بنفسج

آل الزرد: عائلة زانها الشهادة والقرآن

الثلاثاء 03 سبتمبر

"بابا بابا.. احكي الشهادة".. لم يكن الأمر سهلًا عليها، أن يكون والدها برأسه على ركبتها وهي تنزف، وهو يلفظ أنفاسه الأخيرة، كان استيقاظها شاقًا، فقد جاءتها كل العائلة تخبرها بأن الصاورخ وقع على البيت لكنها لم تستيقظ، فأصر والدها على البقاء عندها فكان آخر ما سمعته "بلسم اصحي يلا يا بلسم".

 فتحت عينيها ولم تتمكن من الرؤية من الدماء والغبار الذي يكسوها، وبمجرد أن لمحت بقعة ضوء رأت والدها يسقط على الأرض. صرخت بعلو صوتها حتى جاءها شقيقها يسحبها للخارج وهي تصرخ: "بسيبش بابا بسيبش بابا".

ووسط كل هذا ما زالت الصواريخ تتساقط عليهم أربعة صواريخ، إذ كان سلاح الجو الإسرائيلي مصرًا على قتل كل من في البيت، الثاني كان من نصيب الابن عبد الرحيم، والثالث والرابع لمنع كل من يحاول انتشال الشهداء والمصابين، ولكن كُتب العمر للابن والابنة على الرغم من الصواريخ المتفجرة ورحل الوالد كما تمنى شهيدًا مقبلًا غير مدبر.

ليلة الاستهداف بـ 4 صواريخ

زر 1.jpg

أسماء الزرد زوجة الشهيد الداعية وائل الزرد، تخبرنا عن استشهاد الشيخ، وقبله الابن، تخبرنا عن اللحظات الأخيرة في حياتهما، وما حدث ليلة القصف.

تقول لبنفسج عن ليلة استهدافهم: "في الحقيقة كنا نازحين من المنزل وعدنا تلك الليلة، بعد إصرار من الشيخ أن نعود للبيت لآخر مرة "حابب نقعد لحالنا هالمرة اقنع أمك يا عبد الرحيم". وافقت تلبية لرغبته، استيقظ ليلتها لقيام الليل ثم ذهب إلى المسجد، فتحه وأذن وصلى ثم عاد، وبعد السادسة صباحًا تم استهدافنا جميعًا ونحن نيام".

كانت أم البراء قد طلبت من بناتها أن ينمن على باب المنزل حتى إذا استهدفوا ركضن مباشرة إلى الخارج، بثوان فقط انقلبت الدنيا رأسًا على عقب وأصبحوا تحت الركام، كان أول من خرج هي مع بناتها زين وسندس، إذ استهداف الدرج بصاروخ، ومن شدته طاروا نحو الخارج، فظلت تصرخ على الناس "يا عالم الشيخ استشهد جوا حاولوا أنقذوه".. أما عبد الرحيم فقد تسلق على الستارة من الطابق الثالث للثاني ليدخل لإنقاذ شقيقته بلسم ووالده.

تضيف: "وجد عبد الرحيم شقيقته بلسم تنقل والدها الشهادة وتبكي، والدماء تغمرها، سحبها بالقوة للخروج وترك والدها لكنها رفضت وبقيت تصرخ، لم يكن الأمر هينًا عليها أن يستشهد والدها بين يديها، خرجت نحونا في حالة يرثى لها، كانت مصدومة غير مصدقة لما جرى".

كانت بلسم قد رأت في منامها أنهم يشيعون والدها، فأخبرته: "بابا حلمت مرتين أنه أنت شهيد وبنشيعك". فرد عليها مبتسمًا: "ياريت.. إن شاء الله".

أصيب الشيخ أبو البراء عند مكان النبض تمامًا، وبلسم مثله أيضًا ولكن ما زال لها في العمر بقية، عولجت من الإصابة ولكن ليس بشكل تام، فهي إلى الآن تعاني من ألم إذ أُغلق جرحها وهو بداخله حجارة مفتتة.

 

البراء سبق ونالها

وو.jpg

قبل بدء حرب الإبادة الجماعية كان قد اُستشهد ابن الشيخ، البراء، يومها تأثر جدًا، يبث القوة في نفوس زوجته وأبنائه ويتواري عن الأنظار ليبكي براء، وما كان إلا رجلًا ثابتًا كما عهده أهله ومحبيه ولكنه تمنى الشهادة، ظل خمسين عامًا يفعل الخير لأجل أن ينالها، وبعد استشهاد ابنه كانت تسمعه زوجته أسماء وهي يناجي الله في قيامه: "اللهم ألحقني بابني البراء شهيدًا ولا تأخذني إلا شهيدًا".

تقول أم البراء عن ابنها: "كان ابنًا بارًا خلوقًا، أذكر في مرة تشاكس مع شقيقاته، فساءت حالتي الصحية إثر ذلك، يومها علم من والده بحالتي فجاء يركض للبيت نحوي وجلس تحت قدمي يطلب السماح ويبكي".

قبل استشهاد البراء بأيام جلس بجانب والدته يحكي معها ويطلب منها أن تدعو له ويقول: "أمانة يا إمي ادعيلي استشهد". فلم تقبل وقالت له: "لسا يما بدي اشوفك عريس وافرح فيكِ بدري يما بدري".

أما عن الشيخ حاول مرارًا أن يخرجها من حالة الحزن التي كانت بها بعد استشهاد بكرها، فأخذها للجامعة وسجل لها بتخصص جديد لتتعلم وتنشغل بأمور جديدة لعل ذلك يخفف حزنها قليلًا.

 

مشروع "طوفان الأقصى" على الدرب

زر111.jpg

بعد أن فقدت السيدة أسماء الزوج والابن والبيت ما كان منها إلا أن تكون قوية لأجلهم، صابرة محتسبة، فخطرت لها فكرة مشروع طوفان الأقصى لتحفيظ القرآن الكريم، لتكمل به مسيرة زوجها الداعية، فتقول عن مشروعها: "بدأت بحلقة واحدة في مركز الإيواء الذي أعيش به.

 ثم توسعت الحلقات لتضم المراكز من حولنا لتصل ل50 حلقة تضم كل منها 30 حافظة، ثم وصل العدد 1800 طالب وطالبة، لم تكن الحلقات فقط لتحفيظ القرآن بل منها كانت ندوات إيمانية، محاضرات في التلاوة والتجويد، أيام ترفيهية وثقافية".

عقدت السيدة أسماء مسابقة في مركز الإيواء تضم 500 طالبة وطالب لسرد سور من القرآن، كما تم سرد ابتداءً جزء وحتى القرآن كاملًا ل 700 طالب وطالبة، وفي يوم عرفة عُقدت جلسة لسرد القرآن كاملًا ل1500، منهم 350 سردوا القرآن كله من فجر عرفة وحتى مغربه، وأصغر القراء كان بعمر العشر سنوات.

ما زالت أم البراء تواصل تحفيظ القرآن الكريم وتسير على خطى زوجها وتشجع أبنائها على التزود من علوم القرآن الكريم، تحكي لنا عن ابنتها بلسم التي سردت القرآن كاملًا ضمن المشروع، "اكتشفنا صوتها الجميل في الترتيل منذ الصف الأول ومن يومها ونحن نهتم بها وبموهبتها، فقد حفظت كتاب الله بالكامل، وحققت أمنيتها الأسمى، وتأمل أن تصبح دكتورة في الشريعة الإسلامية أسوة بوالدها الشهيد وائل، وإعلامية لها اسمها".