بنفسج

مفتاح الأبوة الناجحة: الحزم يعلم الانضباط

الإثنين 24 يوليو

سألته عن سبب حزنه؟ قال: إن أبي رجل متسلط. سألته: لم رميته بتلك الصفة، هل يضربك؟ قال: لا ولكنه يتدخل في أموري كثيرًا. قلت: وهل يجبرك أن تفعل ما يريد؟ قال: لا، يناقشني ويقنعني بقراره، فأشعر أنه فعل ما يريد وإن كان بإرادة مني.

من هنا بدأت أشرح له الفرق بين أن يكون أبوه رجلًا متسلطًا، أو أن يكون حازمًا في نظره، وقلت: يا عزيزي الأب الحازم هو أب قوي؛ لا يبتّ في أمر إلا بعد نظرة مطولة وتفكير عميق، وإن طلب منه تبرير قراره، لا يتردد في ذلك، وإن وجد خطأ في قراره، يظهر مرونته دون العودة عن القرار. إن الأب الحازم لديه الكثير من المهارات العقلية التي تجعله يتوقع النتائج، ولا يهمه الانتصار لذاته، لكنه يسعى للانتصار في تحقيق مبادئه وقناعاته، والأهم أن علاقته بمن حوله تكون صحية يملؤها الحب؛ لأنه يجمع بين الهدوء والحيوية والضبط.

ما الفرق بين الأب المتسلط والحازم؟

الأب المتسلط، هو من سعى للانتصار لذاته، وإن بحثنا عن مبادئه لن نجدها، وإن تصالح معك تركك تفعل ما تشاء، ولو كان يتنافى مع مبادئه التي يدعيها، أما إن اختلف معك تحكم بأمرك ورفض كل شيء. إن الأب المتسلط لا يكلّف نفسه عناء شرح قراراته، ولا يتراجع عنها أبدًا وإن كان على خطأ، بل قد يصل به الحال لاستخدام العنف للانتصار لذاته وتنفيذ قراراته، فتسوء علاقته بمن حوله وتسود فيها الضغائن، فهو لا يملك سوى الغضب والعنف.

أما الأب المتسلط، فهو من سعى للانتصار لذاته، وإن بحثنا عن مبادئه لن نجدها، وإن تصالح معك تركك تفعل ما تشاء، ولو كان يتنافى مع مبادئه التي يدعيها، أما إن اختلف معك تحكم بأمرك ورفض كل شيء. إن الأب المتسلط لا يكلّف نفسه عناء شرح قراراته، ولا يتراجع عنها أبدًا وإن كان على خطأ، بل قد يصل به الحال لاستخدام العنف للانتصار لذاته وتنفيذ قراراته، فتسوء علاقته بمن حوله وتسود فيها الضغائن، فهو لا يملك سوى الغضب والعنف.

أذكر قول إحداهن: "إن تصالحت مع أبي يتركني أذهب إلي أي مكان أُحب، وإن كنت سأذهب إلى صالات الرقص، وإن اختلفنا منعني من كل شيء، وإن كنت سأذهب إلى الصلاة في المسجد". وأذكر قول أخرى: "إن أبي دائمًا ما يقول حين تعاتبه أمي على ضربه وتعنيفه لنا، إن الغاية تبرر الوسيلة وأنا أسعى لجعلهم يتعلمون من أخطائهم، ويعرفون أن طاعة الأب واجبه".

وهنا سنتحدث عن صفات الأب الحازم، وكيف نستفيد منها لنكون آباءً وأمهات يومًا ما. اسمعوا معي هذه القصة، فقد جاء في سيرة عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - أنه وصل إلى أمير المؤمنين عمر - رضي الله عنه -، أقمشة من اليمن، فأعطي كل رجل من المسلمين قطعةً تكفي ثوبًا واحدًا، ثم أخذ نصيبه ونصيب ولده عبد الله وخاطه ولبسه.


اقرأ أيضًا: التدليل الزائد أو الحماية المفرطة: [7] أخطاء تربوية شائعة


فلما صعد عمر المنبر ليخطب في الناس، وقال: "أيها الناس اسمعوا وأطيعوا"، قام إليه رجل من المسلمين وقال: "لا سمعًا ولا طاعةً"، فقال عمر: "ولم ذلك؟". فقال: "لأنك استأثرت علينا"، قال عمر: "بأي شيء؟". قال الرجل: "لقد أعطيت كلًا منا قطعة من القماش، تكفي ثوبًا واحدًا، وأنت رجل طويل، وهذه القطعة لا تكفيك، ونراك قد خيّطه قميصًا تامًا، فلا بد أنك أخذت أكثر مما أعطيتنا".

فالتفت أمير المؤمنين إلى ابنه عبد الله، وقال: "يا عبد الله أجبه عن كلامه"، فقال عبدالله: "لقد أعطيته من كسائي ما أتم به قميصه"، قال الرجل: "أما الآن فالسمع والطاعة" .

كيف نتعامل مع الأب الحازم؟

original.jpg
إن كان لديك أب حازم تعلم من الاستقلالية وحاوره وأساله بكل شيء

هذا الموقف أثبت لنا حزم عمر، فلو كان أبًا متسلطًا، حين تمالك نفسه أمام قول الرجل لتحسين صورته، لغلب على ولده العنف في رده، وكان هذا عمر الذي عرف عنه الشدة والقوة، الذي قال له رسول الله - صلى الله عليه وسلم -:"إن الشيطان ليفرق منك يا عمر!". وهنا سنبدأ خطواتنا للتعامل والتعلم من الأب الحازم، كما تعلم عبد الله من أبيه عمر:

| حاوره دائمًا، واسأله عن كل شيء، وناقشه.

| تعلّم منه متى وكيف تقول لا. تعلّم من خبراته التي مر بها لتتخطى أخطاءه فهو فرصتك إلى التقدم.

| تعلّم منه ضبط النفس والانضباط معها ومع الآخرين. تعلّم منه احترام الآخرين والوضوح معهم؛ فالتلون يدنس العلاقات.


اقرأ أيضًا: آباء وأبناء مشغولون: عن إمكانات التنشئة المتأنية


| سيعلمك أباك الحازم الاستقلالية في العقل والإرادة؛ فتعلّم منه الدرس جيدّا.

| تعلّم منه سعة الأُفق والطموح وتعلّم منه التوازن بمعنى الاستقرار بين طرفين متطرفين، مثلًا أن تكون متوازنًا بين مثاليتك وواقعيتك.

| تعلّم منه ألا تأخذ الخلافات بشكل شخصي لترى حقيقتها.

| تعلّم منه المرونة الحازمة كيف؟! بأن تعود عن قرارك الخاطئ دون أن يلاحظ الآخر.

| تعلّم أن الصراحة ليست كل ما تؤمن به، ولكن أن تؤمن بكل ما تقوله.

 
 
الأب الحازم هو أب قوي؛ لا يبتّ في أمر إلا بعد نظرة مطولة وتفكير عميق، وإن طلب منه تبرير قراره، لا يتردد في ذلك، وإن وجد خطأ في قراره، يظهر مرونته دون العودة عن القرار. إن الأب الحازم لديه الكثير من المهارات العقلية التي تجعله يتوقع النتائج.
 
 ولا يهمه الانتصار لذاته، لكنه يسعى للانتصار في تحقيق مبادئه وقناعاته، والأهم أن علاقته بمن حوله تكون صحية يملؤها الحب؛ لأنه يجمع بين الهدوء والحيوية والضبط.

| تعلّم منه المواجهة بشجاعة والمرح المتوازن.

| تعلّم منه أن تكون صاحب بصمة.

| تعلّم منه الكرم والعطاء وألا تكون أسير ما تملك.

| تعلّم منه التعامل بالفضل والعدل معًا.

| تعلّم منه كيف تخوض معارك الحياة.

وختامًا، إن أمك وأباك يحبانك في كل أحوالك وإن لم يستطيعا التعبير عن حبهما بالقول، وما داموا داخل إطار السواء النفسي، فهما أكثر من يحبك في العالم حبًا غير مشروط، وإن اختلفتم في وجهات النظر، فلا تبتئس ولاحظ وناقش وتعلّم لتُقرب المسافات.