بنفسج

أدهم الشرقاوي: لا أؤمن بوجود امرأة ملهمة

السبت 13 يونيو

حوار مع الكاتب أدهم الشرقاوي
حوار مع الكاتب أدهم الشرقاوي

في صباه كان عفريتاً شقياً لا ينصاع بسهولة، ولكن أمه صنعته بحلمها من لا شيء؛ حين صبرت على شيطنته وعلى تدريسه. هنا حوار مع الكاتب أدهم الشرقاوي، نتحدث فيه عن حب والدته الفيّاض حتى في أوج غضبها فهو الذي صنعه؛ فقد استطاعت من يلقّبها بــ "ست النساء" أن تقوّمه دون أن تكسره؛ كانت الكتابة عنها دائماً فكرة مجنونة لذا شبّهها ولدها: "كمحاولة إذابة ثلج القطب كله بعود ثقاب واحد".

هل تساءلتم من قبل عن حكاية الأنثى مع الكاتب الفلسطيني الشاب أدهم الشرقاوي؛ الذي يتابع كثيرون ما ينثره من ورود كتاباته في كل صباح ومساء، ناهيك عن مؤلفاته التي كان آخرها: "وإذا الصحف نشرت"، و"مع النبي"، "عندما التقيت عمر بن الخطاب".  في هذا الحوار الماتع، تقدم "بنفسج" الوجه الآخر من رجلٍ استعار اسم "قس بن ساعدة"؛ لنبحث مطولاً عما تمثله حواء في حياته الشخصية، ونظرته للعديد من الجوانب المتعلقة بها.

 السرّ في القدرة

حوار مع الكاتب أدهم الشرقاوي

"في مدرسة النساء ماذا تعلّم رجل مثلك؟"  يقول: "النساء بارعات في تعليم الدروس؛ ربما تعلمتُ منهن مفاهيم عامة أكثر مما تعلمت دروسا خاصة. من أمي تعلمتُ معنى أن الراحة لا تُطلب بعيدا عن الله؛ ومن زوجتي خديجة تعلمتُ معنى أن يكون للإنسان إنسان يقاتل في الكواليس بشراسة ليبقى هو في الواجهة".
 
هنا قاطعته وتساءلت: "ماذا تعني بجملتك الأخيرة؟"؛ و راح يوضح مقصده: "أنا في الواجهة لأنها ارتضتَ أن تكون في الكواليس؛ ظهرتُ للناس لأنها قبلتْ أن تكون خفية".

ينطلق قطار الحديث من عند أصفى وأصلب وأرق امرأةٍ في حياته؛ فيخبرنا بحفاوة: "أمي ليست أجمل امرأة في العالم؛ ليست الأكثر ثقافة، وحضوراً وتعليماً، ولكنها أمي، وهذا سبب كاف لتكون أجمل امرأة في العالم. الأم لا يشبهها في عيون أولادها أحد؛ ربما في عيون الناس تتشابه امرأتان شكلا ومضمونا؛ ولكن في عيوننا نحن الأبناء هناك نسخة واحدة فقط من كل أم".  في صغره لم تكتشف "فاطمة بنت أحمد" أمر موهبته؛ إنها أمه "فاطمة" التي كتب فيها نصاً عدّه الأكثر دفئاً في كل أعماله؛ فهو نفسه لم ينتبه لقدرته على الكتابة مبكراً، ذلك أن بداياته الحقيقية في "منتدى الساخر" حين كان في الخامسة والعشرين من العمر.

سؤال كهذا يجب أن يتصدر القائمة حين يكون الـ حوار مع الكاتب أدهم الشرقاي : "كاتب مثلك لن يستمد مداده فقط من موهبته. مفهوم المرأة الملهمة إلى أي حد أنت مقتنع به؟ يبدو صريحاً أكثر من المتوقع حين يعترف: "لا أؤمن بوجود المرأة الملهمة أو الرجل الملهم؛ أؤمن بوجود أشخاص عظماء على بساطتهم يؤمنون بقدراتنا ويدعموننا؛ ولكن لا بد أن يمتلك المرء الموهبة أولاً؛ في بيت واحد قد يبرع شخص دون البقية رغم أنه محاط بالأشخاص ذاتهم؛ فلو طلّق ميسي زوجته وتزوجها رجل آخر لن يصبح زوجها الجديد لاعبا عبقريا؛ مع أني لا أحب فريق برشلونة؛ السر ليس في الزوجة أو الأم، وإن كنت لا أنكر دورهما؛ السر في قدرة هذا الشخص وموهبته".

 "في مدرسة النساء ماذا تعلّم رجل مثلك؟" بابتسامة أنيقة يقول: "النساء بارعات في تعليم الدروس؛ ربما تعلمتُ منهن مفاهيم عامة أكثر مما تعلمت دروسا خاصة. من جدتي تعلمتُ أن الإنسان لا يحتاج شهادة ليكون عظيما؛ ومن أمي تعلمتُ معنى أن الراحة لا تُطلب بعيدا عن الله؛ ومن زوجتي خديجة تعلمتُ معنى أن يكون للإنسان إنسان يقاتل في الكواليس بشراسة ليبقى هو في الواجهة".


اقرأ أيضًا: أيمن العتوم يعترف: أنا مغرمٌ بالنساء


هنا قاطعته وتساءلت: "ماذا تعني بجملتك الأخيرة؟"؛ وراح يوضح مقصده: "أنا في الواجهة لأنها ارتضتَ أن تكون في الكواليس؛ ظهرتُ للناس لأنها قبلتْ أن تكون خفية؛ على سبيل المثال دراستي الماجستير والدكتوراه كانتا بعد الزواج وبالإضافة لعملي في المدرسة والجامعة والصحيفة و"دار كلمات". ما كان لي أن أفعل كل هذا لولا أنها تقوم بدوري ودورها في البيت؛ وهذا شيء ذكرته في أطروحة الدكتوراه؛ قلت: "أشكر زوجتي التي قاتلت بشراسة في الصفوف الخلفية دون أن يراها أحد ليكون هذا العمل".

 رُزقتُ حبّها

(أنا مع الحكمة القائلة: لا تتزوج من يمكنك الزواج به، بل تزوج من لا يمكنك الزواج إلا به؛ وقد أنتهي بسبب ذلك عجوزًا وحيدة تتسلى بغزل جوارب الصوف لأحفاد الآخرين). ترى هل يؤيد الكاتب هذه المقولة التي وردت على لسان بطلة روايته "نبض"؟ يرد بالقول: "لست مع ولستُ ضد؛ هناك أشخاص يتزوجون زواجا تقليديا ويعيشون بسعادة غامرة؛ وهناك أشخاص أحبوا واختاروا وانتهى الزواج بكارثة؛ لا يمكن جعل تجربة شخصية قانونا للحياة؛ ولكني أكره أن يُفرق الأهل بين حبيبين؛ وكما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لم نرَ للمتحابين غير النكاح".

"ماذا عن زواجك..؟" يضحك، ويكشف عن هذه الصفحة من كتاب حياته: "لم يكن زواجي تقليديا، زوجتي كانت في صفي في دار المعلمين، وقد جمعتني بها سنة زمالة عادية، وسنة حب، وكان أول ما فعلته بعد الوظيفة أن تزوجتها، ولا أجد في وصف زواجي بها غير ما قاله رسول الله صلى الله عليه وسلم عن أمنا خديجة: "تلك امرأة رُزقت حبها".


اقرأ أيضًا: زياد خداش والمرأة : "المزيج المعقّد"


من يقرأ جيداً لأدهم شرقاوي يلحظ أنه يركز على أنموذج خديجة رضي الله عنها؛ فيما عائشة رضي الله عنها أيضاً كانت من أحب الناس إلى قلب الرسول؛ يشرح وجهة نظره مبيناً: "رضي الله عن أمهات المؤمنين جميعاً؛ وعائشة كما تفضلتِ كانت أثيرة حبيبة على قلب نبينا؛ لكني أؤمن أن خديجة لا يوجد منها نسخة ثانية؛ وقد كانت حدثا استثنائيا وامرأة لا تتكرر. وبدل أن نفتي ونحلل لنسمع الجواب من فم صاحب المسألة؛ ألم تقل له عائشة أما زلت تذكر خديجة وقد أبدلك الله خيرا منها؛ فقال: "والله ما أبدلني الله خيرا من خديجة".

"أن نبض تكاد تكون امرأة مثالية خارقة في كل صفاتها؛ بينما أسماء أكثر واقعية؛ ففي رواية نطفة هي شخصية حياتية مسكوبة في أحداث رواية؛ تشبه النساء اللواتي تلتقيهنّ كل يوم؛ تحب كما النساء، تخاف وتقلق، ولديها قضية". يقول أدهم.

وتابع حديثه في هذا السياق: "كما أن الفترة التي عاشتها خديجة مع رسول الله مختلفة عن الفترة التي عاشتها عائشة معه؛ خديجة كانت في مكة حيث الإسلام ضعيف والنبي يُؤذى؛ فكانت جبهته الداخلية وجيشه الذي لم يكن قد أسسه بعد. في حين عائشة أتت في فترة قوة الإسلام ومنعته؛ لم تقاتل قتال خديجة؛ لم تعطه مالها؛ لم تشهد أول الوحي معه؛ حديثي عن خديجة بشيء من القداسة ليس تقليلا من عائشة؛ أنا أتكلم عن حدود شخصية خديجة وليس في نيتي مقارنتها مع غيرها من زوجات النبي صلى الله عليه وسلم؛ اللواتي لم تأتِ إحداهن وخديجة على قيد الحياة؛ جميعهن كان لهن مقابل ومواز؛ خديجة كانت وحدها وهنا الفرق".

نبض وأسماء شخصيات أنثوية في أعمال "قس بن ساعدة" كتبهما بملء مشاعره؛ يتناولهما بالقول: "لا وجود أيّ منهما في الواقع؛ لقد صنعتهما على الورق؛ لكني أشعر أن القراء أحبوا نبض أما أنا أحببت أسماء أكثر؛ والسبب أقوله لأول مرة: أن نبض تكاد تكون امرأة مثالية خارقة في كل صفاتها؛ بينما أسماء أكثر واقعية؛ ففي رواية نطفة هي شخصية حياتية مسكوبة في أحداث رواية؛ تشبه النساء اللواتي تلتقيهنّ كل يوم؛ تحب كما النساء، تخاف وتقلق، ولديها قضية".

حوار مع الكاتب أدهم الشرقاوي: رفقاً بِهنَّ

حوار مع الكاتب أدهم الشرقاوي
ترى ما الذي يجمع النساء مهما اختلفت مشاربهن؛ يختصرهن في جمل قصيرة بليغة: "رقيقات، طيبات، يبحثن عن الحب والاهتمام، إذا أحببن يُعطين كأنهن ملائكة، وإذا كرهنّ يفجرن كأنهن شياطين، فلا تحاسبوا فيهن ردات الأفعال وإنما راجعوا أفعالكم؛ هذا المخلوق البسيط نحن نُخرج أجمل ما فيه ونحن نخرج أسوأ ما فيه أيضا.
 
 إنّ الاعتقاد حقا أن المرأة غامضة معقدة فلسفة فارغة لا أوافق عليها؛ أحيانا مشكلة فهم شيء ما لا تكمن في صعوبة الشيء نفسه بقدر ما تكمن في غباء الشخص وقدرته على الفهم".

عن أبلغ نصيحةٍ تخص التعامل مع النساء تلقاها من مجرب؛ يقول: "كانت من جدي رحمه الله عليه؛ قال لي مرة ما معناه؛ عندما تشكو إليك امرأتك فهي لا تطالبك بالحل لأنها تعرف أحياناً أن الحل ليس بيدك؛ إنها تريد أن تفضفض فقط؛ استمع إليها باهتمام وهذا يكفي؛ وقد كان حكيماً رحمه الله، ولكني لا أدري لماذا كان يغضب حين تفضفض له جدتي"، ويضحك بعدها.

وبطريقة إبداعية يضع يده على الشعرة الدقيقة التي تفصل بين العشرة والحب والاعتياد: "برأيي ثمة عاطفة تكمن وراء هذه المفاهيم الثلاثة؛ نحن نتعلق بالذين نعاشرهم وإن بدرجات؛ ونتعلق بالذين نحبهم؛ ونتعلق بمن نعتاد على وجودهم؛ ولكن الفرق الجوهري أن العشرة والاعتياد تكون على حالها لو كان المُعاشَر والمُعتاد عليه شخصا آخر؛ أما الحب فلا أحد يملأ مكان أحد؛ ويعجبني قول القائل: "لا تبحث في الآخرين عن آخرين فلن تجدهم".


اقرأ أيضًا: "عمر عاصي" وحكايا نساءٍ شكّلن طينته بالحب


ترى ما الذي يجمع النساء مهما اختلفت مشاربهن؛ يختصرهن في جمل قصيرة بليغة: "رقيقات، طيبات، يبحثن عن الحب والاهتمام، إذا أحببن يُعطين كأنهن ملائكة، وإذا كرهنّ يفجرن كأنهن شياطين، فلا تحاسبوا فيهن ردات الأفعال وإنما راجعوا أفعالكم؛ هذا المخلوق البسيط نحن نُخرج أجمل ما فيه ونحن نخرج أسوأ ما فيه أيضا. إنّ الاعتقاد حقا أن المرأة غامضة معقدة فلسفة فارغة لا أوافق عليها؛ أحيانا مشكلة فهم شيء ما لا تكمن في صعوبة الشيء نفسه بقدر ما تكمن في غباء الشخص وقدرته على الفهم؛ وإلا كيف تستمر بيوت لعشرات السنوات ولا تستمر أخرى أكثر من عدة أشهر".

"بمثل هذه النصوص يجب أن تتجمل النساء لا بالحلي ولا المجوهرات". وفق عبارة مقتبسة من كتابك: "ترى هل يحتاج الرجل إلى التجمل بكلمات امرأته؛ فهو غالباً يعشق بعينيه فيما الأنثى تعشق بأذنيها؟" يملك مهارة التحليل النفسي لكليهما حين يُجمل: "هذا لا يعني أن الرجل لا يحب الإطراء؛ وأن المرأة لا تحب الرجل الوسيم؛ فالجمال صفة حلوة في المرأة ولكنها لا تكفي وحدها لفتنة رجل مدى العمر؛ وعذوبة الكلام صفة حلوة في الرجل ولكن ليس بالكلام وحده تُستمال النساء".

"لا بد للرجال حولها من أن يكونوا عظماء أولاً؛ نحن اليوم أمة متأخرة حضاريا وإن كنا متفوقين إنسانيا. ولتنهض نساؤنا لا بد أولاً أن يأخذ رجالنا المبادرة؛ كيف نطالب امرأة أن تكون حرة في كنف رجل عبد؟!

وحول بطولة يمكن أن تجتمع في أنثى دون أن تضطر للمثالية؛ بدون تنظير يدلي بدلوه: "ليس على الإنسان أن يكون مثاليا ليكون بطلا؛ بلادنا تعج بالأبطال من الجنسين؛ الأب الذي يشقى ليل نهار ليؤمّن قوت أولاده وزوجته بكرامة بطل؛ والأم التي تربي وتداوي وتعطف وتدير موازنة متهالكة باقتدار بطلة؛ الموظف الأمين بطل؛ وكناس الطريق بطل. لا بطولة أعظم من أن يكون المرء فيما يجب عليه القيام به".

"ماذا يتطلب من المرأة كي تكون عظيمة؟". يصمت قليلاً قبل أن يواصل: "لا بد للرجال حولها من أن يكونوا عظماء أولاً؛ نحن اليوم أمة متأخرة حضاريا وإن كنا متفوقين إنسانيا. ولتنهض نساؤنا لا بد أولاً أن يأخذ رجالنا المبادرة؛ كيف نطالب امرأة أن تكون حرة في كنف رجل عبد؟! ولكن على أية حال، ثمة أمور لا تتعلق بأمر الأمة بقدر ما تتعلق بأمرنا نحن كأفراد وأهم ما تفتقده المرأة برأيي هو التشجيع والتحفيز والإيمان بقدراتها بدل النظر إليها على أنها ضلع قاصر مهيض الجناح".

أما رأيه في المرأة الفلسطينية فعلى النحو التالي: "نحن نحب أوطاننا لأنها أوطاننا؛ لا لأنها الأجمل ولا الأفضل؛ ثم إن الفلسطينيات ككل نساء الأرض لسنَ امرأة واحدة؛ فيهن نماذج تجدينها في كل المجتمعات؛ ولكن عظمة المرأة الفلسطينية نابعة من عظمة قضيتها التي تحملها وتعمل لها، وليس لأنها تنتمي إلى هذه البقعة من الأرض". وتدور صورة المرأة التي يحاول تعزيزها في مقالاته أو كتبه حول مفهوم واحد يوصله بطرق شتى مفاده: "القرار بيد الرجل فيما يتعلق بها؛ هو من يقرر أن يستمتع بحلاوتها؛ وهو من يقرر أن يكتوي بنارها؛ وقلما يضيع المعروف بين الناس".

كوني له كأمكِ لي

حوار مع الكاتب أدهم الشرقاوي

تأملوا قليلاً في حوار الكاتب أدهم الشرقاوي والذي قال فيه: "العالم لا ينقصه أطباء ولا مهندسون... هذا العالم يعاني شحاً في الحب، وهذه وظيفتكن فقاتلن من أجل أنوثتكن"؛ هل يعني ذلك أن المرأة يجب أن تركز في مهمتها الأساسية بعيداً عن أي طموحات؟ ينفي بشكل قاطع ذلك؛ موضحاً: "أبدا ليس هذا ما أردته؛ لستُ ضد عمل المرأة؛ زوجتي مُدرسة وأختي موظفة؛ ولستُ ضد أن تقود السيارة أنا علمت زوجتي وأخواتي القيادة؛ أساساً منع المرأة من التعلم والعمل هو تعطيل لنصف المجتمع وتجهيله؛ ولكن ما أردت قوله أن غياب المرأة عن العمل لن يكون فادحاً كغيابها عن بيتها وعن دورها؛ للمرأة مهمة أعظم من إنشاء الجسور والإشراف على البنايات وان كان هذا عملاً عظيماً؛ ولكن الأعظم منه هو دورها أماً وزوجة".

وزاد في توضيحه: "أخشى أن تُفتن المرأة بتحقيق الذات والاستقلال بمفهومه الغربي وتحولها إلى كائن مادي بحت في حين أن عظمتها في روحانيتها. أخشى أن لا تستطيع المرأة التوفيق بين مهمتها الأساسية وبين عملها. احترم عمل المرأة واحترم تلك التي توفق بين عملها وبيتها، ولكن دعك من المثالية؛ المرأة العاملة تستنزف نفسها؛ تحمل فوق طاقتها؛ ودائما ما أحرض زوجتي على الاستقالة؛ ولكني احترم رغبتها ما دامت لا تقصر بمهمتها الأساسية؛ أريد لها ولغيرها أن ترتاح لأجلها وليس لعدم تقديري لعملها الذي أتفهم أنه أحياناً يكون من باب الاضطرار لا من باب الاختيار كما هو حال زوجتي".

وإن نظرنا في كتابه "حديث الصباح" فلديه نص جميل عنوانه "تعالي أكذب عليكِ"؛ ختامه: أنا حين أقول لا أحبك فإني أحبكِ؛ وحين أقول لا أشتاقك فإني أشتاقكِ؛ وحين أقول لا أفتقدك فإني أفتقدكِ". يتحدث عن أثر الفراق بين الرجل والمرأة: "هذا النص هو تجربة حقيقية لصديق لي كتبتها بقلمي؛ وفراقهما كان بسبب استحالة أن يجتمعا؛ فقررا أخيرا أن يمضي كل في طريقه. لن أقول لك المرأة عاطفية وتتأذى أكثر والرجل عقلاني قادر على التماسك؛ أساسا هذا تعميم ولا أحب أن أعمم. سأقول لك: الحب حرب شخصين معاً إما أن ينتصرا أو يهزما لا وجود لمنتصر على حساب الآخر؛ أساسا إنّ الباحث عن نصر لا يمكن تسميته عاشقاً".


اقرأ أيضًا: علاء اللقطة: فلسطين سيدة تستنطق ريشتي


نسلّط الضوء قليلاً على علاقته ببناته الثلاث؛ إذ تأخذ شكلا آخر؛ فلا هي صداقة ولا أبوة بل مزيج من الاثنين؛ يفتح قلبه لــ "بنفسج" في هذا الجانب من عَالمه: "ثمة مواقف تحتم عليّ أن أكون أباً فقط، وثمة مواقف تحتم أن أكون صديقا، ولكني لا أعنفهن لا لفظاً ولا فعلاً؛ وعندما تحرضني زوجتي عليهن أقول لها: "أنا سعيد أنك حازمة معهن بحكم انشغالي الدائم وشاكر لك أنّك تسدين غيابي وانشغالي ببراعة؛ ولكن لو حزمنا أنا وأنت لكسرناهن، أنا أرطب حزمك وأنت تشدين ليني. دائماً أخبرهن أن عليهن أن يُؤمنّ بأنفسهم، ولا يسمحن لأحد أن يكسر مجاذيفهن، وأن يستمتعن بما في أيديهن، ولا ينظرن إلى ما في أيدي الآخرين. حتى أنني أرفض أن تسألهن أمهن عن علامات زميلاتهن في المدرسة؛ وأقول لها لا أريد أن يشعرن بعقدة نقص تجاه أحد، مع أنهن ولله الحمد متفوقات دراسيا".

وذات ليلة عمر ستكبر ابنته ويزفّها إلى زوجها؛ عساه ماذا سيهمس لها هذا الأب؟ بسمة حانية تشرق حين قال: "تذكري أني أحببتكِ أولا؛ وسأبقى أحبك حتى آخر لحظة من عمري وعمرك؛ ثم سأقول لها: "كوني له أمة يكن لك عبدا؛ وإن صعب عليك كوني معه كأمك معي". ينتابنا فضول بشأن الطبخة التي يحب أن يأكلها من يدي أمه: "كلّ الأطعمة التي تعدّها أمهاتنا لا يستطيع تقليدها أحد؛ ربما هو شيء بحكم العادة أو ربما بسبب الحب. عموماً علاقتي بالطعام سطحية جداً آكل ما أجده ولا أتذمر، وقلما يخطر لي طعام محدد، وزوجتي طباخة ماهرة بالمناسبة. وقد أكلت طعاما شهيا في أمكنة مختلفة من مطاعم، وفي بيوت الأصدقاء؛ ولكن يبقى لطعام أمي نكهة ليست لأحد".

أنهينا الـ الحوار مع الكاتب أدهم الشرقاوي وتعرفنا عليه أكثر، هو رجل لديه حساسية بالغة تجاه الألقاب بل ويطالب بشطب "الدال" عن اسمه؛ ألقينا في الختام سؤالا بسيطا جداً لكنه يحمل في جوفه كل الحكاية: "ماذا تُراك فاعل؟ "فكان الجواب شافياً وافياً: "أوقد شمعة". هي لكل من يؤمن مثله أن "الإنسان بقلبه؛ ذكراً كان أم أنثى" حتماً ستناطِح شمعته السحاب.