لا شك أن كل إنسان شريف في هذا العالم بحاجة إلى تكوين درع فكري وثقافي يحمي فيه نفسه وأسرته من الحرب الناعمة التي يقودها الاحتلال وأعوانه، والتي تستهدف هذا الجيل في الدرجة الأولى، ولكن هل خلقنا الله عزوجل لنكون درعًا وحصنًا فقط أم لنحقق قيمة الاستخلاف في الأرض؟ ولنخرج من دائرة الدفاع إلى دائرة الهجوم؟
بينما يسطر أهل غزة أشرف آيات النصر والمجد في تصديهم للاحتلال وصواريخه ودباباته ومدرعاته وطائراته، وبينما يرتقي أكثر من 40 ألف شهيد في تلك البقعة المباركة، هناك ممارسات ممنهجة عبر وسائل التواصل الاجتماعي تقوم بها آلات الاحتلال الناعمة، في محاولات ضخ أفكار وقيم لهذا الجيل في سبيل إلهائه وصرف نظره عن المجازر المروعة التي يرتكبها في غزة، ورغم الوعي الكبير الذي يتمتع به الجيل الحالي وخاصة بعد الدخول المقدس في 7 أكتوبر، إلا أن هناك فئة ليست بقليلة كانت الضحية لتلك الحرب الناعمة فتأثرت بالأفكار التافهة التي يضخها الاحتلال، بل وعملت على الترويج لها وإلهاء المتابعين في تفاهاتهم.
يصيبك الذهول من أرقام متابعيهم رغم محتواهم الذي لا يرقى لكلمة محتوى من الأساس، وتنصدم بأثر الذل في نفوسهم البشرية، وكيف أصبحوا عبيدًا لضغطة الإعجاب أو التعليق أو المدح، إنهم ليسوا سوى فقاعة منتفخة بمجرد ما قمت بثقبها بإلغاء حسابهم مثلا تتلاشى فتصبح هباءً منثورًا.
بينما تستمر الإبادة الجماعية في غزة، وبعد أن كان العالم أجمع شاهدا وبشكل مباشر على حالات التجويع وموت الأطفال جوعًا وعطشًا، مازال هناك بعض "المؤثرين" العرب يتنافسون على نشر الترندات التافهة، وبكل فخر هناك من تكتب في منشورها لقد استغرق تصوير هذا الترند 20 ساعة!
صراحة أنا لا ألومهم بل ألوم كل متابع لهم، كل متابع لهم يدخل بنفس الخانة الصفرية معهم، فنعم نحن من جعلنا من هؤلاء الحمقى مشاهيرا، فلماذا أنت كشابة أو كشاب مسلم تتابع وتدعم صاحبة أو صاحب محتوى يعمل على فساد الأمة؟ لكن بفضل الله أولًا وبفضل بركة الشهداء ثانيًا، ها نحن نشهد طوفان التغيير في هذا الجيل بعد إطلاقه لحملات مقاطعة المشاهير العرب والغرب الذين مازالوا يستعرضون تفاصيل حياتهم التافهة دون أدنى اكتراث لمشاعر الفقد والألم التي يمر بها أهل غزة بشكل خاص وفلسطين بشكل عام.
لله درك أيها المقاوم على الثغور، فلنعم الرباط رباطك، يدٌ تمسك بالزناد تجاه العدو ويدٌ توقظ العالم من غفلته، فتنقذ أمة كاملة من الهلاك كما هلكت الأمم السابقة إلى الهاوية، الخير في أمة محمد قادم، فهذه فرصة عظيمة لتصدير شخصيات مؤثرة بشكل حقيقي ودافعة للتغيير الإيجابي، واستبدال هؤلاء الفقاعات بمؤثرين حقيقيين في عالمنا العربي والإسلامي، لماذا لا تبدأ الآن بنفسك وتقود جيلا جديدًا قادمًا نحو الإصلاح والعمل والإعمار؟
نعم إعمار هذه الأرض بكل ما هو نافع وخيّر، إنه الوقت المناسب حتى ننتقل من سياسة السد المنيع، إلى سياسة الهجوم العظيم، والانتقال من دائرة التأثر إلى دائرة التأثير، ومن مقعد المشجع إلى حلبة التغيير.فكما قال تعالى: "وقل اعلموا فسيرى عملكم ورسوله والمؤمنون ثم تردون إلى عالم الغيب والشهادة فينبئكم بما كنتم تعملون" صدق الله العظيم