بدأت الحكاية، من انزعاج الطفلة "آية" من تقليل معلمة اللغة الإنجليزية من قدراتها اللغوية، فعزمت على إثبات العكس. ولمّا نالت مرادها، طمعت في الاستزادة، فأتقنت ستّ لغات، بدل واحدة، وبعد أن اعتمدت على التعلم الذاتي في اللغات، وجدته طريقًا مناسبًا لها في التعرف على جوانب أخرى تهمّها.
"آية العباسي"، (27 عامًا)، شابة مقدسية درست صناعة الأفلام، والدراسات الإعلامية، مصورة، ومدونة وصانعة أفلام، تتعلم عبر الإنترنت، ومن الطريق ذاته تعيد العلم إلى الآخرين.
| الرغبة ثم التأنّي
تقول العباسي في حديثٍ لـ"بنفسج": "بدأت رحلتي عام 2003م، كنت آنذاك قد تعرضت لمضايقات من معلمة اللغة الإنجليزية التي كانت تصرّ دومًا على التقليل من قدرتي على التحدث بالإنجليزية، لذا في 2004م، قررت أن أتخذ خطوة لتحسين قدراتي بالاعتماد على نفسي".
وتضيف: "بدأت بمشاهدة الأفلام الناطقة بالإنجليزية، وتدوين الملاحظات، واستعمال الكلمات الجديدة في حياتي اليومية، وفي غضون أشهر، صرت قادرة على التحدث بالإنجليزية بطلاقة".
نجاحها في هذا التحدي، دفعها للاستزادة، فتعلمت اللهجات الأمريكية والبريطانية والأسترالية، ثم خرجت من عباءة الإنجليزية، إلى عالم أوسع، حيث لغاتٍ أخرى، تعلّمتها بذات الطريقة التي اتبعتها مع الانجليزية. حاليًا، تتقن العباسي ستّ لغات، هي لغتها العربية الأم، ثم الإنجليزية، والتركية، وثلاث لغات محكية في الهند، وهي: الهندية والأوردية والبنجابية، وما تزال تتعلم اللغتين العبرية والفرنسية.
كيف تختارين اللغة التي ستتعلميها؟ سألتها، فأجابت: "في السابق، كوني كنت في سنٍ صغيرة، كانت الرغبة هي المحرك الأساسي لتعلم أي لغة، لكن بعد عدّة تجارب أدركت أن الرغبة مطلوبة لكنها ليست المعيار الوحيد للاختيار، لذا فأنا منذ عدّة سنوات، أصبحت أتأنّى في ذلك، إذ أثقف نفسي بكل ما يتعلق باللغة التي أفكّر في تعلمها، وأدرس ظروفها، وإن كان لها مستقبل أم لا، فإن لم تكن مهمة، فلا داعي لقضاء الوقت وبذل الجهد فيها".
وعن آلية التعلم، توضح: "بطبعي، لا أركّز على موضوع معين، في وقت محدد، حباني الله بعقل لديه القدرة على المزج بين عدة مجالات في ذات الوقت، لذا أتعلم أكثر من لغة معًا، باستثناء أحيان قليلة، أتفرغ فيها جزئيًا لتعلم تفاصيل معينة في لغة ما، كالكتابة والقراءة".
| أنت القبطان
وتشير إلى أنها اعتمدت على التعلم الذاتي بشكل شبه كامل، وبأسلوب واحد، في كل اللغات التي تعلمتها، فهي لم تستعن بالتعلم المباشر، إلا مرة واحدة عندما التحقت بدورة لتعلم الكتابة، باللغة التركية.
"أنت قبطان سفينتك، أنت المحرك، وأنت الدافع، تُبحر كما شئت، التعلم الذاتي يعتمد عليك أنت فقط، لن يساعدك أحد، أنت فقط من تساعد نفسك، وإذا وقفت عند حدٍ ما، فاعلم أنه لم يوقفك إلا أنت"، بهذا الوصف للتعلم الذاتي، تشرح العباسي سبب اعتمادها عليه، واكتفائها به.
وتستطرد في توضيح الأسباب: "التعلم الذاتي يمنحك السيطرة على وقتك، تتحكم في المدة الزمنية للتعلم، وتحدد أيامه وساعاته، حتى أنك تختبر نفسك، وهنا لا مفر من أن تكون صادقًا مع الذات، كما أنك توفر المال كونك تستعمل ما هو متاح، من تلفاز وهاتف وإنترنت لا أكثر".
وعن نشاطها في تعليم الآخرين عبر الإنترنت، تبيّن: "أفعل ذلك لإيماني بأن الإنسان لم يُخلق عبثا، لذا ينبغي أن يكون له هدف في الحياة".
لم تكن اللغات مكسبًا وحيدا نالته العباسي من التعلم الذاتي، وإنما تعلمت بنفسها أيضًا في مجالات أخرى، منها ما يتعلق بتخصصها الجامعي في صناعة الأفلام والتصوير، بالإضافة إلى هندسة الديكور، وهندسة الحدائق. تقول: "الإنترنت عالم واسع جدا، ومن الخطأ ألّا نستثمره بالطريقة الصحيحة، فالآن أصبح من السهولة بمكان، أن تتعلم أي شيء ترغب في تعلمه، فقط بوجود هاتفك، أو حاسوبك".
الاستثمار الصحيح الذي تتحدث عنه العباسي، لا يعني الاستفادة الشخصية فقط، وإنما تقديم الفائدة للآخرين أيضًا. لذا، فهي تنشر ما تملكه من معرفة عبر الإنترنت، ويتابعها عدد كبير من المستخدمين على مواقع التواصل الاجتماعي. منذ 2010 بدأت بنشر مقاطع فيديو عبر موقع "يوتيوب"، تتطرق فيها لموضوعات مختلفة، اجتماعية، ودينية، وسياحية في فلسطين، ودول أخرى، وكذلك تتحدث عن كتب قرأتها، وتقدم النصائح لمتابعيها في مجالات مختلفة كتطوير لغتهم.
وعن نشاطها في تعليم الآخرين عبر الإنترنت، تبيّن: "أفعل ذلك لإيماني بأن الإنسان لم يُخلق عبثا، لذا ينبغي أن يكون له هدف في الحياة، كما أنني لست من أنصار (ثقافة الأنا)، أنا مع (ثقافة نحن)، وما دامت لدي المعرفة، والخبرة، والمقدرة، فعليّ نشرها لا احتكارها"، لافتة إلى أن: "مشاركة المعرفة تساعد على تطويرها".
| فارسة وكاتبة
من المظاهر اللطيفة في رحلة التعلم والتعليم، أن العباسي تشارك أهلها بعض التفاصيل، فمثلا أخواتها يتحدثن عدة لغات، لذا كنّ يستخدمن اللغات التي يتعلمنها حديثًا في حياتهن اليومية، فيتبادلن الكلام بها، ليتمكنّ من إتقانها. وقد ظهرت معها إحدى أخواتها في أكثر من فيديو تعليمي، وفتحت قناة جديدة على "يوتيوب" متخصصة في هندسة الديكور، تشاركها فيها أمها وأختها.
وعلى ذكر "يوتيوب"، تذكر العباسي أنه يستحوذ على اهتمامها، وأنها ترغب بالتعمق فيه ليكون مجال عملها في السنوات القادمة، موضحة: "في المقاطع التي أنشرها، أكون أنا الكاتبة والمخرجة والمصورة والمنتجة، وهذا أكثر ما يعجبني في (يوتيوب)، أن أكون رئيسة نفسي".
بعيدًا عن اللغات، و"يوتيوب"، العباسي، قارئة جيدة، تستمد ثقافتها من الكتب، وهي رياضية ماهرة، فازت أكثر من مرّة في بطولات للفروسية في عدّة دول، فهي تمارس هذه الرياضة منذ 12 عامًا، وتلعب "التنس" أيضًا، وتمارس "اليوغا"، وهي متطوعة تشارك في أعمال تطوعية في فلسطين وخارجها، وتؤمن أن التطوع يطور شخصية الفرد ويصقل إنسانيته.
التصوير وصناعة الأفلام بالنسبة للعباسي هواية وتخصص، فقد درسته في الجامعة، وعملت مع الكثير من المخرجين والمنتجين، وأول تجاربها الاحترافية في الإخراج كانت في 2010، وعملت في صناعة الأفلام بتفاصيلها المختلفة؛ كالإنتاج والإخراج، وغير ذلك، وشاركت في عدة مهرجانات في صناعة الأفلام.
وقد طرقت باب الإذاعة أيضًا، فعملت مذيعة في إذاعة محلية، في تجربة أحبتها كثيرًا، وترغب بتكرارها. وتستعد العباسي لإصدار كتابها الأول، والذي استوحت فكرته من تطبيق تبادل الصور "انستجرام"، فهو يحتوي على مجموعة من الصور، مرفقة بخواطر كتبتها تعليقًا عليها.
وتبين: "في الكتاب صورٌ لم أُعمِل فكري فيها عندما التقطها، وإنما صورتها لجمالها، من منظور فني فقط، لكن بعد التأمل فيها كتبت خواطر عنها، وكلها ذات معاني إيجابية"، لافتة إلى أنها تخطط من الآن، للكتاب التالي.