بنفسج

أيمن العتوم يعترف: أنا مغرمٌ بالنساء

الإثنين 15 يونيو

"نحن لولا النساء لكنّا هباء منثورًا، لكنّا زبدًا فوق ماء البحر، فأما الزبد فيذهب جفاءً، وأما ما ينفع الناس؛ المرأة... فيمكث في الأرض"... هذه الكلمات كانت ختام حديث ضيف "بنفسج" في هذا الحوار، الشاعر والروائي الأردني الدكتور أيمن العتوم.

للوهلة الأولى، قد تبدو العبارة مبالغةً لأجل حوار صحفي، لكن لو كان الحوار مسموعًا، لتسنى لسامعه أن يتأكد من قناعة ضيفنا بما يقول. قرّاء "بنفسج"، لو كان الصوت مرفقًا بالحرف، لتجلّى لكم الامتنان في نبرة صوته كلما ذكر والدته، وربما شعرتم بخفقات قلبه أثناء حديثه عن زوجته، خاصة؛ عندما يحمد الله بعدما يبدي فخره بأن ظفر بامرأة مثلها، ولبدا الحنين طاغيًا لمّا عاد بذاكرته لجدتيه، وعلى الأغلب، بعد انتهاء حديثه الرقيق عن ابنتيه، كنتم ستكتشفون أن الابتسامة ارتسمت على شفاهكم منذ البداية، وبين حين وآخر ستسمعون ضحكاته عندما ينتبه لكثرة تكراره عبارات تؤكد إعجابه بالمرأة.

| صاحبات التأثير

______________________1.jpg
 

تعظيم المرأة ليس مجرد فكرة اقتنع بها العتوم، وإنما أيضًا، نتيجة لتأثير النساء عليه في محيطه، فهو يعترف أن للمرأة في حياته، "دوراً محورياً ومركزياً". يحدثنا عن النساء من حوله، مذ كان ابنًا وحفيدًا، ثم زوجًا وأبًا، مرورًا بالشاب ذي القلب العاشق صاحب التجارب العاطفية.

لنبدأ بحديثه عن والدته، تلك المرأة التي كان لها فضل كبير في حياته الأدبية، وجّهته نحو القراءة دون "أمر اقرأ"، يقول: "كانت أمي قارئة. منظرها وهي تضم الكتاب بين يدها تحنو عليه حنو المرضعات على الفطيم، شجعني تشجيعًا كبيرة، في سنٍ ما كنّا نقرأ أنا وهي نفس الكتب ونتناقش في بعضها، حتى البدايات شاركتني خلالها بقراءة كتب الألغاز والمغامرات، كنّا نتسابق فيها".

جدّتاه الراحلتان وضعتا بصمة في تشكيل شخصيته، يذكر أنه لما كان طالبًا في الجامعة في إربد، وأهله في الإمارات، كان يلتجئ بين حين وآخر لدفء بيت جدته لأبيه، بهية. كان تأثيرها في حنوّها، عندما يقصد بيتها في قرية سوف، يجدها خاصمت النوم لانتظاره مهما تأخر، حتى في ليالي الشتاء الطويلة، ولما كانت عادة النوم مبكرًا تغلبها، فإنها فور سماع صوت قدميه تنهض من فراشها لتهيئ له الطعام. أما جدته لأمه فكانت أصغر عمرًا، وكانت صديقة حفيدها أيمن في فترة حياتها الأخيرة، لا ينسى أنها ممن شجعوه على حفظ القرآن في طفولته، وكانت تثيبه على الحفظ دومًا.

"أنت مغرم بالقهوة، لكن في مشهد ذُكرت فيه القهوة لم تصفها وصفا طيبًا عميقًا، فعليك أن تدير سن قلمك في وصف القهوة". كانت هذه ملاحظة "فاطمة" الابنة الكبرى لضيفنا على روايته الأخيرة، أخذ بالملاحظة وعدّل الكتابة وفقها. وهذا يتكرر كثيرة مع "مستشارة أبيها". يوضّح: "ابنتي الكبرى فاطمة (16 سنة) قارئة ممتازة، مستشارة لي، أستشيرها حتى في العنوان، وأدفع إليها بالرواية قبل أن أدفعها للمطبعة، تعطيني ملاحظاتها، فأعدّل". 

العتوم أبٌ لفاطمة وأميمة والحسن والحسين، حديثنا طبعًا عن الابنتين، فالبنات ترققن القلوب، يعود بالذاكرة لليوم الذي صار فيه أبًا وكانت بكره أنثى. كان فرحًا جدًا بمقدمها، فكما يقول: "الذي يتزوج حديثًا يكون شغوفا بأن يكون أبًا".

| هكذا اختار "زهراء"

أيمن العتوم 2.jpg
 

تجاوزنا الحديث عن أيمن الزوج، وسنؤخره قليلًا بعد، لما بعد الحديث عن التجارب العاطفية، فالنساء العابرات في حياته تركن أثرًا. جزءٌ من هذا الأثر كان قصائد الغزل التي نقرأها في دواوينهيبيّن: "أيام الجامعة، أثناء دراسة الهندسة، كنت شاعرًا معروفًا، وكان لي بعض المعجبات -إن جاز التعبير- وأنا لي قلب عاشق وشاعر وما زلت في سن الجامعة، فمرّ في حياتي عدد من النساء، لكن الكبرياء لم يُدخلني في علاقة عاطفية تفضي لزواج". 

ويعود لذكر أولئك النسوة في إجابته عن سؤال عن التجارب المهمة التي عاشها في حياته وكانت مرتبطة بامرأة، يقول: "كل قصائد الغزل في ديوانيْ (قلبي عليكِ حبيبتي)، و(الزنابق)، وسواهما، كانت بسبب نساء مررن في حياتي فترة الجامعة، (الزنابق) مليء بقصائد الغزل، ربما يعبر عن فتاة واحدة، غيره يعبر عن أخريات كان لهن تأثير اللمسة الحانية، مع توق الشاب العاشق للأنثى". ويضيف: "هذا غريزي في الإنسان، لا أخفيه، ولكنني أضعه في حدوده الأخلاقية، وزوجتي تتفهم أنني مررت بتجارب عاطفية ليست عميقة".

حان دور "زهراء" الآن، علمًا أنه كان تحدث عنها في مستهل كلامه، التقاها في 2003، عندما كان العثور على رفيقة درب أمرًا تشوبه بعض الصعوبة، فقد تقلّصت أعداد النساء من حوله، بعدما أنهى ثلاث درجات جامعية (الهندسة، واللغة العربية، والماجستير)، صار موظفًا، وجاوز الثلاثين، وشعر أنه كبر بدرجة ما.

تعرّف على زوجته عندما عملا معًا في نفس المدرسة، كانت معلمة لغة عربية، هي سورية الأصل، وأستاذة في الأدب العربي، وتحمل درجة الدكتوراة في اللغة العربية. أول ما جذبه لها، كان اسمها، اسم يتوافق مع ميوله وعائلته في اختيار الأسماء، فاسم والده علي، وجدّه الحسين، وقد اختار لابنتيه اسم ابنة الرسول صلى الله عليه وسلم، واسم عمته، وبالطبع فإن "زهراء"، ينتمي لشجرة الأسماء ذاتهايقول: "أعجبني اسمها، وقربني منها، نحن نحب هذه الأسماء، وكانت حافظة للقرآن، ما جذبني لها أكثر، ولأنها تدرس العربية مثلي، قلت هذه التي ستفهمني، فتقدمت لخطبتها". ويضيف في حديثه عنها: "رفيقة دربي، ومستشارتي في الأعمال الأدبية، وقفت معي في كل كتاباتي، لها التحية، وأدعو الله أن يجزيها الخير عني وعن كل حرف كتبته".

"دون أُنثاه صفر"

أيمن العتوم 3.jpg
 

ويُجمل كل ما سبق بعبارات محددة: "للمرأة في حياتي دور محوري ومركزي، أمي عظيمة، قدمتني للعالم كله. زوجتي عظيمة، وقفت إلى جانبي وتحملت تناقضاتي في الكتابة، فعندما أدخل عالم الكتابة أمرّ بتناقضات كثيرة، فأنا أعيش نفسية الشخصية التي أكتب عنها، نفسية القديس، النبي، اللص، التاجر، وحتى المرأة، إلى جانب الانعزال أحيانًا، هذا يؤثر على البيت، لكن زوجتي تحتمل كل ذلك". وبينما هو في هذه الحالة من الامتنان، يستمر بالتعبير عن إعجابه بالمرأة بشكل عام، يقول: "المرأة إنسان لطيفٌ، جميلٌ، عظيم، يقولون وراء كل رجل عظيم امرأة، يصدقون تمامًا، المرأة التي تنتج العظماء أعظم منهم جميعا".

ويضيف: "أعتقد أن كل النساء جميلات وعظيمات، وربما الظروف تجبرهنّ أحيانا على عدم القيام بدورهن، لكن بشكل عام أنا مغرم بالنساء، بدورهن، بجمالهن، برقتهن، بأنوثتهن، بعاطفتهن القوية، بحرصهن. تجد الزوجة الصالحة أحرص على زوجها أكثر من زوجها عليها، فلو مرض هو، تكون مشاعرها المُحبة الرؤوفة الرؤمة على زوجها أعظم في الشعور والعاطفة والعناية والرعاية أكثر مما لو حدث العكس، فإن مرضت هي لا يكون شعوره مثل شعورها، ولا عنايته مثل عنايتها".

ويتابع: "لذا، المرأة بالنسبة لي معادل موضوعي ورمز للجمال، للحب، للبقاء، للعطاء، الكون كله تجمله امرأة جميلة، تعظمه النساء، تجعلنه قابلًا للعيش، لولا النساء لما عشنا". ويشير إلى أنه عبَّر عن نظرته هذه بطرق مختلفة في رواياته، منها ما قاله على لسان الذئاب في رواية "أنا يوسف": "الإنسان دون أنثاه صفر"، ومن وجهة نظره "هذه الحقيقة، وأي مخلوق كذلك، الأنثى تعطيه القيمة".

"نقد المرأة قد يكون أعمق أحيانًا، لأنها تنظر من زاوية لا ينظر منها الرجل، عيونهن أدقّ، يهتممن بالتفاصيل، وأنا مهتم بالتفاصيل في رواياتي وكتاباتي وملاحظاتي، فآخذ من عيون النساء ما يؤهلني لأستمر في الكتابة". 

رجلٌ يرى المرأة بهذه العين، لن يتردد في الكتابة عنها بالتأكيد، يوضح: "لا حدود للكتابة عن المرأة في أي قضية، لكن توجد ضوابط، الضابط الديني، والأخلاقي والعرفي والاجتماعي". لا يكتب عنها فقط، بل هي معه قبل الكتابة وبعدها، أولا يأخذ منها الإلهام، وثانيا يهتم بالاستماع لنقدهافهو يستلهم منها في أي عمل، سواء كان رواية أو قصيدة: "باختصار، هي ملهمة، جمال هذا الكون، ونبع هذا الحب أساسه دوران الكواكب في أفلاكها والمجرات في مداراتها. وأنا أكتب بدافع حب لهذه المخلوق الجميل الرائع، الذي روعته ملأت قلبي وكياني وروحي وعقلي وحرفي".

بالنسبة للاستماع لرأيها ونقدها، فهو يسمع من النساء المحيطات به، ومن قارئات لا يعرفهن، ترسلن له آراءهن وملاحظاتهن.  يفعل ذلك من باب الأخذ بالرأي من جهة، ومن جهة أخرى لأن نقد المرأة مختلف عن نقد الرجل. ويشرح هذا الاختلاف بقوله: "نقد المرأة قد يكون أعمق أحيانًا، لأنها تنظر من زاوية لا ينظر منها الرجل، عيونهن أدقّ، يهتممن بالتفاصيل، وأنا مهتم بالتفاصيل في رواياتي وكتاباتي وملاحظاتي، فآخذ من عيون النساء ما يؤهلني لأستمر في الكتابة". ثم يعقّب: "لهذا أكرر؛ المرأة لا يمكن الاستغناء عنها بأي حال، في كل تجلياتها، لا في العاطفة، الزواج، الحياة، الرأي، الطريق، الدرب، دون المرأة لا حياة".

أنتِ كلُّ التأثير

أيمن العتوم 5.jpg
 

بعد هذا الإيمان بالمرأة، كيف يفهم العتوم النساء حوله؟ أليست هذه "عقدة" يعجز عن حلّها كثيرون؟ يجيب: "المرأة عقل وقلب، ربما يغلب قلبها عقلها أحيانا، فقلبها الكبير يسع عقلها الأكبر، بينما الرجل يغلب عقله قلبه والعقل ليس كافيًا، فإذا كان عند المرأة عاطفة وعقل بهما تسير الحياة وبهما الأمور تتضح". ويبين: "المطلوب من الرجل تفهم قلب المرأة ودورها وتفكيرها، ليس مطلوبًا منها أن تفكر مثله وتعرف ما يعرفه، وتقول أقواله، لو كانت كذلك لكانت رجلًا آخر، ما كانت امرأة".

ويخاطب الرجل: "عليك أن تهتم بالدور التكاملي، فهي على جانبها، على الضفة الأخرى ترى ما لا تراه أنت على ضفتك، إنها تعطيك بالمختصر المفيد ما تراه على ضفتها، فعليك أن تفرح بذلك وتعظمه وتأخذ به". ومن هنا يؤكد: "لا توجد عقدة في التعامل مع المرأة، إلا لمن يجهلون دورها وعظمتها". وعن أثر المرأة في الرجال من حولها، والصفات التي إن تميزت بها تكون مؤثرة بالفعل، يقول: "من تسير عاطفتها إلى جانب عقلها هي المرأة، هل تُستشار؟ نعم. هل لديها آراء حكيمة أفضل مما يقوله أحكم الرجال؟ نعم. ربما يفوق رأيها كل الرجال وهي تنظر بعين مختلفة". 

ويضيف: "هذا النوع من النساء نريده، أن تكون حكيمة، ولا تكون حكيمة إلا إذا كانت مثقفة، هذه المرأة التي أحبها وأحب أن أستشيرها وأستنير برأيها". ويتابع: "ربما توجد نساء فارغات العقل، هؤلاء لا يُستشرن ولا يؤخذ بآرائهن، فكيف تأخذ رأيًا من رأس ليس فيه شيء، العقل إذا لم يكن مليئا بالحكمة والفلسفة والتوازن والثقافة، فلن يعطي شيئًا". وفي المقابل، "إذا غابت المرأة، يفقد الرجل جزءًا كبيرًا من نجاحه وأثره الطيب على الآخرين ومن وجوده، فتأثيرها طاغ جدًا، في التاريخ كله، حتى لو كان تأثيرها سلبياً فهو أيضا تأثير"، من وجهة نظر العتوم.

"المطلوب من الرجل تجاه النساء أن يحبّهن، أن ينظر إليهن على أنهن شقائق، شقائق في الفكر والرأي والحياة والدرب والأسرة والمحاضرة والكتابة والمظاهرة والحشد".
 
"على الرجل أن يكون داعمًا، فدعمه يبرز لديهن أحسن ما عندهن، تأثير الدعم سحري، المرأة تريد كلمة طيبة، الإنسان بشكل عام يريد الكلمة الطيبة، فكيف بالمرأة التي يتفاعل قلبها أكثر بكثير من الرجل. 

لأجل تلك المكانة، يرى العتوم أنه يتعين على الرجل أن يتعامل مع المرأة بالاحترام الذي أعطاها إياه الإسلامويوجه حديثه للرجل مجددًا: "لا تنظر للمرأة بدونية، لا تراها سقط متاع وشهوة، العلاقة تكاملية، العلاقة نضج واحترام، فلتراها تسير إلى جانبك وترشدك، وربما تمهد لك الطريق ولديها من القدرة والمناعة، ومما أعطاها الله تعالى أن تكون جيشا من الرجال بجانبك، مساعدتها لا تقارن بمساعدة الرجل لك".

يقول: المطلوب من الرجل تجاه النساء أن يحبّهن، أن ينظر إليهن على أنهن شقائق، شقائق في الفكر والرأي والحياة والدرب والأسرة والمحاضرة والكتابة والمظاهرة والحشد، هي تعطيه أكثر مما يعطيها، تعطي المجتمع، يكفي أنها تنشّئه، لولا وجودها لانتفى وجود المجتمع برمته". ويضيف: "على الرجل أن يكون داعمًا، فدعمه يبرز لديهن أحسن ما عندهن، تأثير الدعم سحري، المرأة تريد كلمة طيبة، الإنسان بشكل عام يريد الكلمة الطيبة، فكيف بالمرأة التي يتفاعل قلبها أكثر بكثير من الرجل. لذا، يجب أن يكون محبًا رءوفًا رءومًا رحيمًا بها لا يسمعها إلا الكلام الطيب، ولا ينظر لها بدونية أبدا".

هذه العظمة التي يتحدث عنها ضيفنا، هل تراها المرأة في نفسها؟ يعرب العتوم عن اعتقاده بأن "المرأة تقلل من شأن نفسها حين تجعل نفسها جزءًا هامشيًا في الحياة، دورها كبير ورئيس في الحياة، كثير من النساء يظلمن أنفسهن لأنهن لا ينظرن لأنفسهن كما قال الشاعر الأموي كثير عزة (كل عند محله رحب الفناء، شامخ البناء، عالي السناء)". ويرى أن العدو الأول للمرأة ليس الرجل، إنما المرأة أولًا، تقلل من قدر نفسها ومن قدر المرأة الأخرى.

ثم يقول لكل امرأة: "آمني بنفسك، آمني بقدراتك، ثقي أنك قادرة على صنع المستحيل، لا تقللي من شأن نفسك، ولا تحتقري عملك ولا أداءك ولا تأثيرك على الآخرين، خاصة لو كنت متزوجة فتأثيرك كبير على زوجك وأبنائك، أنت كل التأثير". وهنا، ينهي ضيفنا كلامه بما ذكرناه أولًا: "نحن لولا النساء لكنا هباء منثورًا، لكنا زبدًا فوق ماء البحر، فأما الزبد فيذهب جفاء، وأما ما ينفع الناس؛ المرأة... فيمكث في الأرض".