بنفسج

وسيلة طعمة.. حكاية 28 عامًا من الانتظار لتحقيق الحلم

الثلاثاء 24 مايو

مثابرةٌ هي، فثمانية وعشرون عامًا لم تقف حائلًا بينها وبين حلمها بإكمال دراستها بعد سنوات من الانقطاع، لتلتحق بالدراسات العليا، فكان لها النفس الطويل والروح المٌجدة لمواصلة المسير نحو تحقيق الحلم الكبير. تجلس معها، فتجدها منظّمة جدًا لا تأبه لكلام المحبطين البائسين، وإنما تشق طريقها بإيمانها الراسخ بفكرتها.

فمنذ أول خطواتها في الماجستير وضعت عنوانًا بل هدفًا تسعى لتحقيقه، بإعداد مادة بحثية حول "الأبعاد القانونية والاجتماعية لإنجاب زوجات الأسرى عبر النطف المهربة"، وكان بالفعل عنوانًا لرسالتها، مما أثار استغراب أستاذها الذي نظر إليها بتعجب، قائلًا: "هذا عنوان رسالة ماجستير؟ أجابت بمنتهى الثقة: "نعم"، لم يقتنع جميع أساتذتها في القسم أبدًا بالفكرة، ولكن ضيفتنا العنيدة نجحت في إقناعهم بعد محاولات عديدة. في هذا الحوار سنتعرف على أم وباحثة، كرست حياتها لأولادها حتى أوصلتهم لبر الأمان، ثم بدأت مشوار البحث العلمي.

عرض جريء

الباحثة وسيلة طعمة، حاصلة على بكالوريوس دراسات إسلامية وماجستير في دراسات المرأة من جامعة النجاح الوطنية، اختارت عنوان رسالة ماجستير جريء وحساس يعالج قضية من قضايا المجتمع الفلسطيني انطلاقا من شعورها بالمسؤولية الاجتماعية.
ثمانية وعشرون عامًا لم تحد عن رأيها وحلمها بنيل درجة الماجستير، ليس حبًا بالشهادة ولكن شغفًا بالعلم.

الباحثة وسيلة طعمة، حاصلة على بكالوريوس دراسات إسلامية وماجستير في دراسات المرأة من جامعة النجاح الوطنية، اختارت عنوان رسالة ماجستير جريء وحساس يعالج قضية من قضايا المجتمع الفلسطيني انطلاقا من شعورها بالمسؤولية الاجتماعية.

تقول لـ بنفسج": "صدقًا لم أعرف في البداية ماذا سأكتب فيها، ولكني مصرة على العمل، كان اختياري صعبًا حيث لم تكن لديَّ أرضية بحثية سابقة، فعكفت على البحث وجمع كل ما كُتب عن زوجات الأسرى والنطف المهربة في ملف كامل ودرسته مرارًا لأبدأ بشق طريقي نحو الهدف".

ثمانية وعشرون عامًا لم تحد عن رأيها وحلمها بنيل درجة الماجستير، ليس حبًا بالشهادة ولكن شغفًا بالعلم، بعد إنهائها للبكالوريوس لم تنقطع عن التعلم وتطوير نفسها، فحصلت على دورات عديدة في التنمية البشرية والعلاج بالطاقة إضافة لدبلوم بعلم الحاسوب. وسيلة كانت تسير في طرقٍ وعرة، فهي أول من تجرأ وبحث في قضية النطف المهربة على الرغم من عدم وجود دراسات سابقة بالموضوع، فكان لزامًا عليها أن تتحمل مجريات الأحداث، والبحث والتحري الشاق للوصول إلى المعلومة.

في أوائل العام 2012 تم تهريب أول نطفة من داخل سجون الاحتلال الاسرائيلي من الأسير عمار الزين إلى زوجته، وكانت نتاجها طفلهم الأول مهند. ثم حذا حذوه العديد من الأسرى ذوي الأحكام العالية. حيث تتم عملية النقل بصعوبة بالغة في ظل انعدام الأدوات والإمكانيات التي تمكّن الأسرى من نقل النطفة بأمان، إضافة إلى التضييق والمراقبة والتفتيش المتواصل، والتنكيل من قبل إدارة السجون الإسرائيلية. ولكن تغلب الأسرى على هذه العقبة وتمكّنهم من تهريب النطف عبر ابتكار الوسائل المختلفة.

فمثلًا، الأسير عمار الزين هرّب نطفته من خلال حبة تمر، حيث وضع بدل النوى كيس بلاستيكي صغير وضُعت بداخله النطفة حتى وصلت للمركز الطبي لزراعتها بسلام، إضافة إلى أن عمليات التهريب تتم أيضًا من خلال حبات الشوكولاتة وكبسولات الدواء. هذه العملية الصعبة تحتاج تقنيًا لأدوات عالية الجودة ودرجة حرارة معينة للحفاظ على النطف، ولكن رغمًا عن الاحتلال، تكلّلت عمليات عديدة بالنجاح.

 | طريق شائكة

أطروحة وسيلة اعتمدت في البحث على المنهج الكمي والنوعي، والاستبيان، وعينة دراستها شملت زوجات الأسرى المحكومين مدى الحياة، إضافة للأسرى ذوي الأحكام المحدودة في شمال الضفة الغربية، إضافة إلى الشخصيات الاعتبارية الذين لديهم دراية وعلم بالموضوع.

تضيف الباحثة لـ "بنفسج": "شرعت بإجراء مقابلات شخصية مع زوجات الأسرى اللواتي تعرضن للتجربة في شمال الضفة الغربية، أقمت علاقات ودّية معهن، تحدثنا عن تجربتهن الشخصية ومعاناتهن كزوجات أسرى، والنظرة المجتمعية لهن كونهن فعلن شيئًا غريبًا عن المجتمع".

أول زوجة أسير تجرأت على هذه الخطوة كانت من طولكرم، المدينة التي تقطن بها وسيلة، حيث سمعت إمام المسجد وهو يُعلن لأهل المدينة قرار الأسير وزوجته. تشرح وسيلة: "تحدثت معهن كصديقة شهدت على الدمعة والبسمة والضحكة، سعدن بي وسعدت بهن، لم يكن أمر الزيارات بالأمر السهل كوني أزور كافة محافظات الضفة، وهذا أمر مرهق في ظل وجود الحواجز".

حين تحدثت السيدة وسيلة عن زوجات الأسرى اللواتي قررن الإنجاب عبر النطف المهربة. بدا صوتها حزينًا للغاية بسبب الإهمال من مؤسسات شؤون الأسرى في التوعية بهذا الموضوع، تقول: "من الضروري وجود جلسات توعوية لزوجات الأسرى الراغبات بخوض هذا التجربة، وعرض السلبيات والإيجابيات، وسؤالها هل لديها القدرة على تربية طفل والإجابة على تساؤلاته مستقبلًا".

| مطبات حياتية

تذكر الباحثة أنها تعرضت لانتكاسات حياتية خلال دراستها الماجستير، حيث توفيت والدتها، وبعدها بأسبوعين، كان عليها تقديم ثلاث امتحانات نهائية والسفر لعائلتها، استطاعت أن تلملم روحها المكسورة، والسير من جديد نحو الهدف وتفوقت بدرجات مرتفعة. خلال مشوارها البحثي أجرت مقابلات مع 27 شخصية من ذوي الاختصاص، وبهمة عالية وإصرار أجرت 6 مقابلات في أسبوع واحد فقط مع شخصيات متنوعة لكل منهم أسئلة مختلفة.

ما النتائج التي توصلت لها الدراسة؟ تجيب وسيلة: "من الناحية القانونية توصلت إلى أن القانون الإسرائيلي يتعمد إصدار قوانين وأحكام جائرة بحق الأسرى الفلسطينيين، أما على الجانب الفلسطيني فتوجد مرونة في القوانين الفلسطينية لتسجيل أطفال النطف المهربة". تكمل ضيفة بنفسج: "أطفال النطف المهربة جميعهم مسجلين في الدوائر الرسمية ولا توجد أية مشكلة بهذا الخصوص، ويوجد إقبال من الأسرى على خوض التجربة بعد تلقي الدعم من المراكز الطبية ووجود الفتوى الدينية التي تجيز الأمر".

تشرح وسيلة أن البعد الاجتماعي بلغ 70%، مما يعني قبول لفكرة الإنجاب عبر النطف المهربة، حيث أن المقبلين على إجراء العملية من ذوي الأحكام المحدودة، والمحكومين مدى الحياة، الإقبال لديهم أقل، إضافة إلى أن الدافع الذي يدفع زوجات الأسرى لاتباع هذه الخطوة هو دافع الأمومة.

أحيانًا كانت تعصف بها لحظات يأس وملل من الضغط الواقع عليها، فتقول لنفسها "شو جبرني على هاد"، فيقول لها أحد أبنائها "إلك 28 سنة بتستني هاللحظة هلأ جاي تتراجعي".

بدا صوت السيدة الطموحة عبر الهاتف فخورًا وهي تروي لنا ما حصل بعد مناقشة دراستها البحثية، إذ تم إصدار فتوى شرعية لخطيبات الأسرى الذي حكم على خطيبها بالسجن المؤبد بإجراء العملية، ويوجد حاليًا حالة في طولكرم تنوي إجرائها. أحيانًا كانت تعصف بها لحظات يأس وملل من الضغط الواقع عليها، فتقول لنفسها "شو جبرني على هاد"، فيقول لها أحد أبنائها "إلك 28 سنة بتستني هاللحظة هلأ جاي تتراجعي".

بعد كل المعتركات التي خاضتها الباحثة وسيلة لحوالي ثلاث سنوات ونيف جاء اليوم الموعود لمناقشة حلم الثمانية وعشرون عامًا. يوم المناقشة؛ التوتر سيد الموقف، وبمجرد بداية حديثها استعادت رباطة جأشها وشرعت تشرح وتبيّن ما توصلت إليه. ضحكة الانتصار عظيمة، تحلق بصاحبتها في فضاء السعادة، أن تنتصري على نفسك وتحققي ما قلل منه البعض هو في الحقيقة أعظم إنجاز. الباحثة العنيدة لم تترك نفسها لمن قال لها يومًا "شو بدك بالعلم بالعمر هاد"، وكانت تردد دائمًا "كن الأول في التحدي والإنجاز، اجعل كل المثبطات طاقة ترفعك لتحقيق الهدف".

| رسالة تصلح لأن تكون رواية

وسيلة أم لأربعة أبناء، أوصلتهم جميعًا لبر الأمان، تقول: "يسعدني أبنائي حين يقولون إنهم فخورين بي، لقد تركت لهم إرث معنوي اجتماعي علمي يظل للأبد".
 
السيدة المنظمة تحسب كل ساعة باليوم أين تذهب، يبدأ يومها فجرًا، لا وقت لها للاستراحة، تمقت الفراغ، حتى وهي تطهو الطعام لعائلتها. تستمع لمحاضراتها بالسيارة، في كل مكان تبحث وتدرس.

ضيفة بنفسج أم لأربعة أبناء، أوصلتهم جميعًا لبر الأمان، تقول: "يسعدني أبنائي حين يقولون إنهم فخورين بي، لقد تركت لهم إرث معنوي اجتماعي علمي يظل للأبد". السيدة المنظمة تحسب كل ساعة باليوم أين تذهب، يبدأ يومها فجرًا، لا وقت لها للاستراحة، تمقت الفراغ، حتى وهي تطهو الطعام لعائلتها.

تستمع لمحاضراتها بالسيارة، في كل مكان تبحث وتدرس. "فدائية تريد الوصول للهدف، رسالتها عبارة عن ذكر يستفاد منها في التخطيط السكاني لفلسطين، تصلح لأن تكون رواية حقيقية طريقتها مذهلة"، هذا تعليق المناقش الخارجي ذياب عيوش للطالبة الباحثة. 

أما تعليق عميدة كلية التربية في جامعة النجاح الوطنية سائدة عفونة: " هذه رسالة دكتوراه وليست ماجستير، يوجد بها كم هائل من البيانات تصلح لأن تكون في كتاب". صوت الباحثة المجتهدة كان سعيدًا وهي تروي لي ما قيل عنها من أساتذة جامعة النجاح وأبنائها وزوجها، فكل لحظات التعب والإرهاق انتهت وسط هذا الكم الهائل من الدعم لها.

حصلت وسيلة طعمة على جائزة "جيرنر" العالمية للأبحاث العلمية من المؤسسة الدولية بالولايات المتحدة الأمريكية على رسالتها: "الأبعاد القانونية والاجتماعية لإنجاب زوجات الأسرى عبر النطف المهربة".
 
حتى بعد انتهاء رحلة الماجستير، لم تتوقف وسيلة عن الدراسة والبحث، فحاليًا تتلقى دورة إعداد مدربين، إضافة للتدريب بالمحكمة للحصول على لقب محامية شرعية.

حصلت وسيلة على جائزة "جيرنر" العالمية للأبحاث العلمية من المؤسسة الدولية بالولايات المتحدة الأمريكية على رسالتها: "الأبعاد القانونية والاجتماعية لإنجاب زوجات الأسرى عبر النطف المهربة"، وذلك قبل مناقشة الرسالة في جامعة النجاح، مما ساعد على إعطاءها دفعة للأمام لإنهاء الرسالة بشكل كامل.

حتى بعد انتهاء رحلة الماجستير، لم تتوقف وسيلة عن الدراسة والبحث، فحاليًا تتلقى دورة إعداد مدربين، إضافة للتدريب بالمحكمة للحصول على لقب محامية شرعية. طموحها لا يتوقف عند حد، شغفها للتعلم كبير للغاية، تفضل التنوع في الدراسة حيث تنوي الحصول على درجة الدكتوراه مستقبلًا، ولكن في مجال آخر ومن جامعة أخرى. تنهي الباحثة العنيدة حديثها بدعوة لكل فتاة ترغب بخوض رحلة الماجستير: "بمجرد تسجيلك في برنامج الدراسات العليا، أنت أصبحت باحثة يجب أن تتقني أدوات البحث العلمي وتؤمني بفكرتك".