بنفسج

أم الشهيدين كارم ومحمد: رحيل المجاهدين المقبلين

الأحد 21 يوليو

منذ أكثر من تسعة أشهر، والفقد والفراق هو العنوان الأعرض للحياة اليومية في قطاع غزة، كان النصيب الأكبر للنساء اللواتي فقدن فلذات أكبادهن، أمهات للشهداء أصبحن، لا تُفرق " إسرائيل" في ما تشنه من إبادة جماعية ضد قطاع غزة، بين طفل وفتى وشاب وامرأة، غير أن بطلة قصتنا اليوم هي أم للمكارم والشهداء، ربت أبطالًا للمقاومة، قاتلوا حتى قُتِلوا، مقبلين غير مدبرين، فتصبر وتحتسب، وتسودع أولادها عند ربها حتى يحين اللقاء الأبدي، إنها أم الشهيدين المجاهدين كارم ومحمد، الذين استشهدا في حرب طوفان الأقصى، قضى البكر في أولها، بينما ترّجل الآخر بعد سبعة أشهر من بداية الحرب. 

إم كارم: أم المكارم والشهداء 

إم كارم.. أم المكارم والشهداء.jpg

أصبحت الحياة باهتة بلا ألوان  عندما شيعت أبناءها شهداء، ملتحفة بالصبر، وقلبها الرقيق المحبّ لأولادها تحول إلى جبلٍ من الحزن والانطفاء. كارم الشهيد الأول الذي ودعته أمه، وداعين أولهما عندما نادى المنادي حي على الجهاد، هبً نصرة للأسرى والمسرى في السابع من أكتوبر، اليوم الذي شهد آيات اللهب وضربات المقاومة في أراضينا المحتلة.

كارم الذي تربى على الجهاد، واختار طريقه واضحة، فالتحق بصفوف فصائل المقاومة، وطلب الشهادة حتى نالها، وأمه صديقة تؤمن به وتصدق غايته، وتربت على كتفه، وتدعو له دعاء المُحب الذي يخاف فراق حبيبه، مع إيقانه بأن الفراق آتٍ لا محالة، وإن اقترب موعده أو ابتعد.

أُصيب كارم في الأيام الأولى من حرب طوفان الأقصى؛ فتوقفت عقارب الساعة بعد إصابته، حاولوا إنعاش الشهم بطل أمه ومهجة فؤادها، إلا أن وداع الأبطال كان حاضراً، فهو الشهيد مقبلاً غير مدبر . حكايا الأمجاد سطرتها أم كارم بدماء الأحبة الراحلين، الذين عرفهم التاريخ وكتب عن بطولاتهم وجهادهم، صدقوا الله فصدقهم ونالوا الشرف الأعظم . ويا لهف روحها عندما تشتاق لاإبن البار السند الذي كان أباً لإخوته، يربيهم على حب الجهاد، وأمه تشد على يديه فهي أخت شهيد من رموز المقاومة الفلسطينة.

وداعًا محمد... وداعًا عين الصقر 

من قصص الشهداء في غزة.jpg

بعد سبعة أشهر من عمر الحرب ذُبل قلبها مرة أخرى، وانكوت بمرارة الفقد برفيق دربها وأنيس وحدتها، عين الصقر مُحمد الذي نال شرف الشهادة، فكانت روحه معلقة بجنين فكلما سمع شهداء سقطوا هناك، اشتعلت النار في قلبه، يريد الذهاب ليقاتل هناك، فغيرته على وطنه تسكن بين ضلوعه،  ارتدى خارطة الشهادة منذ الصغر ليكرم بها في ريعان الشباب.

لقب جديد زينت به أم الشهيدين، لتتوسم بوسام الفخر والعزة بكل مكان وزمان، رغم الجرح الغائر بالقلب ونزيف الحزن في العين، فأرضنا جبلت على الارتواء بدماء الأبطال الذين بزغ نورهم على حب فلسطين.

إم كارم التي واست مرارًا أمهات الشهداء في غزة والضفة ما زالت متمسكة بذلك، انقطف من قلبها زهرتان كانا يشعلان قلبها فرحًا وحبًا، فلا شيءٍ يعزي قلبها المكلوم إلا أنهم شهداء عند ربهم يرزقون.