بنفسج

عن تجربتي في الحركة الطلابية

الخميس 18 مايو

ألتفت إلى الوراء بعد ما يزيد عن خمسة عشر عامًا من تخرجي في جامعة بيرزيت، وبيرزيت لم تكن تعني الجامعة والمنظومة الأكاديمية، بقدر ما تعني حدًا فاصلًا في حياتي، فلا أبالغ حين القول "ما قبل بيرزيت وما بعدها". التحقت ببيرزيت، وأنا ابنة القرية، وخريجة مدرسة حكومية، وبيئة اجتماعية وثقافية مكتسبة من محيط محافظ.

أذكر محاضرتي الأولى في اللغة الإنجليزية، وكنت قد استطعت الحصول على علامة عالية في امتحان المستوى، خولتني الالتحاق بصف يرطن الإنجليزية بلهجة أميركية غير مفهومة، وهم خريجو مدارس خاصة. لا أخفيكم عن شعوري حينها، كادت دقات قلبي تسمعها كلية الآداب. كنت أخاف التفاعل في الحصة، والمشاركة في النقاش، والإجابة عن سؤال أعلم إجابته. كنت أكتفي بساندويشة الحمص من "كافتيريا العم أبو أحمد" بدلًا من وجبة لذيذة من كافتيريا "المجمع" المركزية حتى لا أواجه جموعًا كثيرة، وحشودًا لا يتسع لها عقلي.

في سنتي الثانية تغيّر كل هذا وتغيرت أنا، شعرت بأنني استعدت نفسي وهدأت؛ لما لا أتكلم باللهجة الفلاحية، ماذا في ذلك.. ماذا إن تكلمت الإنجليزية على الطريقة العربية المضحكة، ماذا إن ذهبت لتناول الغذاء في الكافتيريا المركزية وصديقاتي... ماذا إن شاركت في النشاطات الطلابية التي أذهلتني منذ اللحظة الأولى لدخولي الجامعة خلال مهرجانات استقبال طلبة سنة أولى.

والسبب في ذلك نفسي بحت، ربما كنت أخجل من لهجتي الفلاحية، وربما كنت أتقي منافسة زملائي القادمين من مدراس أميركية، وربما لأنني ببساطة أجرب للمرة الأول بيئة مختلطة تحتمل النقاش، فيها من كل الفئات، والتوجهات، وأشكال اللباس، ولهجات الكلام، وأكثر من ذلك. في سنتي الثانية تغيّر كل هذا وتغيرت أنا، شعرت بأنني استعدت نفسي وهدأت؛ لما لا أتكلم باللهجة الفلاحية، ماذا في ذلك.. ماذا إن تكلمت الإنجليزية على الطريقة العربية المضحكة، ماذا إن ذهبت لتناول الغذاء في الكافتيريا المركزية وصديقاتي... ماذا إن شاركت في النشاطات الطلابية التي أذهلتني منذ اللحظة الأولى لدخولي الجامعة خلال مهرجانات استقبال طلبة سنة أولى.

تسارعت حياتي الجامعية حتى سبقتني، إذ أصبحت عضو مجلس طلبة في دورة 2004-2005، سكرتيرة عن اللجنة الاجتماعية، بعد المرور بمرحلة الحملة الانتخابية الصاخبة، والنشاطات التي تجمع بين الطابع النضالي والنقابي، خصوصًا أننا كنا نمر بمرحلة أعقبت الانتفاضة الثانية، ولم تكن للتتجاوزها من خلال العمليات التي كانت بيرزيت وطلابها جزءًا منها.


اقرأ أيضًا: في بيرزيت: وجوه نسائية في مجلس الطلبة


وجودي في اللجنة الاجتماعية يعني عضويتي في لجنة الجامعة التي يترأسها عميد شؤون الطلبة وعدد من الأساتذة من الكليات المختلفة، نناقش عبرها القضايا والمشاكل التي تواجه الطلاب والأكاديميين والشكاوى التي تُرفع تباعًا، كما أنني كنت مرتبطة بالاستشارية الاجتماعية في الجامعة، نتابع سويًا السكنات الطلابية وننظم زيارات لها، وتساعدني في ذلك لجنتي المكونة من أربعة أعضاء، ونحن بالأساس أعضاء في مؤتمر مجلس الطلبة ومجموعه 51 عضوًا.

وكنا نحن، أعضاء مجلس الطلبة وعددنا 11 عضوًا، ممثلين تمثيلًا نسبيًا يضم الكتل الطلابية جميعها، التي حصلت على مقاعد خلال الانتخابات السنوية، نجتمع بشكل دوري، نناقش الخطط وسير عمل اللجان. ما كان يميز تشكيلة المجلس آنذاك أنني كنت الطالبة الوحيدة من بين الأعضاء، مرشحة عن الكتلة الإسلامية، بالرغم من وجود زميلات وصديقات ذوات كفاءة، ينتمين لحركة الشببية الطلابية والقطب اليساري، وكنت أنتقد ذلك وأطرح الموضوع لنقاشه في جلساتنا الأسبوعية.

في الحقيقة إن أكثر ما يهم بتجربتي في الحركة الطلابية أنها منحتني الوسع، أتقبل الآراء، أتقبل نقدي، أتقبل تيارًا فكريًا، أتقبل غيري بكل بساطة. ورغم أنني كنت أقصّر في حضور محاضراتي، ولا أعيش حياة طالبة جامعية تستريح في "البريك" أو تتمشى في الردهات مع صديقاتها، إلا أنني لا أندم على كل ذلك، ولو عادت بي السنوات لأعدت التجربة ذاتها.

في بيرزيت وانتخاباتها تشعر بأنك تمارس الحرية في مساحتك، تمارسها بكل أشكالها، نرشح، ونقترع، ونناظر، ونطلق حملة انتخابية مذهلة، ونخرج في المسيرات، نزين الجامعة بالأعلام واليافطات والشعارات، نجهز الكلمات والمسرحيات، وننتشر في الساحات لحشد الأصوات، ونقف في اليوم المنتظر، مساءه الذي تحضره فلسطين كلها، يوم يقف عميد شؤون الطلبة معلنًا النتائج، وقلوبنا خافقة. هذا الإحساس يبقى، إذ يخفق قلبي وكأنه الأمس!