بنفسج

إخلاص صوالحة: الأسيرة الصحفية والكاتبة الصغيرة

الجمعة 09 فبراير

"اشتقت لرام الله في المطر، ونفسي أشرب آيس كوفي وأنا أسمع فيروز"...

منذ السابع من أكتوبر ونحن نرقب حالات الاقتحام والخطف والاعتقال بحق الفلسطينيات في الضفة وغزة، وفي محافظات مختلفة، وإننا في "بنفسج"، نحاول رصدها والتحقيق حولها، من خلال التواصل مع المحامين أو أهالي الأسيرات ومحاولة استقصاء حالة الاعتقال والتعرف على وضع الأسيرة، خصوصًا بعد أن ازدادت همجية إدارة السجون اتجاه الأسرى والأسيرات، إذ تضع المنصة جل جهدها في إلقاء الضوء عليهن والتركيز على ظروفهن، حتى يحضرن وتحضر أصواتهن.

وقد بلغت حالات الاعتقال بعد السابع من تشرين الأول/ أكتوبر 2023 أكثر من (5500)، من بينها (355) طفلا، و(184) امرأة، تشمل النساء ممن اعتقلن من أراضي عام 1948. وفي هذا الحوار قابلنا شقيقة إحدى الأسيرات اللواتي اعتقلن من الضفة الغربية، وهي الأسيرة إخلاص صوالحة، 24 عامًا، من مدينة جنين، والتي تسكن في بيت سيرا، قضاء مدينة رام الله منذ زواجها، من  المعتقل إبراهيم أبو صفية،المعتقل في سجن عوفر منذ أكثر من عام ونصف. 

الأسيرة إخلاص صوالحة: اعتقال على حاجز إسرائيلي

الأسيرة وزوجة الأسير إخلاص صوالحة.jpg

في بداية كل حوار، نحاول أولًا التعرف إلى المرأة، الفتاة، الصبية، أو ربما الطفلة، التي كانت تعيش بين عائلتها، ربما طالبة، أو أمًا، تسعى في يومها، وتعتني بأطفالها، وتتشارك الحياة بحلوها ومرها مع زوجها، ولكن إخلاص تقوم بكل ذلك وحيدة فزوجها معتقل منذ عام ونصف في سجن عوفر، ولا تعلم عنه شيئًا، ولا يتواصل معها إلا عن طريق الرسائل، إن أتيح ذلك.

سألنا أختها عنها فقالت: "إخلاص من مواليد 6 أيلول/ سبتمبر 1999،عمرها 24 سنة، أصغر وحدة في العيلة، درست صحافة وإعلام في جامعة النجاح، ثم أكملت في بيرزيت، كانت تعمل مراسلة حرة و"فريلانسر"، وتقوم بنشاطات للأطفال، ومبادرات للقراءة.

إخلاص مرضية، دايما بتطلب من أمي الدعاء. متزوجة منذ 4 سنوات، في قرية بيت سيرا في رام الله، من الصحافي المعتقل إبراهيم أبو صفية. إخلاص شخصية محبوبة جدًا، تواصلوا معي ناس ما بعرفهم، من المغرب من العراق من كل مكان ليتطمنوا عليها بعد اعتقالها. إخلاص بريئة جدًا، طفلة، أمي راضية عنها، دلوعة العيلة، الأحفاد كلهم بسألوا عنها، وابني صغير بظل يسال عنها".

"تعرضت إخلاص للتفتيش العاري والرمي على أرضية حديدية. هناك كثير من الأمور الأخرى التي لا أستطيع البوح بها وأخفيتها عن أمي حتى لا يزداد قلقها. وقد أتى حكمها ب 6 شهور إداري دون تهمة".

عادة ما تتجه دوريات إسرائيلية راجلة إلى بيوت إحدى الأسيرات وتقتحم البيت بشكل همجي وتخرب مقتنياته، وتعتقل الفتاة بكل وحشية أمام عائلتها، وتغطي عينيها وتقيدها وتأخذها إلى سيارة نقل الأسرى، ثم تنقطع أخبارها في التحقيق إلى حين يلقاها المحامي، والحال أن معظمهم بعد السابع من أكتوبر يعشن ذات الظروف الصعبة والمريرة في التحقيق حتى مرحلة الانتقال إلى الأقسام، إذ يقل الطعام، وتسوء المعاملة، مع مزيد من الضغط النفسي عليهن. أما إخلاص فلم تعتقل من بيتها، فتعد نفسها على الأٌقل بلباس دافئ، أو تتمكن من توديع أهلها وأحبتها، فقد اختطفها الاحتلال، كما تروي شقيقتها، من حاجز "إسرائيلي":

"اعتقل الاحتلال شقيقتي إخلاص أثناء ذهابها إلى قريتها كفر راعي لزيارة والدتها، بالقرب من حاجز دير شرف، أوقفها الجنود، وأنزلوها من السيارة، وقيدوها بالكلبشات وعصبوا عيونها، وأخذوها بجيب عسكري إلى معتقل هاشرون، ورموها على أرضية حديدية وهي مربطة، ضربوها، وفتشوها تفتيشًا عاريًا، وإخلاص حاليا متواجدة في سجن الدامون. وقد مرت أختي بظروف إنسانية صعبة، ضرب وشتم وتفتيش عارٍ وتحقيق قاسٍ".

الأسيرات في الدامون: ماء صدئة وسقف يدلف وبق في الفراش

تفاصيل اعتقال الاسيرة الفلسطينية إخلاص صوالحة.jpg

وعن ظروف السجن والتحقيق المرير تقول شقيقتها: "أرسل رسائل لأختي عن طريق المحامي حسن العبادي، وبوصلنا الرد: لا يوجد طعام، وتعاني الأسيرات من برد قارس، والمي طعمتها صدة، الكنتينة ممنوعة لكل الأسيرات باستثناء الأسيرة آية الخطاب، وكمية الطعام قليلة. من خلال كنتين آية الخطيب، أدخل للأسيرات بعض الأمور كالفوط الصحية، خلال كل أسبوع أو أسبوعين. أما عن أختي في القسم فتقضي وقتها في القراءة والكتابة، هي محبة للقراءة، لا يوجد لا راديو ولا تلفزيون، الكتاب هو المتنفس الوحيد".

تضيف: "تعرضت إخلاص للتفتيش العاري والرمي على أرضية حديدية. هناك كثير من الأمور الأخرى التي لا أستطيع البوح بها وأخفيتها عن أمي حتى لا يزداد قلقها. وقد أتى حكمها ب 6 شهور إداري دون تهمة".

المحامي الوحيد الذي يمكنه أن يخبرنا بوضع الأسيرات هو المحامي حسن عبادي، وقد قال عندما التقى إخلاص: "زرت صباح اليوم سجن الدامون في أعالي الكرمل السليب لألتقي بالأسيرة إخلاص صالح حسن صوالحة، المولودة في 6 سبتمر 1999، أطلّت مبتسمة بخطى واثقة، ونزلت دمعتها حين لمحت صورة والدتها.

حدّثتني عن زميلات الزنزانة؛ زفّت لي بشرى الإفراج عن 19 أسيرة من غزة، لبست قبّعتها الإعلاميّة وأخذت تصوّر لي وضع القسم؛ 42 أسيرة، الوضع كثير سيئ، الغرف بتدلف من السقف والفرشات اللي بناموا عليها البنات بتنبَل. بق كثير والبنات بتقرّصوا، 23 ساعة بالغرفة مع نفس البنات، وحتى لمّا تطلع فورة بتكون معهن، ولمّا في شتا بنكون بالفورة تحت المطر، عزل تام، الأكل سيئ جداً، رز وحمص وفلافل، وتم ترجيع وجبة الأكل أمس بسبب جودته وكميّته فكان رد فعل الإدارة تهديد (ديالا وهناء بالعزل بسبب ترجيع الوجبات)، غالبية البنات عندهن نفخَة وإمساك، الميّة كثير سيئة وبنشوف الصدأ بعينينا، لم تلمس حبّة فاكهة منذ الاعتقال.

حدّتني عن لؤم السجانات، "بفوتوا مع سجائر إلكترونية لمجاكرة الأسيرات المدخّنات، أو بيوكلوا تشيبس وأشياء زاكية وبيشربوا مشروبات طاقة للمقاهرة". حين وصّلتها رسائل العائلة رفّت الدمعة من عينيها، أخبرتني أنّ بنات غزّة "صاروا يعيّطوا لمّا وصّلتلهن سلامات من الأهل"

حدّتني عن لؤم السجانات، "بفوتوا مع سجائر إلكترونية لمجاكرة الأسيرات المدخّنات، أو بيوكلوا تشيبس وأشياء زاكية وبيشربوا مشروبات طاقة للمقاهرة". حين وصّلتها رسائل العائلة رفّت الدمعة من عينيها، أخبرتني أنّ بنات غزّة "صاروا يعيّطوا لمّا وصّلتلهن سلامات من الأهل"، والرسائل التي كنت أوصلها لها أعطتها الأمل، فالرسائل للأسير نَفَسْ، "الرسائل بتِحييني وبتعطيني أمان، أصعب شي ع الأسير ينتَسى، وهو زيّ العطشان لمّا يشوف الميّة". الرسائل أثلجت صدرها وفخورة بدور أختها ولاء الإعلامي ومساندتها.

طلبت إيصال سلاماتها لعائلتها وعائلة زوجها ولكلّ من يسأل عنها، وأملت عليّ رسائل للعائلة فرداً فرداً، لهيثم (فرحت حين أعلمتها بزيارة قريبة له في سجن النقب، تناديه: "بابا") ولزوجها الأسير إبراهيم، ولحمزة العقرباوي، وطلبت إيصال رسائل أهل لأسيل، جراح، فلسطين، براءة، شهد وآية. معنويّاتها عالية جداً، وأملها بترويحة قريبة، وحين افترقنا همست بحرقة: "اشتقت لرام الله بالمطر، شو جاي ع بالي أشرب آيس كوفي وأنا عم بسمع فيروز".

إخلاص  & إبراهيم:  ذكرى زواج يفصلهما عوفر والدامون

أوضاع الأسيرات الفلسطينيات في سجون الاحتلال الإسرائيلي.jpg

تقول إخلاص في ذكرى زواجها الرابعة: "الذكرى السنوية الرابعة على اللقاء الأول يا شريك الدروب، إبراهيم أبو صفية، اللقاء الأول الذي ظفرنا بسببه ببعضنا البعض، أول شاب يطرق أبواب العقل قبل القلب بأقصر الدروب إبراهيم وأنقى الطرق وأرقاها، شاب بسيط وعميق مثقف وواضح المطالب.

شكرًا لك على مقدار الحب الذي أبديته، اعتدنا الاحتفال، أتذكر؟ في مثل هذا اليوم في الذكرى الأولى والثانية والثالثة، وتأتي هذه السنة، أنت في أسرك يمنعك الاحتلال عني، وأنا كنت قد قررت الاحتفال لوحدي حتى تستمر العادة، ومثل أول يوم إلى جنين مهد اللقاء حيث لا أحد إلا أنا وذكرياتنا بعيدًا عن الذين لا يدركون معنى الحب وطرق الحفاظ عليه، أعف عن زلاتي يا حبيبي وعن أي تقصير. جعلك الله في حجري عامنا القادم.