بنفسج

المرأة تحكمها الهرمونات.. الحقيقة غير كاملة

الأربعاء 26 يوليو

أنتن الفتيات عاطفيات" جملة سمعناها كثيرًا، ثم تطور الأمر وصرنا نسمع "المرأة كائن هرموني تحكمه الهرمونات" قاصدين بذلك مزاجنا المتقلبَ وقابليتنا للحزن فجأة، ثم الانقلاب إلى شعور آخر فجأة أيضًا. هل ذلك صحيح بالكلية أم أنه خاطئ بالكلية؟ برأيي ما يُقال حقيقة، لكنّها حقيقة مبتورة ومقتطَعَة من سياقها، لذا أحببت أن أشارككِ النقاش حولَ هذه المقولة، وأنا إذ أناقشها بالمقارنة بيننا وبين الرجال؛ فحريٌّ بي منذ البداية التوضيح بأنّني أتحدث عن طبائعنا النسائية وطبائعهم الرجولية، وليس في ذلك أيّ منقصة، فطبيعتنا جزء من تكويننا، والفروق بين جنسينا حقيقة مهما مُيِّعَت هذه الفروق حاليًا. وخلال النقاش سأحاول الإحاطةَ بالموضوع بحيادية، ولن أقارن إلّا لأنّ الأمور تتوضح بمعاكساتها وليس لإحداث هجوم مضاد.

هل نتخذ القرارات بالهرمونات حقًا؟

لا شكّ أنك سمعت المقولة التي تُسأَل فيها فتاةٌ ما: بمَ اتخذت هذا القرار؟ بعقلك أم بقلبك؟ فتجيب: بهرموناتي! فهل نتخذ قراراتنا بهرموناتنا حقًا؟ ولماذا تتحكم الهرمونات بحياتنا أصلًا؟ مرور الفتاة بفترة الحيض شهريًا مجرد مرور الفتاة بفترة الحيض وخروجها منها بتواترٍ متتابع كل شهر يؤكدُ أن هناك تغيرات هرمونية تحدث. وبعيدًا عن الجانب العلمي، إلا أنّ التغيرات تحدث، وقد ثبتَ أن المزاج الأنثوي يتقلب قبل هذه الفترة.

لا شكّ أنك سمعت المقولة التي تُسأَل فيها فتاةٌ ما: بمَ اتخذت هذا القرار؟ بعقلك أم بقلبك؟ فتجيب: بهرموناتي! فهل نتخذ قراراتنا بهرموناتنا حقًا؟ ولماذا تتحكم الهرمونات بحياتنا أصلًا؟ مرور الفتاة بفترة الحيض شهريًا مجرد مرور الفتاة بفترة الحيض وخروجها منها بتواترٍ متتابع كل شهر يؤكدُ أن هناك تغيرات هرمونية تحدث. وبعيدًا عن الجانب العلمي، إلا أنّ التغيرات تحدث، وقد ثبتَ أن المزاج الأنثوي يتقلب قبل هذه الفترة، كما أن بعض الفتيات تواتيهن شراهة للطعام وأخريات يفقدن الشهية، هذا إن لم نتكلم عن الألم الكفيل بإفساد المزاج حتى لو كان في الأساس رائقًا.

الأمومة والحمل والإنجاب فترة حافلة بالتجارِب الجديدة جدًا بالنسبة لمن تحمل أول مرة، وحتى بالنسبة لمن جربت الحمل، فهو لا يكون ذاته كل مرة، وهذه التجربة شأنُها شأنُ الحياة نفسها، مليئة بفرح وحزن وتوتر وقلق، فيها جانب سعيد، لكنّ فيها الكثيرَ من الكآبة، النعاس، الخوف على الجنين، الإرهاق، الشعور بالذنب، حتى لو كان شعورًا خاطئًا فكثيرات يشعرنه بشكل غير إرادي، ربما لقلقهنّ حول ما إذا كُنّ أمهات جيدات، أو كنّ سيؤمِّنّ للطفل حياة كريمة لائقة، أو قلقهن بشأن أشقائه الأكبر منه وكيفية تأثرهم بالحدث، فرغم أن الأمومة من أعظم الأحاسيس، لكنّها حملٌ ثقيل من المسؤولية، وتترافق هذه المشاعر المتغيرة بتقلّبات حقيقية في الهرمونات، قد تزيد الحالة النفسية تغيُرًا وتجعل من الحامل أو الأم متقلّبة المزاج.


اقرأ أيضًا: "فسيولوجيا" المرأة: اعتن بنفسك في فصولك الأربعة


لهذه الأسباب وغيرِها نرى أن طبيعة الفتاة وأصلَ تكوينها يعرِّضها لتقلّباتٍ لا بدّ أن تمرَ بها ما دامت أنثى، وليس ذلك ذنبًا ارتكبته، كما أنه ليس ظلمًا واقعًا عليها، إنما يتعلق بالدور الذي أُعدَت لأجله في الحياة، ورغم ذلك، لم تكتمل الحقيقة التي أود الإشارة إليها بعد، وفي البند التالي ستتكشّف أكثر.

عن سيطرة الهرمونات

الإنسان بشكل عام وبجنسيه معرَضٌ لتحكُم الهرمونات فيه: ما ننسى أن نقولَه، عندما نتهم الفتيات بأن الهرمونات تتحكم بهنّ، هو أن الإنسان، بجنسيه، وبكل مراحله العمرية معرَضٌ لتأثير الهرمونات على حياته؛ فالطفل ينتقل من الطفولة إلى المراهقة وسط فورةٍ من الهرمونات، تجعل هذه أكثر مراحل حياته حساسية، والمُسنّ تتغير طبيعة عيشِه، تتراجع هرمونات لصالح أخرى، ويصبح هشًّا حساسًا.

الإنسان بشكل عام وبجنسيه معرَضٌ لتحكُم الهرمونات فيه: ما ننسى أن نقولَه، عندما نتهم الفتيات بأن الهرمونات تتحكم بهنّ، هو أن الإنسان، بجنسيه، وبكل مراحله العمرية معرَضٌ لتأثير الهرمونات على حياته؛ فالطفل ينتقل من الطفولة إلى المراهقة وسط فورةٍ من الهرمونات، تجعل هذه أكثر مراحل حياته حساسية، والمُسنّ تتغير طبيعة عيشِه، تتراجع هرمونات لصالح أخرى، ويصبح هشًّا حساسًا. وكثيرون وصفوا تلك الحساسية بأنها طفولة ثانية مع اختلافاتٍ عدّة، وكذلك الرجل، ذكورته تدفعه لمزيد من الغضب مقارنة بغيره، وهرموناته قد تتحكم فيه وتحلّي في عينيه امرأةً يفسِد وقارَه بملاحقتها والتحرّش بها لفظيًا أو فعليًا، ولعله ينجر إلى ما هو أخطر من ذلك؛ فيتابع الأفلام السيئة وينخرط في أوساطٍ متسخة، والسبب الرئيسي عندها سيكون الهرمونات.

هذا ما يبدو بالضبط عندما لا نقول الحقيقة كاملة! لكنّ الحقيقة عندما تكتمِل ستُرينا أن الهرمونات مجرد سبب في كل الحالات ومع الجنسين وكل المراحل العمرية، فإما أن ينجرَ الفرد خلفَ هذا السبب ويحوّله إلى تبرير لكلّ ما يفعله، أو يرتقي أكثر نحو أفعال أكثر إنسانية وبعدًا عن الغريزة فيستعمل عقلَه.


اقرأ أيضًا: متلازمة انتظار بدء الحياة... وفقدان "الآن"


لو جئنا للصدق فمن تحكمه الغرائز والهرمونات وحدَها هم الحيوانات، أما نحن فتضيفُ الهرمونات أثرًا، لكنها إذا سيطرنا عليها لا تستطيع وحدَها فعل شيء. خلاصة الكلام السابق هو أن المرأة فعلًا معرضة لتدخل العاطفة والتغيرات الهرمونية في قراراتها، وأن الرجل أيضًا معرّض للأمر ذاته لكن في مواقف مغايرة، ولأنّ مواقف الرجل تتعلق بالغضب وفرض الرأي والمعاندة لإثبات الذات أكثر من تعلقها بالكآبة والحزن والشعور بالعجز، فلم يسبقْ لأحدٍ الإشارة إلى ذلك، واكتفوا بالسخرية من حالِ المرأة، مع أنّ الحالتين جزء من تكوين كلّ جنس ولا يكون كذلك بدونهما.

ما هي تأثير العاطفة والهرمونات؟

new-guidelines-for-mood-disorders-in-primary-care-173.jpg

هل تحكمنا الهرمونات بالكامل؟ مما تحدثناه سابقًا يمكننا الإجابة بأن حكم الهرمونات ليس كاملًا وليس مُطلقًَا، فكيف يكون تأثيرها؟

| تأثِرُ العاطفةُ والهرمونات أكثر في المواقف الأقل جدية: جميعنا نكون أقلّ عقلانية عندما نواجِه موقفًا حياتيًا بسيطًا، أو يوميًا متكررًا ومملًا، هنا قد نسمح للتصرفات الطفولية العاطفية، أو كما يحلو للناس أن يصفوا: قد نسمح لتقلبنا الهرموني أن يتدخل ويحسم تصرفاتنا؛ فنتذمر ونكتئب ونشتكي ونشعر بالوحدة في آخر الليل ونظن أن العالم انتهى، لكننا لا نكون كذلك في المواقف الجدية.

| القرارات المصيرية تخضع للعقل والتفكير والدعاء: هل سبقَ لشخصٍ ما التأثُر بحالته العاطفية غير المستقرة فاتخذ قرارًا بهرموناته فعلًا كما يُقال؟ بالطبع، هذا يحدث، لكنّ الأكثر حدوثًا أو الواجب حدوثه هو ألّا يتخذ الغاضب ولا الحزين قرارًا، وإن اضطر لاتخاذه فعليه الاستعانة بالموثوقين ممن يتمتعون في تلك اللحظة بصفاء ذهني أكبر.

أما عندما ننحّي الحزن والغضب ويصادف أننا بحاجة لاتخاذ قرار مصيري دون تدخِلهما؛ فالقرارات هذه تُتخَذ بتفكير وتمهل ودعاء لله وتسليم بأنه سييسرنا للخير. فإن سمحنا لعواطفنا وطفوليتنا أن تتحكم بمواقف سطحية عابرة؛ فإننا لا نسمح لها أبدًا بالتحكم في حياتنا تحكمًا فعليًا، أو هذا ما يجب أن يكون.

صعوبات قائمة وموجودة لا خلاف عليها، لكنّ معنى حياتنا يكمن في الصبر عليها والاستمتاع بها. ولن يكتمل الأمر إن لم نُشِر إلى الجزء الخاص بالرجل، فهو أيضًا، كثيرًا ما تكون هرموناته وغضبه واندفاعه أسلحة ذات حدّين، إذ أنه بها يدمّر ويهدّد ويسيء، وبها، إذا تحكّم، يرغب بإنشاء الأسرة ويتقرّب من شريكته ويدافع عن أحبته ويغامر ليحقق ذاته ونجاحاته.

| العاطفة والهرمونات بحدّ ذاتها تقدّم فائدة: بالعودة لبداية حديثنا، ذكرْنا أن المرأة تمر بتغيُرات هرمونية وعاطفية كثيرة على مدى حياتها، ولكن عبر هذه التغيرات نفسِها تصبح هي أمًا، وبهذه العاطفة نفسِها تضحّي، عندما تجِب التضحية، (طبعًا دون التصفيق للتضحيات المؤذية)، بهذه العاطفة وبهذه الطبيعة الخاصة بالمرأة تكون معطاءة وقابلة لتقديمِ الحب وبذل الاهتمام والاعتناء بالأسرة ورعايةِ أحبابها.

فالله تعالى لم يخلقنا على هذه الشاكلة عبثًا، حاشاه، ولا تعذيبًا لنا، إنما لكلِّ ما نمرّ به حكمة وسبب ووظيفة نؤديها بالاعتماد عليه، الصعوبات قائمة وموجودة لا خلاف عليها، لكنّ معنى حياتنا يكمن في الصبر عليها والاستمتاع بها. ولن يكتمل الأمر إن لم نُشِر إلى الجزء الخاص بالرجل، فهو أيضًا، كثيرًا ما تكون هرموناته وغضبه واندفاعه أسلحة ذات حدّين، إذ أنه بها يدمّر ويهدّد ويسيء، وبها، إذا تحكّم، يرغب بإنشاء الأسرة ويتقرّب من شريكته ويدافع عن أحبته ويغامر ليحقق ذاته ونجاحاته.


اقرأ أيضًا: عادات لحياة صحية.. الحياة التي تستحقين


| التحكم بالذات والسيطرة عليها هدف من أهداف الحياة: من الأشياء التي ننساها هو أنّ مثل هذه التحديات موجودة لكي توصِلنا في النهاية إلى شخصيات عميقة وسوية بعد ضبط انفعالاتنا والسيطرة على ذواتنا. فالتقلبات والعجز والركون أو الغضب والصراخ والإحباط، كلها موجودة لتختبرنا ماذا نفعل، هل ننساق خلفها ونجعل منهم تبريرات لأخطائنا أم نشّذبهم وننتزع فوائدهم ونلقي بعيدًا بمساوئهم؟

فلعلّ أساس الاختبار كامنٌ هنا، في المحاولة المستمرة لتحسين شخصياتنا والتحكم بها، وإنجاز نجاحات على صعيد نفسياتنا ومهننا وعلاقاتنا على الرغم من صفاتنا السلبية. إزاء كل هذا، قد لا يكون المطلوب التخلص من سلبياتنا بشكل كامل، ولا القضاء على عواطفنا، بل قبولها ومعرفة أنها نقاط تميّزنا إذا لم ننجرف وراءها واستطعنا أخذ أفضل ما فيها وتطويره. هل تتحكم فيكِ الهرمونات؟ أجل، أحيانًا، لكنّ البطولة أنك في أحيان أكثر بكثير تتحكمين أنتِ بها.