الجمعة 09 اغسطس
ليلة كاملة وهو تحت الأنقاض وأنا أناجي الله، حرارتي ترتفع والإعياء يصيبيني، كان لدي أمل أن يخرج حيًا من تحت الركام. هو زوجي ورفيق السنين مصعب. كنت أرضع طفلتي المولودة سارة وإذ بي أقرأ خبر قصف بيت عم مصعب الذي ذهب له. هاتفته كثيرًا ولكن دون رد، ومازلتُ أنتظر رده منذ ذلك الحين.
أنا آلاء محمد زوجة الشهيد مصعب الخطيب. أخبركم هنا حكايتي مع الفقد.أتعرفون هذا هو العجز بعينه، وإني والله يصعب علي الكتابة والحديث عن الألم الممتد. أشعر بأن الحياة قد أظلمت وأن الليال مرعبة وفكرة رحيل شخص كان يرافقك طوال هذه السنوات يصعب استيعابها، أنا لا أرثى مصعب الزوج، أرثى مصعب الصديق والرفيق وكل شي في حياتي...
حياتنا كانت مليئة بالمغامرات، كنا نحب المشي إلى البحر فجرًا والجلوس على رمله، وكان من عشاق السباحة، يذهب للسباحة وأنا قلبي يكاد يتوقف، أراقبه من بعيد خوفًا عليه من الغرق وما إن يخرج أتنهد تنهيدة المرتاح ونلتقط بعض الصور للبحر مع الشروق.
لم أخبركم هو أستاذ ومعلم في مدرسة، شغوف بحب التدريس، يفكر خارج الصندوق، أكثر ما كنت أسمع منه، إلحاح الطلاب عليه أن يكون معلمهم للمرحلة القادمة، بالمناسبة هو خريج فيزياء، وأنا كنت طالبة أثناء زواجي وكان يشرح لي بعض المساقات، معجبة بأسلوبه وتبسيطه للفكرة، أخبرني مرة بأنه يحلم بإكمال الماجستير وأن يكون محاضرًا جامعيًا يسهل للطلاب المساقات ويجعلهم يقعوا في حب الفيزياء، صدقًا إنه عبقري يحب الاكتشاف، أما عن قلبه فهو طيب حنون رفيق الصغار تعلمت منه كيف أصبر على الصغار وأداعبهم.
لأحدثكم قليلًا عن سارة طفلتنا الأولى حبيبتي وروح أبيها، مازالت لا تعرف عن استشهاد أبيها، تنادي باسمه بابا ولكن لا مجيب، أعتذر لها كثيرًا إن غضبت عليها واستنجدت بالبكاء مع كلمة بابا، وقتها أشعر بالعجز، كم هي صغيرة على الحرمان، لقد كنا نذهب سويًا إلى دكتورة النساء نسمع نبض القلب ونستمتع بطريقة نموها، كيف كانت تكبر وفي كل مرة نذهب، أقول له مرات عديدة: رأيت كيف كبرت، أصبح لها يدين وقدمين و.... يبتسم من شدة فرحته!
أما عن آخر كلماته أخبرته: "أني خائفة عليه وأني أبكي من هول ما يجرى"، فقال: "لا تقلقي، بنفعش هيك.. ديري بالك ع حالك وديري بالك على سارة."وكنت أود أن أتحدث معه وأخبره بعض الأمور، رد: "إن شاء الله في الغد، وللحديث بقية، لكن بقى الحديث عالقًا ولم نكمل البقية."
يوم استشهاده.. بكيت جدًا وارتفعت حرارتي وفي الصباح بكيت حتى بكى الجميع من حولي..بقي تحت الأنقاض، دعوتُ الله وناجيته ليل نهار أن يخرج حيًا، حتى لو كان مصابًا، فأنا راضية لكن قدر الله نافذ.كلما رأيتُ سارة رأيته أمامي، أبكي سارة مرة على اليتم وأبكيه ألف مرة على شبابه وأحلامه المتناثرة، أحاديث بيني وبين نفسي أكاد أفقد صوابي، ولكن أقرأ عن كرامة الشهداء وما يلقونه، وإنّا كلنا لله وكلنا إليه راجعون...