بنفسج

الحرب بعيون الأمهات: ماذا غيّرت فيكن الحرب؟

الثلاثاء 20 فبراير

الحرب في عيون الأمهات في غزة.jpg
الحرب في عيون الأمهات في غزة.jpg

لم تغيّر الحرب وجه الأرض فقط: سياسيون، وجغرافيون، وعسكريون يقولون أقوالهم، ولكن هذه الحرب غيّرت القلوب والأرواح، الأمهات على وجه الخصوص، لهن ما يقلن، من لهن أولاد يحرصن على لباسهم وشرابهم ومنامهم ونظافتهم، وأدق التفاصيل، وكيف لأي أم الآن أن تنيم أطفالها في فراش دافئ وأطفال غزة يفترشون الأرض والمياه تنساب على رؤوسهم فيموتون بردًا.

وكيف لأم أن تطعم أطفالها ألوان الطعام والحلوى، وأطفال غزة يصطفون والأواني بين أيديهم ينتظرون دورهم لعلهم يحصلون على مغرفة من الطعام، وهم بعد ذلك ربما يموتون جوعًا. وكيف لأم أن تمرّض ابنها في أفضل المستشفيات وتسهر على راحته وتضع له كمادات نظيفة في حال أصيب بنزلة برد، وأطفال غزة ينهال عليهم الردم فينتشلون أشلاءً، وإذا نجوا بُترت أطفالهم، وظلوا دون أهل أو رفيق، بلا شيء!في بنفسج، قابلنا بعض الأمهات وسألناهن: ماذا غيرت فيكن الحرب؟

ماذا غيّرت فيكن الحرب؟

هذه الطفلة لا تفارق قبر والدها.jpg
طفلة من غزة لا تفارق قبر والدها

تجيب روان الناطور: " أنا كثير تأثرت كأم وربة منزل في الحرب، صراحة كثير شغلات من ضمنها التفكير إنه رجعنا لكتير أشياء قديمة، زي إنه نرجع نخبز، وصرت أتعلم كيف أعمل هاد الإشي لحالي، وكيف ممكن أجد بدائل سواء كخبر قمح أو شعير، كمان أنا شخص بالنسبة للبن بستعمل "تنوفا"- تصنيع إسرائيلي- لأنه عندي مشاكل ما بتحمل الأشياء اللي دسمها عالي.

وقررت نهائيًا ما أعتبر الموضوع حجة، ومن يومها بروب لبن بالبيت من حليب كانديا قليل الدسم، ومجبرة حالي ع الموضوع وكمان طبيعة دراستي في مجال الهندسة، أنا بشتغل مهندسة كمبيوتر، الواحد بحكي صار ما صار كيف ممكن أشتغل وأجيب دخل لبيتي وأنا ما في عندي لا كهربا ولا إنترنت ولا كمبيوتر.

حتى الواحد صار يفكر بشغلات تانية إلها علاقة كيف بننتج كهربا وكيف نعمل محرك وكيف ننقي مي نعمل مي صالحة للشرب أو تحلية المياه بأساليب بسيطة ومبسطة، أي حدا ممكن نتعاون عليها، وبصراحة صرت أعمل دراسات لو بسيطة عن الموضوع لو صار هاد الإشي كيف ممكن أساعد اللي حواليي. طبعًا كمان كيف أعمل دوا غسيل، وكيف أغسل أواعي بدون دوا، وكيف أستخدام أشياء متل الليمون، أعمل منه صابونة.

من الأشياء إلي أثرت فيّ كمان موضوع الثقة والإيمان بالله عز وجل، ربنا ما برمي حدا، وأتقبل فكرة الموت وأخلي بناتي لو إنهم صغار ما يفكرو الموضوع كتير بخوف، آه عادي ممكن أي حدا يموت بس رب العالمين موجود.

أم وصحفية تصنع الخبر

17 ألف طفل في غزة فقدوا وذيهم وأهلهم.jpg
17 ألف طفل في غزة فقدوا أهلهم وذويهم

تقول صفاء أبو الرب، وهي تعمل صحفية: "بلشت أسيطر على حالي أكتر من بداية الحرب، خصوصًا إني صحفية وفي مواد مضطرة أشوفها انتبهت ع حالي إني كثير عصبية ع ابني، حسيت إنه طريقة تعاملي معه مش سليمة غير اللي كان متعود عليها، وعشان هيك هو انتكس مع إنه هو ما بشوف اللي أنا بشوفه بس لأني بتعامل معه من خلال الضغط اللي بشوفه.

الإشي التاني، ما عمري خليت عندي أزازة مي فاضية، صرت أخزن قزايز مي وصرت أراعي في استهلاك الطعام مثلًا لو زاد شوية رز في الصحن خلص مهي حتنكب، صرت حاليًا أراعي ما ينكبوش الشغلات لأني عارفة أهل غزوة محرومين من الأكل، وصرت أفكر بموضوع الأكل حتى ترشيد استهلاك المي. صرت استشعر النعمة اللي عندي أكتر، كمان أثر علي من ناحية إني كنت بس ينام ابني أتطلع عليه وأبكي، وصرت أحس إني أنا ممكن كمان أفقده، وصرت المشاعر اللي بشوفها من الأمهات بتسقط علي لا إراديا.

ابني يحب الرسم على يديه!

الأمهات في غزة كل يوم يفقدن أطفالهن.jpg
أمهات غزة كل يوم يفقدن أولادهن

كنت بحكي مع صديقتي عن نفس الموضوع، صار أشياء غريبة من أول الحرب أنا أم لولدين عندي الولد الصغير، بحب يرسم على إيديه كتير كان يجي دايمًا يقلي سويلي نجمة أو حمامة من وقت أحداث غزة، صرت أتكركب إذا شفته كاتب إشي ع إيديه، لأني بتخيل إنه هو كاتب اسمه ع إيده وممكن يروح مني.

أما مي، وهي أم مصرية تعيش في فلسطين، قالت: "الحرب أثرت على الناس بشكل مش طبيعي، أنا طبعًا بعد ما الواحد بيدعي لهم كلنا مستكترين على حالنا العيشة والغطا، ولما الولاد لما بتنمردوا على أكل أو برفضوه أول شي بنقلهم شوفوا أهل غزة عايشين كيف، الواحد بستكتر على حاله إنه يبقى قاعد قدام صوبة وهم مش لاقيين، الواحد بدأ يستعد انه يبقى زيهم، أنا حضرت خيمتين وبطاطين ومحضرة عرباية أطفال عشان نجرهم ومحضرة شنطة فيها أواعي الأطفال الصغيرين، وفي مكان واضح بحيث يكون مستعد بأي وقت إنه هو يطلع."

لسنا أفضل حالًا من غزة

أطفال غزة بلا طعام ولا شراب.jpg
طفلة من غزة تحمل دميتها من داخل منزلها المهدم 

وها هي نجوى تقول: "أنا شخصيًا بعيدًا عن قديش أثرت الحرب مع ولادنا والمقاطعة، في إشي شخصي أنا من الناس اللي دايما بحب الراديو شغال بالسيارة من وقت الحرب، إذا بتيجي أي أغنية من اللي كنت بحبهم مرة وحدة بطفي الراديو وبقول ما بقدر بيجي شريط بالأحداث اللي صارت وقاعدة بتصير في غزة، وكعائلة تأثرنا إنه كان إلي أخ توفى فجأة فبحرب غزة يمكن هي المرة الوحيدة اللي حسيت ألمها وحزنها صغر، وتحديدًا لما الست الوالدة الليا نفجعت في مقتل 4 من أبنائها في جنين سمعت، أمي بتقول وال كيف بدها تتحمل وأنا لسا ببكي على واحد، الحرب في غزة هذبتنا صرنا نخجل قدام اللي عم بصير.

وهذه ليالي سلامة تخبرنا، فتقول: "من يوم الحرب لليوم بنتي بتنام بحضني وأنا ما بدي تنام بعيد عني، يعني هي لو كانت تطلب ماما بدي أنام بغرفتي أنا بقلها لا خليكي عندي."

وأخيرًا تقول نقاء:" انتبهت إنه في تأثير لاواعي للأشياء اللي بنشوفها، كنت مرة كاتبة قائمة مشتريات لزوجي فاتصل فيي إنه ليه هلقد بدك خل، قلتله ما بعرف أنا فعليًا من فترة ما شفت فيديو الدود إللي بطلع من جروح الولاد الزغار، وكيف الأطباء بعقموا بالخل وصابون الجلي صرت بشكل لا واعي قاعدة بخزن خل في البيت، حسيت إنه مستحيل نرجع بعد الحرب كيف كنا قبلها.