قصص الصداقات دافئة جميلة حلوة، تتميز حتى عن علاقة الإخوة في البيت الواحد. يكبر الأصدقاء معًا ويفضون لبعضهم بأسرار لا تفشى إلا بينهم، قلوبهم كحيطان البيت تغلق على بعضها، تسندها، وتدعمها. الصديق لا يقول لك أنك فشلت إذا خضت تجربة لم تنجح بها، بل يقول لك: كم أنت شجاع في هذه المحاولة… هيا بنا لمرة أخرى ونخوضها سويًا...
حتى الأحزان بين الأصدقاء يتحدثون عنها وهم يضحكون، ويقول الصديق: لا تبتأس يا صديق فحزننا واحد نتشارك به فيتفرق بين اثنين فيهون… والنجاح والفرح بين الأصدقاء مختلف أيضًا وله نكهة لذيذة راقصة، وسهر الأصدقاء كذلك مختلف فما يفعلونه معا مميز مهما كان بسيطًا… تجوالهم في أزقة الجامعة مختلف كذلك، فكل ممرات الأبنية تعرفهم وهم يسجلون أسماءهم على الحيطان والأدراج… تعلمهم الصفوف التي تهامسوا فيها… وأخيرا؛ تحفظهم الأحلام جيدًا، فكثيرًا ما تحادثوا بها وعرفوها كأنها حقيقة سيعيشونها. فكيف يكون حديث الموت بين الأصدقاء؟
التوقيع: صديقة شهيدة
بهذه المعالم والتفاصيل تحدثت لنا صديقات الحياة والشهادة… بهمس شغوف محب عن الحياة والأحلام ومرهف حزين في حديث الممات… إنه يشبه تهاوي بناء بهي جميل على شاطىء من شواطىء غزة، يشبه انهيار جامعة ضخمة خرّجت الآلاف، يشبه طبيبًا شهيدًا لا زال تلميذا مقيما في مستشفى الشفاء العظيم… يشبه مواليد جددًا تمسكوا بالحياة لأيام حتى انقطع عنهم الأكسجين…
روعة حسّونة، صديقة حنونة محبة فقدت صديقتها ملاك الحلو… اسمك كامل يا ملاك، دال عليك، تقول صاحبتها:
عُرِفت ملك بين صديقاتها في الجامعة بابتسامتها الجميلة وجمال روحها.. كنا نتشارك كل شيء، حتى الكفّات في الشتاء، في وقت البرد.. أعرفها وتعرفني منذ الصف الرابع. شجعتني ملك على السفر إلى مصر لمواصلة دراستي بعد تردد.. شجّعتي ودعمتني ووقفت إلى جانبي!نزحت الشهيد ملاك مع عائلتها من منزلها إلى مكان اعتقدوا أنه آمن، لكن بتاريخ 30/10/2023، وفي تمام الساعة 11:23 مساءً، قصفت الطائرات الحربية الإسرائيلية المكان الذي كانوا يقيمون فيه، تاركة لي كل هذا الألم والغياب.
وهذه إنياس أبو حرب تقول حالمة في هذا الكابوس الذي حرمها من صاحبتها: حبيبتي نورا صحبة الكل...صاحبة أحلى ضحكة ممكن تشوفوها.. كانت تضحك، أكون بآخر الجامعة وأعرف انها ضحكة نورا. نورا كتير بتحب اللبس ودايما لابسة آخر موضة هي وأولادها..هي ماما كتير حنونة وكان بدها ولادها يكونوا أحسن ناس بالعالم وحطتهم بأحسن مدرسة..بس الاحتلال قتل حلمها وقتل أولادها وزوجها، وضل ابنها الكبير شاهد على جريمة قتل عيلتهم.. الله يرحمك يا نورا.. قتلها الاحتلال في 7 ديسمبر 2023.
للشهيدة نغم أبو شاويش، قصة انتهت قبل الهدنة..تقول صديقتها: نغم استشهدت في قصف منزل جيرانهم في مخيم النصيرات مع والدتها، في آخر ساعة قبل بداية الهدنة. نغم مش مجرد رقم، نغم كانت إنسانة طيبة ودكتورة شغوفة، ملتزمة ومليانة طموحات واحلام.. كانت في السنة الرابعة في تخصص طب الأسنان، من جامعة الأزهر في غزّة". تذكروها وادعولها. نغم مش مجرد رقم.قتل الاحتلال صاحبتي يوم 24 نوفمبر ..
وهذه سارة عاشور، تصف صديقتها لينة أمين:لينة فتاة هيّنة ليّنة طيّبة خفيفة على القلب، ذات وجهٍ سمِح وقبولٍ مريح، ما إن جلست مقابله حتى أفصحت عن كل أسرارك دون أن تشعر..ترى في عيون لينة الحلم، الأمل، الرجاء، حتى أنها لم تكن تصدق أنها تعيش هذه اللحظة آلتي انتظرتها وعائلتها طوال حياتها.
اللحظة التي بعيون لينة سيبدأ فيها تحقيق الأحلام. كانت تحلم بأن تنهي دراستها بكلية تكنولوجيا المعلومات وتدخل سوق العمل وتتفوّق وتستقل ماديًا.. أحلامها مُبهرة على بساطتها، فكلنا كنا شاهدين على بريق عيونها وهي تتحدث عن الflutter الذي تعلمته وأتقنته في فترةٍ وجيزة.لينة التي احتفلت بعامها الجديد قبل عدة أيام تحت القصف، لم تكن تعلم بأنه عامها الأخير، العام الذي قتلت إسرائيل فيه كل أحلامها وآمالها.
رحلت لينة واستشهدت بعد أن قتلها الاحتلال، يوم الاثنين الموافق 4/12/2023، برفقة حبيبها ومدللها الصغير عمر ذو الأربعة أعوام ابن أخيها الذي كان يحلم أن يصير بطلًا خارقًا، وأخاه خالد الرضيع الذي كان ينام في حضنها، وأختها آية المعلمة المحبوبة، وزوجة أخيها سمية الهادئة الحنونة ومخبأ أسرارها، وعمتها أماني وزوجها الذين كانت تحتمي لينة وعائلتها في بيتهم.حتى لحقت بها نور عينها والدتها حتى لا تعيش حسرة فقدانها بعد يومين في العناية المركزة. لينة ليست رقمًا، لينة حياة.
إخلاص كامل كتبت عن صديقتها أنسام أبو وادية،أنسامتي! أنسام حبيبتي كل كلمات الوصف ما حتسعفني إني أوصفك، أنسام الأخت الصديقة الرفيقة الحنونة الداعمة الرَّسامة الحالِمة الرقيقة البشوشة!لم نكن أبدًا صديقات دراسة فقط ،كُنا شريكات في كل شيء.شريكات الفرح، الحزن، النجاح، الأفكار، الأحلام، الآراء، حتى أنّنا شريكات في الشبه والرُّوح! حبيبتي أنسام الخلوقة المؤدبة الراضية المرضية، كنت أحكي عنك لكل الناس اللي حوليّ..
كل عيلتي وكل صحباتي كانوا بحبوكِ من كثر ما حكيتلهم عنك وكلشي قليل بحقك والله…كُنت دائمًا أقلك أنتِ زي النسمة على قلبي!في آخر لقاء بيننا قبل الحرب بيومين قلتلك تعالي نختار ورد الي، خلتيني أختار الورد زي ما بحب وأهدتيني ياه. راح أشتاقلك كتتير يا حبيبة قلبي ونور عيوني أنتِ راح أشتاقلك في كل خطوة بحياتي.الاحتلال أنهى حياة صاحبتي وأحلامها في 3 ديسمبر 2023. هكذا يتحدث الأصدقاء عن بعضهم في الحياة والممات إلى أن يحين موعداللقاء
