"أم مالك: لدينا قماش أبيض للكفن ولا يوجد قماش لرايات الاستسلام"، هذا ما قالته الأم وتقوله للعالم أجمع بعد أن فقدت زوجها وأبناءها وابنتها حنين. "زغردت خمس زغرودات للأول والثاني والثالث والرابع وللبنت. الدكتورة حنين، تخرجها كان كمان عشر أيام.
للشهادة فرحة أن تتبوأ مقعدها في الجنة مع ولادي، ربيت مالك 31 سنة حنين 30 محمد 26 مؤمن 19 سنة أحمد 16 سنة، ربيتهم وتعبت عليهم أحسن ترباية. نكفن أبناءنا بالأكفان البيضان ولا نرفعها استسلامنا....".
"أم مالك: لدينا قماش أبيض للكفن ولا يوجد قماش لرايات الاستسلام"
"ما شاء الله بتشاهدوا؛ والله راحوا شهداء زي ما بحبوا"، في مشهد الزغرزدة عرفناها عندما استشهد ولديها في مجزرة استهدفت المسجد الأبيض في مخيم الشاطئ غربي مدينة غزة؛ ليرتقيا أثناء صلاتهما في المسجد. فخورة عصية قوية تغذي الملايين من حوله طاقة انتصار وعنفوان، فنحن أصحاب الأرض، ونحن أهل الحق، ولا ريب نحن منتصرون.
أم مالك ... أم لخمسة شهداء
أم مالك بارود، إحدى الخنسوات الكثيرات في فلسطين وغزة، من أمثال أم محمد فرحات وغيرهن العديدات، من اللواتي يعتبرن حضن المقاومة ومصنعها وجامعتها. أم لخمسة شهداء أربعة من الشبان وابنة، وهي الإعلامية حنين بارود، التي أفردت لها منصة بنفسج مادة خاصة وذلك لدورها وتأثيرها على عائلتها، وكذلك في مجتمع غزة خصوصًا أثناء الحرب.
لم تودع أم مالك بارود، اثنين من أبنائها فحسب؛ بل سبق أن ودعت نجلها البكر مالك، ذلك الشاب الذي هبّ مع أبناء حي الشاطئ في ذروة الاستهداف بالأحزمة النارية ليجلب ماءً حلوا صالحا للشرب على مفترق الجامعة الإسلامية، لتستهدفه طائرات الاحتلال، وتبقي جثمانه لشهر كامل تقريبا على الرصيف. ليلتحق به شقيقه الآخر بعد أقل من شهر، في استهداف لتجمع من المواطنين أثناء محاولتهم أيضا البحث عن ماء.
أما والدهم محمود بارود، أحد أهم أعلام الحركة الرياضية في القطاع، ومدير عام في وزارة الشباب، فقدت آثاره تماما مع بدء العملية البرية العدوانية على شمال القطاع؛ ولم تعرف العائلة شيئا حيال مصيره.
أما أختهم فهي الإعلامية البارزة حنين بارود التي كانت على موعد مع نقاش رسالتها في الدكتوراه قبل عشرة أيام من استشهادها. ارتبط اسم حنين بالنشاط الإعلامي تحديدا في توثيق مسيرات العودة الكبرى؛ فلم تغب جمعة واحدة عن هذه الفعاليات؛ رغم إصابتها آنذاك مرتين. حتى استقر بها المقام في مؤسسة القدس؛ تلك المؤسسة التي تعنى بتوثيق المدينة المقدسة، والجرائم الإسرائيلية التي ترتكب بحق المقدسات هناك. نعت حنين إخوتها الشهداء وهاهو القدر يجمعهم جميعًا ليتبوأوا مقاعدهم من الجنة.
والأم تطلق زغرودتها عند تلقيها أخبار الشهادة، فهي تنظر إلى أبنائها الذين سبقوا بعين الشوق والفخر. تقول أم مالك وهي التي ودعت ابنتها بعد ساعات من البحث عن جثتها؛ "كنت أبحث عن جثمانها وأسعى لإيجاده؛ كما طافت وسعت أمنا هاجر وهي تبحث عن المياه لطفلها في الصحراء".
وهي الصابرة المحتسبة التي عاشت وكأنها تتزود قوة لهذه اللحظات، فتقول: "والله لو لم يكن لدي أحد؛ ولو ودعت كل عائلتي؛ لن نندم، ولن نسلم، ولن نتراجع، ولن نهاجر من شمالنا، وملتقانا الجنة. أنا ودعت خمسة من أولادي، نيالهم فداء للدين ولفلسطين".
قصة استشهاد الأبناء
تقول ام مالك: "هذا حالنا حال الشعب الفلسطيني، الحمدلله رب العالمين، أول ثنين قدمتهم كان واحد في لجنة الطوارئ كان يقدم ماءً للمدارس وللناس، وراح يجيب بنزين من عند طرمبة فارس استهدفوه واستشهد وقلنا الحمدلله إلي ربنا اصطفاه شهيد الحمدلله رب العالمين، يعني بسقي أبناء شعبة وبجمعلهم البنزين ع سبة يقدملهم الماء.
الاحتلال كان يقصف أي شيء من مقومات الحياة عنه من ضمنها الماء، كان يمنع الماء، وأي محطة يستهدفونها، أي مشروع مياه في الباصات أو الشاحنات كان يستهدفوه، سبحان الله أجت من نصيبه الحمدلله رب العالمين استشهد هذا الولد في 7 نوفمبر".
أما عن ابنها الثاني مالك فتقول الأم الصابرة: "الولد الثاني ضابط إسعاف الحمدلله رب العالمين، وهو بسعف بجيراننا، استشهد قصفوه وهو بسعف بجيراننا في 24 ديسمبر، كان مستشهد هذا الشب، لما استشهد أخوه ما كان عارف إنه أخوه مستشهد أجوه ناس، قلوله تعال ارفع معانا الشهيد اطلع عليه على أخوه مالك، مسك معاهم الشهيد، طب اتعرف عليه، تعرف عليه، طلع أنه أخوه استشهد، قال أخوي، هادا قال اللهم أجرني في مصيبتي، واخلفني خيرًا منها.
أجا لأبوه قال يابا مالك استشهد، قلوا يابا أخوك شهيد، أنا زغرتلوا، للولد الأول، وزغرتت للولد الثاني، قلي يما أنا ورا أخوي، راح عمل القبر ودفن أخوه وقال أنا وراك يا مالك. استشهد بعديه بحوالي شهر، كان المسافة ما بينه وبين أخوه والحمدلله الله اصطفاه شهيد التاني".
سباق إلى المسجد
أما عن قصة استشهاد ابينها الآخرين، فتقول: "الآن على الأولاد التنين الي راحوا عالمسجد يصلوا، إلهم تقريباً أسبوع بتسابقوا مين يفوز عالجامع يروح يصلي، يطلع الولد الصغير يقول أنا سبقتك عالمسجد، الحقني عالمسجد رغم إنه اليهود دمروا المسجد إلا البركة بأبو العبد، الله يرحمه، بناه وأسسه وعمله ماشاءالله، هو وشبابه وولاده محمد ومحمود والعبد، وكل شباب المعسكر شاركوا معاهم ببناء المسجد، والحمدلله أقاموا المسجد قبل رمضان، أقاموه وصلوا فيه برمضان، يعني الحمدلله رب العالمين.
الناس كانت تروح عالمسجد والناس كانوا عاديين فش بالمسجد أي مطلوب أو مقاوم فش أي حاجة بالمسجد، شباب صغار كبار كلهم بتسابقوا على الصلاة، ولادي كانوا يصلوا ويسحبوا حالهم عالبيت عدل يروحوا قبل بيوم ولادي كانوا يحكوا مش سامعيين الأذان لأنه إحنا من المسجد وتحت، بدنا نجيب السماعة عند باسل، طبعاً جارنا هاد باسل كان عنده السماعة، كان يأذن الأذان بصوته بدون سماعة، كان الها كم يوم السماعة خربانة، نزلوا الرابط كل صلاة بصلاتها عالجوال صاروا يتسابقوا مين بده يروح يصلي يتسابقوا الثنين مع بعض، طلعوا يتسابقوا الثنين عالجنة.
استشهاد حنين
استشهدت ابنتها حنين في قصف مدرسة أسماء أثناء أداء عملها في لجنة الطوارئ، وهي لجنة تابعة لمؤسسة القدس وتقوم من خلال بمتابعة التغطيات والتصوير ومساعدة المبادرات ولجان المساعدة للأهالي في مركز الإيواء. وكانت حنين معيلة أسرتها الوحيدة بعد فقدان والدها وإخوتها الشباب، تساند أمها وأخواتها وكانوا هم أولويتها. رحلت حنين الابنة الحنونة المحبوبة وودعتها والدتها بزغرودته كما فعلت لإخوتها.
تقول الأم: "الحمدلله رب العالمين الله اصطفاهم شهداء، الحين عندي 5 شهداء الحمدلله وعندي 3 بنات الحمدلله، فش الهم معيل، المعيل رب العالمين، إن شاءالله رب العالمين يعينا على ترباييتهم، وإن شاءالله رب العالمين يكون سند لإلهم هاد يعني كل بيت فلسطيني بقول الحمدلله رب العالين.
وعن فراق الأم لخمسة من ابنائها ربتهم برموش عينها تقول أم مالك: "صحيح الفراق صعب بس الواحد لازم يتحمل لأنه هاي أرض المحشر والجهاد ليوم الدين، وأنا بطالب كل أم تعلم أولادها الصبر والثبات والجهاد في سبيل الله، لأنه هاي أرض المحشر والمنشر والقدس والمسجد الأقصى. الواحد يحبب أولاده بالمسجد الأقصى.
والله بصبر حالي بالاستغفار والدعاء إذا قلتلك بصيحش بكذب عليك، لأنه هذول فلذات قلبي ربيت ٣١ سنة ربيت ٢٦ سنة ربيت ١٧ سنة ربيت ١٩ سنة. الحمدلله أبوهم مش موجود عندهم ولازم أكون أنا صابرة عشان أقف مع بناتي ومع وولادي وأشوف أحفادي التانيين. وضعنا الحمدلله تمام مستوريين رغم الحصار رغم القصف الأم الفلسطينية بتأقلم حالها بأي وضع.
الحمدلله الحمدلله، اللهم خد من دمائنا حتى ترضى ساجد في سبيل الله ساجد، والله يا نتنياهو ساجد ولكن هذا السجود من علامات النصر الحمدلله الحمدلله، نفتخر نفتخر ونحتسبهم عند الله شهداء الحمدلله، هذه الملاية ماليتك يما يا مؤمن الحمدلله تغطيت فيها يما، أربعة وافتخر فيهم، عند الله نحتسبهم شهداء عند الله نحتسبهم شهداء".
تسألها صحافية: ليش انت فرحانة ؟!
فتجيب مستغربة: لييش! أنا بزغرد لأنه أولادي في الجنة وأنا لاحقتهم إن شاء الله الحمدلله رب العالمين.