بنفسج

النظر في عيني الموت: شهادات حية لأسيرات اُعتقلِن من غزة

السبت 27 ابريل

"تعذيب.. خلع للحجاب.. تفتيش عاري".. إن مثل هكذا ألم غير ممكن للتحمل، والدموع التي تسقط في تلك اللحظات القاسية حارقة، والشهقات التي تعلن تمردها وسط سحابة كثيفة من الدموع خانقة، صدمة تليها صدمة، أولًا الاعتقال لمجرد الترهيب، وثانيًا التنكيل والتعنيف وامتهان كرامة النساء، كان كل ذلك جنونًا لا مثيل له.

بدأت الحكاية حين اُعتقلن على يد جنود الجيش الإسرائيلي، فنظرن في عيني الموت مباشرة، ودبت في نفوسهن تساؤلات لا نهاية لها، هل سيقتلونا الآن؟ ماذا حدث بعوائلنا؟ هل سنقضي العمر المتبقي هنا؟ يقطع دوامة أفكارهن ضربة قوية من سلاح جندي مهووس بتعذيب الفلسطينيات.

وهن يروين القصة تشعر وكأنك تسمع أحداث فيلم آكشن، وتردد بصدمة هذا ليس واقعًا، فتضربك الحقيقة في مقتل بأن هذه الصورة كاملة للأسيرات الفلسطينيات اللواتي اعتقلن من غزة ويعشن أحداثًا أسوأ بكثير من الوصف.هنا نستعرض قصصًا لنسوة فلسطينيات من غزة اُعتقلن كل من مكانها واقتدن إلى جهة غير معلومة، أجبرن على خلع حجابهن، وقد تم تفتيشهن بشكل عاري من قبل مجندات إسرائيليات.

 في ناقلة جُند:  أسيرة واحدة بين مئة أسير!

الأسرة المحررة هديل الدحدوح.jpg

اُعتقلت من قلب منطقة الزيتون بعد أن فجر الاحتلال جدران بيت الجيران مباغتًا إياهم، وأجبرهم على الخروج إلى الشارع،  فقيل لها: "أعطي ابنك لسته وتعالي معنا.. بدنا نعمل الك فحص"، عرفنا هديل من الصورة التي انتشرت لها على وكالات الأنباء وهي تمكث في ناقلة للجند برفقة حوالي مئة رجل غزي من الذين اعتقلهم الجيش، وحجابها مخلوع، وأعينها معصوبة.

تقول: "سألت الجندي  ماذا ستفعل بي بعدها فقال سأدفنكم وأنتم على قيد الحياة وسأطلق الكلاب عليكم، فما كان ردي عليه سوى البكاء الشديد، بعدما أخذوا عينة من ظهري للفحص، جلست مع زوجي ووالده وأخوته وهم مخدرين بعد أن أعطاهم الجنود إبر للتخدير وصاروا يحققون معهم ومعي وظلوا يكررون الأسئلة هل أنتم حماس؟".

كانت هديل كلما تقول كلمة لا يضربها بكل قوة "كانت العصبة على عيني كتير مشدودة لدرجة أنه رموشي حسيتهم دخلوا جوا عيني صرت أقول عدي انعميت وهوا بشدها على عيني أكتر". في اليوم الثاني وبعد ساعات طويلة من الشقاء وضعوها في بيت فيه 100 أسير وهم عراة ويتعرضون للضرب، لم تفق من صدمة المنظر الماثل أمامها وإذ بالجندي يرمي عليها الحمام وهو يعوي كالكلب حولها ويضربها بسلاحه وبيديه بقوة، ويقول لها: أنت حماس ثم يتبعها بألفاظ رذيلة. 

سندفنكم أحياء وستأكلكم الكلاب 

شهادات حية لأسيرات فلسطينيات من غزة.jpg

أما نعمة حمودة التي اُعتقلت في التاسع والعشرين من يناير، حوصرت برفقة عائلتها ، تقول: "4 أيام دون أكل وشراب، حتى الماء يُحسب علينا 3 مرات باليوم فقط، الأطفال أصبحوا يصرخون من الجوع، حتى صباح اليوم الخامس فجر الجنود علينا الأبواب وداهموا المنزل، واعتقلوني بعد رعب دام لأيام، فتشونا بشكل عار في معتقل ما، وارتدينا ملابس السجن، ولم يسمح لنا بارتداء أي شيء أسفلها، ثم اقتادونا نحو ساحة واسعة تقام به حفلة للجنود يرقصون ويغنون ويشتمونا، وبعدها نقلونا نحو الدامون وهناك تعرضنا للضرب والتعذيب حتى أنني ضُربت على رأسي  وأصبحت أعاني من الألم الشديد الذي يمنعني من النوم عليها".

بالعودة إلى هديل التي تضيف بتنهيدة طويلة: "حطونا بحفرة كبيرة والدبابة بتحوم حوالينا مع الجرافة، كان حمايا بحكي انخنقت وصار يحكيلي تعالي قوميني كل ما أقوم أساعده الجندي يخبطني بظهري ويحكي كلام بذيء، ويقول بدي أدفنكم أحياء والكلاب توكلكم".

مرت تلك الساعات على هديل دهرًا كاملًا من الشقاء، هي لوحدها وسط الرجال دون حجابها، تُشتم وتُعذب، وصلت بعدها إلى مكان فيه 19 أسيرة ثم أخذوهم نحو الأراضي المحتلة، تردف: "فتشتني المجندات تفتيش عاري كنت أحمل هاتفي وبعض المال، صادروهم وشرعوا في التحقيق حول مكان تواجدي في السابع من أكتوبر، أخبرتهم أني كنت في منزلي أجهز ابني للروضة، وكلما قلت لا أعلم عن سؤال ما يبدأون بضربي، 54 يوم من التعذيب في سجون الاحتلال، 9 منهم وأنا مربوطة اليدين حتى عند دخول دورة المياه".

إن شعور قلة الحيلة قاتل، لا تعلم ماذا عليك فعله لتنجو من المحرقة التي أنت فيها، في سجن بئر السبع ضاقت الدنيا على هديل وهي تجلس على ركبيتها ورأسها منحني للأسفل بالإجبار والجنود يضربونها بقوة حتى طال الألم مكان العملية القيصيرية التي أجرتها قبل أشهر، ففتح الجرح من جديد، لم يكن جرح جسدها الوحيد الذي أصابها بل الجروح النفسية أقوى بكثير من آلام الجسد.

مُسنات فلسطينيات يعتقلهن الاحتلال في غزة

مسنات فلسطينيات يعتقلهن الاحتلال الإسرائيلي في غزة.jpg

ولم تسلم النسوة الستينيات من الاعتقال مراعاة لعمرهن الكبير، فالسيدة يسرى أبو الخير واحدة من اللواتي اُعتقلن في منتصف نوفمبر المنصرم على الحاجز العسكري الواقع في شارع صلاح الدين قادمة من حي الشجاعية نحو جنوب وادي غزة.تقول: "كان معي آلاف من النازحين ولكن الجندي نادي عليَّ لتفتيشي ثم أدخلوني في غرفة عندهم وقيدوني وأفقدوني الوعي، واستيقظت وجدت نفسي في مكان لا أعلم ماهيته".

لم يشفق الجنود على حالتها الصحية كونها مريضة ضغط، قاموا بتعنيفها وضربها وخلع حجابها، ومنعت من النوم
لأيام طوال حتى أنها فقدت الوعي من شدة الأعياء أكثر من عشر مرات، ولم يسمح لها الاحتلال بتناول دوائها أبدًا.

بعد ليال طويلة من العذاب النفسي والجسدي، وفقدان الأمل في رؤية السماء من جديد، أُفرج عن يسرى. توضح بأنه عند تسليمهم للصيلب الأحمر هي و20 أسيرة معها، طلبوا جميعًا الاتصال بعوائلهم، وحين اتصلت على ابنتها أصابتها حالة من الهيستريا وعدم التصديق أنني بخير، فأخذت منها عنوانهم الجديد في مخيمات النازحين في رفح وركضت نحو عائلتها لتعانقهم بعد أن تعرضت لأقسى تجربة في حياتها.

وفي حديث لرئيس هيئة شؤون الأسرى والمحررين، قدورة فارس بين أنه قبل السابع من أكتوبر كان يبلغ عدد الأسرى في سجون الاحتلال 5 آلاف لكن الآن يُتوقع أن يكون الرقم قد ازداد إلى  12 ألفًا مع أسرى غزة، مع العلم أنه لا إحصائية دقيقة توضح أعداد الذين اعتقلوا من مدينة غزة، إذ يخفي الاحتلال معلوماتهم وأعدادهم ويحتجزهم في سجون سرية في النقب مثل "سديه تيمان" و"عينتوت".

تجدر الإشارة إلى أن الأسيرات في السجون يتعرضن إلى العزل الكامل والحرمان من حقوقهن، وتضييق الخناق عليهن من كل اتجاه. كما تعرض عدد من أسرى غزة لبتر الأطراف بسبب تقيديهم لأيام طوال.