الأربعاء 26 يونيو
أنا أسماء مغاري، سمعتم بقصتي، بكل تأكيد، وأريدكم ألا تنسوها، وألا تنسوا أن أولادي وعائلتي ككل شهداء غزة ليسوا أرقامًا، لذلك سأظل أكتب قصتي، وذكرياتي مع من فقدتهم، وعنهم هم؛ قصصهم، أحلامهم، ماذا يحبون من الأطعمة، ماذا يفضلون من الألبسة، كيف كانوا يقضون أيامهم المدرسية، وكيف يمضون الأعياد، شكل ابتسامة كل منهم وحزنه، شعر آية الناعم المنسدل، أناقتها، فساتينها، ابتسامتها، ألوانها المفضلة... وعبود الطفل الجميل؛ طعامه المفضل، لعبته المحببة، وصوت ضحكاته، ومشاكساته.
في 17 أكتوبر الماضي، ارتكب الاحتلال مجزرة بحق عائلتي "المغاري" حينما قصفت طائرات الاحتلال مدينة رفح، واستهدفت هذه الغارات منزلًا سكنيًا يعيش فيه كافة أفراد عائلتي، وتسببت هذه المجزرة الإسرائيلية التي استهدفت منزلًا يضم المدنيين في استشهاد أكثر من 25 شهيدًا من عائلة المغاري، وهي عائلتي التي لم يبق منها أحد.
لن أتوقف عن سرد قصتهم، سأواجه بها آلة المحو الصهيونية، وإذا كانوا يقتلوننا أجسادًا، فنحن أحياء بقصصنا وحكاياتنا وسردياتنا، هذه البلاد لنا، تثبتها الحياة الحقيقية فيها ولا تنفيها آلتهم العسكرية حتى لو جرفتها من أعماق أعماقها بيوتًا وشوارع وساحات.
واليوم يا أطفالي، أنتم من تخلصتم، وليس أنا، وبقيت في عالم أكثر رعبًا وبؤسًا، سلبكم مني في لحظة غدر، وأنتم تدعون يا رب ما يقصفنا الصاروخ. قبلت والله قبلت مشيئة الله، لكن قلبي مكسور يا أولادي، ولم يكن الأمر سهلاً عليّ.
سامحوني يا أبنائي، لو استطعت حمايتكم، لفعلت، وأبقيتكم في حضني، آهٍ لو استطعت.. سأواصل الحياة التي كنا سعداء بها معًا. الجنة تليق بكم يا أبنائي، إنها مكانكم.. لن تستيقظوا خائفين على صوت الغارات الجوية بعد الآن، ولن تخافوا بعد الآن.. انتهى الأمر.
صحيح أنني رفضت رؤية طفلي الشهيدين أيوش وعبود بعد انتشال جثتيهما بعد أيام لأحتفظ بصورتهم التي أعرف..لكنني يا ماما لا أنسى ما سمعت من أحدهم حين قال "جمعنا جثث ال8 أطفال في قبر واحد". اللهم إني أسألك حق ثأري لأطفالي ثأرًا يحرق الظالمين الغادرين الصهاينة في هذه الدنيا.
بعد 7 أشهر وأنا لا أجرؤ على حذف شيء يخصكما.. اليوم أزيل تطبيقات الألعاب التي حملتموها على جهازي، أخرج من المجموعات التعليمية الخاصة بكما، ألغي متابعتي لكل صفحة أراها أمامي تعرض ملابس الأطفال وألعابهم.. لم يكن قتلكم كابوسا كما ظننت.. بل كان أفظع حقيقة!
اغتال الاحتلال الجد والابن والحفيد في وقت واحد؛ كأنما استأصل شجرة احتاجت لسنوات حتى تنبت وتنمو وتتمدد جذورها بضربة واحدة. وهذا ما يحدث في غزة الآن، وتحديدًا ما يسمى "المحو من السجل المدني، إذ اغتال الاحتلال أكثر من 150 عائلة، وثقتها وزارة الصحة ومنظمات حقوقية فلسطينية، تم اغتيال معظم أفرادها، وتعرضت 65 منها للإبادة التامة، حيث استشهد جميع أفرادها سواء بقصف منازلهم أو باستهدافهم على الطرقات خلال محاولتهم النزوح إلى مناطق أكثر أمنا، أما باقي هذه العائلات ففقدت 5 من أفرادها أو أكثر في الحرب.
ومن بين هذه العائلات، عائلتي، المغاري، إذ راحت عائلتي إثر القصف الوحشي، ونجوت وأخي وحدنا يوم السابع عشر من أكتوبر/تشرين الأول الماضي، وهي الغارة التي أسفرت عن استشهاد خمسة وعشرين شخصًا من بينهم طفلي آية وعبد الله.
مضت أيام يا ماما... إنتو الي نجيتو مش أنا
لا أعلم كيف يُرثَى الأهل والأبناء عندما يرحلون مرة واحدة.. يوم نبقى وحيدين دون أم وأب وإخوة.. ولا حتى أبناء.. سلام عليكم أبد الدهر وأسأل الله أن يلحقنا بكم شهداء صالحين. كم من الصعب أن تبقى وحدك بعد أن يرحل الجميع، حينها حتى ذكريات الفرح تصير وجعًا وألمًا.. وتصبح نوعًا من اجترار الحزن، وهذا ما يفعله الآن من بقوا وحدهم بعد رحيل عائلاتهم
مضت أيام يا ماما... إنتو الي نجيتو مش أنا، أنا ضليت بأكتر عالم مرعب وحقير حرمني منكم بلحظة غدر... رضيت والله رضيت بقضاء ربنا بس انكسر ضهري يا ماما ومش هاين علي قبلها بيوم كنتو تحكولي "يا رب يا ماما ما يقصفنا الصاروخ يا رب ما تنكسر دارنا ونموت". سامحوني يا ماما لو بإيدي بحميكم وبخليكم بحضني لو بإيدي بنكمل حياتنا الي كنا مبسوطين فيها مع بعض ..الجنة بتلبقلكم ومكانكم يا روحي .. ما رح تصحوا مفزوعين من صوت الصاروخ ولا تخافو بعد هيك يا ماما خلص.