بنفسج

"وأصبحت أمًا": حكايا الأمومة بعد طول انتظار

الأحد 04 يونيو

"شو ما في شي جاي بالطريق".. "لسا ربنا ما عوض عليكم يلا لعله خير".. لم تكن تلك الأسئلة سوى ندبات صغيرة تُطبع على القلب، فيبكي بصمت قاتل، لم تكن دموعهن ظاهرة للعيان ولكن رجفة قلوبهن في كل مرة تكون أقوى، يستقبلن فضول الناس بابتسامة بسيطة ولكن الروح تبكي، في كل "يوم أم" من كل عام تصدح الأماكن "ست الحبايب يا حبيبة يا أغلى من روحي ودمي"، فيدك السؤال أوصالهن "يا تُرى هل سنصبح ماما يومًا ما؟ هل هناك أمل؟ سرعان ما يتذكرن قول الحق: "فاستجبنا له"، فيرددن في كل دقيقة "رب لا تذرني فردًا وأنت خير الوارثين".

نعم يُعز على المرء أن ينتظر سنوات وسنوات ليتحقق مُناه، وما عليه إلا اليقين برحمة الله به، يصيبه الهم والغم من نظرات الشفقة في عيون الناس، ومع كل عام انتظار يتجدد الأمل، هناك شيء خفي يخبره أن الخير آت مهما تأخر. هنا سنحكي مع نساء تأخرن بالإنجاب أعوامًا عديدة، يفتحن قلوبهن ليروين مشاعرهن وذكرياتهن، ولحظات اليأس والأمل وجبر الله لقلوبهن.

ألم وفقدان

FB_IMG_1685257329381.jpg
السيدة عائشة حميدات وزوجها وطفلهم مالك برفقة الطبيب الذي أجرى لها عملية الزراعة

السيدة عائشة حميدات، تزوجت في عمر 22 عامًا، فتاة شابة في مقتبل حياتها، متحمسة أن تصبح ماما، ولكن جاءت الصدمة بسرعة بالقول لزوجي "لديك يا أنس مشاكل تمنعك من الإنجاب"، أغمضت عينيها لحظات لكي تستوعب ما قيل، ثم بكت وهي تردد "الحمدلله أنا صابرة"، عام يليه عام ومحاولات العلاج مستمرة والأمل يتجدد، وما عليها إلا الصبر.

تقول لبنفسج بعد صمت ثوان: "كان الانتظار قاسيًا للغاية، كل مرة كنت أخضع لعملية الزراعة أضع يدي على قلبي والقلق يعتريني، قمنا بالزراعة 4 مرات، المرة الأولى فشلت ولم أنس حزني حينها حتى اللحظة، تبخرت أحلامي في لحظة. قلت لا بأس سنحارب مرة أخرى، وفعلناها ثانية واستمر الحمل لأربع شهور ثم أجهضت وفقدت أبنائي الثلاثة، كنت وقتها منهكة نفسيًا وجسديًا جدًا، انتظرنا فترة طويلة لنجرب مرة ثالثة استمر الحمل شهرين ثم أجهضت أيضًا، فكانت الندبة الأكبر في قلبي، حمدت الله وواظبت على دعائي".

تضيف: "وصلنا للمرة الرابعة وكنت قلقة جدًا وزوجي من أن لا يتم الحمل حتى نهايته ونحتضن مولودنا في النهاية بخير وسلامة، دعونا كثيرًا، وفي كل شهر حمل كنت لا أصدق أني وصلت للشهر الذي يليه بسلامة، لم أكن أفعل شيئًا سوى الراحة التامة والانتظار، حتى وصلت إلى الشهر الأخير، لم أكن أستوعب: هل حقًا سألمس طفلي الأول بعد كل تلك الأعوام، تمت الولادة ومرت بخير، واحتضن زوجي طفلنا مالك ودموعنا تتناثر على الوجه، وكل ما يقوله زوجي "أنا مش مصدق"، وأنا أقول في نفسي "صرت ست الحبايب، ولله الحمد".

لم تكن الاثنا عشر عامًا سهلة، فقد تعرضت فيها عائشة للتجريح ونظرات الشفقة، قيل عنها في ظهرها: "عيشة بتحسد خبوا الولد منها"، وصلها الحديث بعدما غادرت المكان التي كانت فيه، صُدمت من تفكير الناس إلى أي حد وصل وكل ما فعلته وقتها البكاء.


اقرأ أيضًا: وأخيرًا سأعيش ربيع الأمهات


الأب أعظم شخص في حياة ابنته، يهمه همها، ويسعده فرحها، والد عائشة كان الحصن المنيع لها، تردف: "أبوي اشترى سيارة مخصوص عشان يوديني ويجيبني ع الدكاترة وما أتغلب بالمواصلات، قعدني عنده طول فترة حملي بمالك لحد آخر شهر، يدللني وشو ما بدي يعمل، ولما مسك حفيده بين إيديه قال "أنا اطمنت هيك عليك يا بنتي، شاف حفيده وبعدها بمدة توفى الله يرحمه، كان دايمًا شايل همي".

أخبرت مالك عن جده كثيرًا وسأخبره حين يكبر عن المعاناة التي عشناها أنا ووالده ليأتي هو لدنيانا ليضيف لبيتنا الساكن رونق وروح، ها هو يشاكسنا كثيرًا، ونحن ندلله أكثر ،كيف ولا وهو أول فرحتنا بعد سنوات عجاف.

تسع محاولات للإنجاب

بثبات وهدوء تخبرنا مريم عن المرة الأولى التي أوشكت أن تصبح ماما فيها، ولكن بعد فترة وجيزة فقدت طفلها الأول، بعدما رسمت في خيالها صورته وشكل عينيه ولونهما، فكانت الصدمة الأقوى خلال المرات التسع. في ما بعد دربت قلبها على الثبات، تقرأ سورة مريم والأنبياء وتُذكر نفسها بقصة سيدنا زكريا، وتردد الأدعية بغية أن يرزقها الله شعور الأمومة.
 
زوج مريم وعائلته وعائلتها كانوا السند الدائم لها، يدعمونها باستمرار، ولولا دعم الأحبة لما كرروا محاولات الإنجاب لتصل التسع. لم تستطع مريم أن تصف فرحتها وزوجها بابنتهم الأولى، رفض زوجها فور ولادتها أن يضعها بين أحضانه رهبة وخوفًا عليها.

لم تختلف السيدة مريم ريحان عن قصة عائشة، فكلاهما نموذجًا للمرأة المحتسبة الصابرة، تقول مريم: "14 عامًا ونحن نحاول الإنجاب، تسع محاولات ولم نمل. صُدمت في بداية زواجي حينما علمت أن لدي مشاكل تمنع الإنجاب، ولكن زوجي دعمني بكل حب، أصاب باليأس فيعطيني دفعة معنوية تشحن طاقتي من جديد".

في عداد العمر هي  14 عامًا من الانتظار لكن في نظر المبتلى أكثر بكثير، كانت السنوات تمر على قلب مريم كالجمر، وحلم الأمومة يكبر في روحها، احترفت الصبر وتعلمته من تجربتها، حتى رزقها الله بوفاء بعد عمر كامل من الصبر.

"أسميناها وفاء تيمنًا بجدتيها فهما تحملان نفس الاسم"، احتفظت بكل الحقن التي أخذتها خلال حملي بوفاء، وبتحليل الحمل الخاص بها، ستظل بجعبتي حتى تكبر ابنتي وأخبرها عن السنوات بدونها كيف كانت، وكيف صارت بعدما أنارتها بوجهها".

بثبات وهدوء تخبرنا مريم عن المرة الأولى التي أوشكت أن تصبح ماما فيها، ولكن بعد فترة وجيزة فقدت طفلها الأول، بعدما رسمت في خيالها صورته وشكل عينيه ولونهما، فكانت الصدمة الأقوى خلال المرات التسع. في ما بعد دربت قلبها على الثبات، تقرأ سورة مريم والأنبياء وتُذكر نفسها بقصة سيدنا زكريا، وتردد الأدعية بغية أن يرزقها الله شعور الأمومة.


اقرأ أيضًا: أوراق محب: أزمنة العيش في أروقة أمي


زوج مريم وعائلته وعائلتها كانوا السند الدائم لها، يدعمونها باستمرار، ولولا دعم الأحبة لما كرروا محاولات الإنجاب لتصل التسع. لم تستطع مريم أن تصف فرحتها وزوجها بابنتهم الأولى، رفض زوجها فور ولادتها أن يضعها بين أحضانه رهبة وخوفًا عليها.

طوال الأعوام الماضية لم تسلم مريم من أسئلة الفضولين: "ليش ما بتنجح كل هالزراعات؟ مش خسارة على الفلوس بدكم تضلوا تدفعوا؟ كانت الأسئلة تجلدها ولكنها كانت تتخيل لحظة جبر الله فتبتسم، وها هو الله عز وجل قد أكرمها في الثاني والعشرين من نيسان/أبريل من العام الجاري بطفلتها الأولى التي صارت وردة البيت منذ مجيئها.

اختبار الصبر

أما قصة السيدة آية عجوري فمختلفة عن سابقتيها، فهي لم تنجب عن طريق زراعة الأنابيب، بل كان حملها طبيعيًا، ولكن يشاء الله أن يتوفى أطفالها قبل أن تأخذهم في أحضانها، تقول: "في بداية زواجي أصابتني وعكة صحية في المعدة، فأصر عليَّ زوجي أن أذهب للطبيبة للاطمئنان بأن كل شيء على ما يرام، فاجأتنا الطبيبة أثناء الفحص بخبر حملي، سعدت للغاية بالخبر المنتظر، وفي الشهر السادس، وبعد أن جهزت العائلة للمولود كل شيء، عانيت من ألم مبرح في البطن فركضت نحو المشفى ليخبروني أنني في حالة ولادة مبكرة، وضعت يدي على قلبي، وشاء الله أن أفقد طفلي الأول دون سبب طبي واضح".

أما قصة السيدة آية عجوري فمختلفة عن سابقتيها، فهي لم تنجب عن طريق زراعة الأنابيب، بل كان حملها طبيعيًا، ولكن يشاء الله أن يتوفى أطفالها قبل أن تأخذهم في أحضانها، تقول: "في بداية زواجي أصابتني وعكة صحية في المعدة، فأصر عليَّ زوجي أن أذهب للطبيبة للاطمئنان بأن كل شيء على ما يرام، فاجأتنا الطبيبة أثناء الفحص بخبر حملي، سعدت للغاية بالخبر المنتظر، وفي الشهر السادس، وبعد أن جهزت العائلة للمولود كل شيء، عانيت من ألم مبرح في البطن فركضت نحو المشفى ليخبروني أنني في حالة ولادة مبكرة، وضعت يدي على قلبي، وشاء الله أن أفقد طفلي الأول دون سبب طبي واضح".

لم تعش آية حزنها كما يجب أن يكون، تلقت عبارات الدعم والمواساة ولم تعيش الحزن بكل حذافيره، وهذا ما أصابها بنوبات هلع في حملها الثاني، خافت أن يحدث ما حدث معها في المرة الأولى ثانية، فأخبر الطبيب زوجها بأنها تعرضت لصدمة نفسية كونها لم تفرغ مشاعرها جيدًا، فخرج الكتمان التي عانت منه على شكل نوبات خوف.

IMG-20230601-WA0013.jpg
السيدة آية العجوري برفقة زوجها وطفلتهما بتول وطفلها الثاني علي

في المرة الثانية تكرر سيناريو المولود الأول، وقتها انكسر قلب آية وجلست تبكي طويلًا، أزال زوجها كل مقتنيات المولود الأول قبل التجربة الثانية لكنها أخفت حذاءً من الصوف بين ملابسها وظلت محتفظة به. كلما ضاقت بها الدنيا؛ أخرجته لتحتضنه وتبكي بكاء المجروح جرحًا لا يشفى، بعد خمس سنوات ومن بعد محاولتين، شاء الله أن تحمل بالمولود الثالث وهنا طلبت آية من العائلة أن لا يشتروا أي شيء للطفلة التي في أحشائها إلا بعد الشهر السابع، وبالفعل هذا ما حدث.

تقول بصوت يملأه اليقين: "كنت أقرأ سورة البقرة طوال حملي الثالث وأدعو الله بأمل ورضا، علمت أنني أحمل في أحشائي طفلة فاتفقنا على تسميتها بتول، كنت أنتظرها بفارغ الصبر، وفي يوم من أيام شهري السادس أصابني وجع عنيف، لم أستوعب حينها: هل سأفقد طفل للمرة الثالثة، بكيت وذهبت للمشفى ليخبروني أنني حالة ولادة رفضت تمامًا المكوث أكثر، وخرجت على مسؤوليتي الشخصية وذهبت لطبيبي الخاص وإذ به يخبرني أن الألم طبيعي، بقيت أدعو أكثر لبتول أن تأتي بخير وصحة دعوت لها بحسن الخُلق، حتى دخلت الشهر السابع بشق الأنفس وهنا وكأن جبلًا انزاح عن صدري، فبدأت العائلة بجلب ملابس للبتول بفرحة وهناء".


اقرأ أيضًا: بعد سنوات من الانتظـــار... أهلا يا "ماما"


تكمل: "بعد عناء وألم كبيرين أصبحت ماما، فعاهدت نفسي أن أربي ابنتي كما أردت دائمًا، التربية الإسلامية الحقة، وها هي تبلغ من العمر عامين ونصف العام، وأنجبت بعدها شقيقها علي، والآن أصبحت ماما لطفل وطفلة، أسأل الله أن يكونا صالحين".

في ليالي الحزن الطويلة كان ركن آية الدافئ زوجها، يساندها ويدللها، تصفه على الدوام بالخلوق التقي، وتجزم أن لقاءهما كان الصدفة الأجمل في حياتها، تختم حديثها لبنفسج: "دايمًا كان بظهري كل ما بكيت بكون جنبي، كل ما تعبت بساعدني بكل شغل البيت ولا مرة ضعف، كنت بستمد القوة منه".