بنفسج

قناديل الخير: رمضان الذي تعرفه فلسطين

الخميس 23 مارس

رمضان في فلسطين عادات وتقاليد متوارثة
رمضان في فلسطين عادات وتقاليد متوارثة

في فلسطين، تمرّ الأيام بظروفها الصعبة، ومشاعرها الكئيبة، وأخبارها الحزينة، إلى أن يأتي الشهر الذي ينتظره الجميع وينتشل الناس من الظلامات إلى النور، رمضان شهر الخيرات والرحمة والمغفرة والعتق من النار. منذ إعلان ثبوت رؤية الهلال يتوافد الناس لإقامة أول صلاة تراويح في المساجد، وتهنئة بعضهم بعضًا، بمشاعر الشوق والحب للشهر الفضيل، ورغم مرور السنين إلا أن لـ رمضان في فلسطين عادات وتقاليد متوارثة حيث تتزين الشوارع والمنازل بالزينة والفوانيس المضيئة متعددة الأشكال والألوان.

 تتحول المدينة إلى ألوان تبرق وتتلألأ وتلفت أنظار الناس، وقبل حلول صلاة الفجر والناس نيام، يبدأ صوت المسحراتي وهو يجوب شوارع المدن والقرى بالمناداة بعبارات التكبير والأذكار والأناشيد الدينية، ضاربًا طبلته بقوة لايقاظ النائمين، استعدادًا لوجبة السحور الخفيفة والتي تقيهم من العطش والجوع في النهار.

رمضان في فلسطين عادات وتقاليد متوارثة: فقدة رمضان

رمضان في فلسطين عادات وتقاليد متوارثة
توجد عادة في نابلس تُسمى فقدة رمضان فيها يزور البعض بعضهم محملين بالحلويات

تتنوع الأصناف على مائدة الافطار، وتتفنن ربة المنزل في إعداد أشهى الأطباق، ولا تخلو مائدة رمضانية من وجود الحلويات وعلى رأسها القطايف المحشوة بالقشطة والجبنة والجوز، وغيرها من الحلويات كالفطير والكنافة النابلسية، إضافة إلى العصائر وخاصة عصير التمر الهندي والخروب والسوس، فلها نكهتها المميزة في رمضان، كما لا يتوانى عن تقديمها البائع في الأسواق حتى أصبحت جزءًا مهمًا من العادات الرمضانية في فلسطين.

إن لـ رمضان في فلسطين عادات وتقاليد متوارثة يحافظ عليها الشعب الفلسطيني وتوجد عادة قديمة توارثوها عبر السنين والعقود وهي "فقدة رمضان"، وفيها يزور الأب والأخ محملين بالحلويات والهدايا للأخوات والخالات والعمات المتزوجات، تقول فاطمة حماد (60 عام)، "أنه رغم عدم انقطاع الزيارات العائلية، إلا أن للفقدة الرمضانية نكهة مميزة، وخاصة أنها تعتبر نوع من أنواع العبادة، لوجود صلة الرحم ورسم الابتسامة على وجه الامرأة وإضفاء شعور السعادة عند رؤيتها لعائلتها تأتي لزيارتها محملين بالهدايا والحلويات".

تضيف حماد لـ"بنفسج": "في رمضان تكثر العزائم، ومن أهم وأجمل العادات قيام كبير العائلة بدعوة أبنائه للإفطار في أول يوم من رمضان، ورغم الظروف الاقتصادية الصعبة في فلسطين تسعى ربة المنزل لعمل موائد الافطار التي لا تخلو من الأصناف المتنوعة والشهية، حيث تدعى العائلة للإفطار والسهرات الرمضانية وتناول الحلويات، لأن الأيام الرمضانية لا تصح إلا بوجود الجمعات العائلية واللمات المليئة بالفرح والأحاديث الشيقة والمتنوعة".


اقرأ أيضًا: "وحوي يا وحوي": إشراقة الروح يا رمضان


في ليلة القدر التي تصادف السابع والعشرين من شهر رمضان، يتوافد الناس إلى المساجد، وتكون ليلة تكثر فيها الأذكار والصلاة وقراءة القرآن الكريم حتى آذان الفجر، وتمتلئ السماء بالدعوات راجين من الله الاستجابة وتحقيق أمنياتهم.

في آخر أيام رمضان، تزدحم الأسواق في المدن الفلسطينية حتى ساعات متأخرة من الليل، لشراء مستلزمات العيد والاستعداد لاستقبال عيد الفطر، يقول الشاب داود صالح (30 عامًا)، "في الأيام الأخيرة للشهر الفضيل تبدأ الأسواق تعج بالناس، منهم من يريد قضاء حاجاتهم الخاصة برمضان، ومنهم من يتجهزون لاستقبال عيد الفطر، وآخرون لا يكون لديهم هدف الشراء، بل للاستمتاع بالأجواء الرمضانية الليلية، ورغم المجهود المضاعف الذي يبذله الباعة في آخر الأيام، إلا أن للأسواق أجواءها الخاصة والمميزة".

رمضان في نابلس غير

رمضان في فلسطين عادات وتقاليد متوارثة
أجواء رمضان في سوق نابلس

تتشابه العادات الرمضانية في فلسطين، أما في مدينة نابلس فلها ما يميزها عن باقي المدن، وتنفرد بعاداتها الخاصة بها، فيستقبل النابلسيون الشهر الفضيل "بالأخضر والأبيض"، تقول أسيل الخراز لـ "بنفسج": "في أول يوم من رمضان يبدأ الناس بتحضير طعام الفطور بشرط أن يكون أبيض كاللبن المطبوخ أو أخضر كالملوخية، وهي من العادات الثابتة في نابلس رغم توارث الأجيال، بالإضافة إلى ضرورة وجود صحن الحمص الممتلئ بزيت الزيتون الفلسطيني في جميع إفطارات رمضان مهما كان الفطور الذي أُعد".

في اليوم السابع والعشرين من شهر رمضان، يؤدي المصلون طقوسهم في المسجد الحنبلي، بالتهليل والتكبير، وإبراز الشعرات النبوية الثلاث، ويتسابق المواطنون لتقبيلهم باعتبارها رمزًا دينيًا منفردًا لمدينة نابلس.


اقرأ أيضًا: ما لا نريده في رمضان


طيلة أيام الشهر الفضيل وقبل آذان المغرب، تبدأ المساجد في نابلس بالتسبيح والأذكار، وقراءة الآيات القرآنية تمهيدًا للآذان وإعلان بدء موعد الافطار، كما وتشتهر بعادة "الخشخشة" وفيها يبدأ المؤذن عبر مكبرات الصوت في المساجد بإصدار صوت كالخشخشة قبل آذان الفجر تحذيرًا لإنهاء وجبة السحور، والاستعداد للبدء في يوم جديد من أيام الصوم.

 وتقول الفتاة ملاك العواودة لـ "بنفسج": عشت أعوامي في مدينتي الخليل، ولكن منذ انتقالي لمدينة نابلس وأنا انتظر شهر رمضان بكامل الشوق واللهفة، ورغم تشابه العادات بين مدينة الخليل ونابلس إلا أن لنابلس أجواءها المميزة، ومن العادات التي لفتت انتباهي هو الصوت التحذيري الذي يسمى بالخشخشة الذي يصدر قبل آذان الفجر بدقائق قليلة، والعديد من التفاصيل التي جعلتني أشعر أن رمضان في نابلس غير".

العشر الأواخر في نابلس

رمضان في فلسطين عادات وتقاليد متوارثة
في نابلس يودع أهل المدينة رمضان بالموشحات الدينية التي تبث عبر مكبرات الصوت في المساجد

تودع نابلس شهر رمضان بإحياء آخر العشر ليالي منه "بالتوحيشة"، حيث تُرتل عن طريق مكبرات الصوت في المساجد الموشحات الدينية، بنبرات من الحزن على فراق الشهر الفضيل، وبعبارة "لا أوحش الله منك يا رمضان.. يا معدن الخيرات والإحسان"، حيث تضيف العواودة أن "للتوحيشة في رمضان رونقها الخاص في مدينة نابلس، ونتسارع لالتقاط الفيديوهات وسماع التوحيشات مع شعورنا بالغصة لفراق شهرنا الحبيب".


اقرأ أيضًا: بدون نق: سفرة رمضانية في ساعتين فقط!


ينتظر الناس في فلسطين شهر رمضان على أحر من الجمر، فتتوقى نفوسهم للذهاب إلى الصلاة في المسجد الأقصى، إلا أن الأمر لا يخلوا من تنغيصات الاحتلال في محاولاته لمنع المواطنين الصلاة في المسجد الأقصى بسن القوانين والحواجز العسكرية، ولكن يأبى الفلسطينيون الخضوع لقوانين الاحتلال، فيسعون جاهدين للوصول إلى المسجد الأقصى والصلاة فيه.

إن رمضان في فلسطين عادات وتقاليد متوارثة أصيلة فهو له رونق خاص وهو شهر مليء بالقرآن والروحانيات، ويأتي تعويضًا عمّا افتقدناه خلال العام، يعيد شحن طاقاتنا ويقربنا من الله تعالى، وتحافظ فلسطين على عاداتها وتقاليدها المتوارثة عبر الأجيال، ليبقى ما يميزها ويثبت هويتها على مدار الأعوام.