الأحد 12 نوفمبر
"أختي استشهدت ولم أستطع حتى أن أحتضنها أو أن أودعها أو حتى أن أقبلها قبلة الوداع الأخيرة قبل دفنها، وهذا حالي وحال كثيرين من العاملين في القطاع الطبي".
أنا الممرضة إسلام حسن 22 عاما من دير البلح بقطاع غزة متطوعة في مشفى النجار منذ اليوم الأول للحرب. في يوم الجمعة الثالث من تشرين الثاني في وقت الظهر هاتفت أهلي، وكان أخر صوت أسمعه منهم صوت أختي الوحيدة فرح ذات العامين والنصف والتي أنجبتها أمي بعد عمليات وعناء كبير.
بلهجتها البسيطة وكلماتها التي تكاد تفهم قالت لي: "أنا أكلت جاجة، وأنا بخير انتبهي على حالك يا إسلام"، وقبيل المغرب تم قطع الإتصال عن غزة بشكل كامل، وجاء خبر في تلك الأثناء عن قصف شديد في منطقة دير البلح، شعرت بغصة شديدة في داخلي وجاءني إحساس أن منزلي بمن فيه تم قصفه، ولكن كذبت شعوري ونفسي ومر يومين دون وصول خبر من أهلي.
في يوم الأحد وأثناء عملي جاءتني رسالة كتب فيها: " والدتك في مشفى شهداء الأقصى، وتعرضت لإصابة في رأسها" ولم تذكر الرسالة أي خبر عن أختي، فاتصلت بخالتي لتخبرني بأن أختي استشهد وتم دفنها. تلقيت هذا الخبر بينما كان بين يدي إصابة لشاب ويحتاج للعلاج، لم أتمالك نفسي وصرخت صرخة واحدة ثم استرجعت الله وأكملت عملي.
لم استطع الوصول لمشفى شهداء الأقصى حتى عصر يوم الإثنين، وهناك لم أجد سوى أمي المصابة وحسرة كبيرة لأني لم أستطع وداع أختي مرة أخيرة. أختي فرح كانت فرحة لبيتنا ولقلبي الذي كان وحيدًا دون أخوات حتى جاءت لتملأ بيتنا بهجة وسعادة، كانت بالنسبة لي ابنة ربيتها بنفسي.
لم ولن أتوقف عن عملي سأظل مستمرة حتى تنتهي هذه الحرب، سأقدم وأبذل كل ما في وسعي لأعالج الناس والجرحى رغم الدمار والآلام التي نعيشها ورغم ما فقدت. أمنتي اليوم أن تحظى والدتي بدعم مادي لإجراء عملية زراعة " أطفال أنابيب" لعل الله يعوضني وأهلي بطفل جديد بالطبع لن يملأ أي شيء مكان فرح ولكن حتى لا أظل وحيدة في هذا العالم دون أخ أو أخت.