنتَ تبوح بسرّك للأرض مرسِلًا للسماء منتظرًا الإجابة واليقين محيطٌ فؤادك.

فسارت الأيام ومرّت ليالٍ تناسيت فيها طلبك متوكّلًا لا متواكلًا، وقد تركتها لله صابرًا محتسبًا، حتى أتاكَ اليقين وقُضيَ أمرك قريرَ العينين، فهدأت نفسك واطمأنّ فؤادك. فماذا عنكَ الآن وقد أنهكتكَ هذه الشهور حتى بتَّ هزيل القوامِ نحلًا لا تقوى على مجابهة الظروف وتغيّر الأزمات؟


اقرأ أيضًا: إني أتاجر في النوايا.. وربحي غزير لو تعلمون


شطرَ قلبي يا أخي… تعالَ عاهدني و أعاهدك، لن تتركَ لهذه الدنيا نصيبًا منك، لن تنال من عزيمتكَ مهما وصل بك الحال، لن تتخلّى عن ذاتك المكنونة خلف هذا الهدوء، ستجعلُ من رمضان هذه السنة أيضًا طريقًا يرشدك نحو الصواب ويمسكُ بيديكَ نحو ما ترنو إليه، تلكَ الدعوة المخبأة في صدرك ورجاؤك الذي تسعى له متصورًا صعوبة الوصول إليه، ستظل مثابرًا عليه ولن تنفكّ عن الصمود على باب الله حتى تنال مطلبك.

فامضِ بقلبكَ سليم العقيدة قويّ البنان، خذ الكتابَ بقوة ولا تقنط من كرم الله، واستقبل شهركَ المحبوب بروحٍ تفيض حماسةً و لهفة. والآن، قلّي ما خطتكَ لرمضان هذه السنة؟