امتلاك الكفاءة في أمر ما يصنع حضورًا، وشهرةً، ومكانةً، فهي الطريقة التي تحاول فيها أن تثبت لنفسك: أنا "مختلف" هناك "شيء" يميزني عن الآخرين، أو أستطيع أن أتفوق عليهم، وعادة ما يتم استعراض وتمرير هذه الكفاءه عبر قوالب مختلفة على السوشيال ميديا كأداة داعمة وقوية. بغض النظر عما نحاول إثباته.
هذا المستقبل الذي يتطلب مني جهدًا وكفاءة، يسلبني أن أكون حاضرةً في يومي، أو على الأقل في حالة انتباه لما هو حولي!
أنا واحدة من أولئك الذين ابتلعتهم رؤية "الكفاءة" لفترة طويلة، جعلتني أرى كل شيء من نافذة "المهمات". حتى الأمور العاطفية التي لها علاقة بعائلتي كانت تندرج تحت قائمة (To do list): قضاء وقت مع زوجي، اللعب مع أطفالي، مقابلة الأصدقاء. كنت أنتبه لمشاعري غير المريحة عندما أضع "صح نضع الإشارة فقط "إتمام المهام، وكأنها عبء، أسأل نفسي "معقول أتعامل معها كشيء يجب إنهاؤه وإتمامه لإزاحته من القائمة، أم أنه يعنيلي لدرجة وضعته في القائمة؟". ومع صدق أكثر مع نفسي اكتشفت أنه عبء، وهمّ!
في الوقت الذي كنت أسعى فيه لتركيز جهدي وإثبات "كفاءتي" عبر السوشيال ميديا وجلساتي اليومية مع الأزواج، كنت أفتقد "عائلتي" أفتقد حضوري، تركيزي، تفاعلي الكافي والمناسب. كنت أتمنى لو اليوم 70 ساعة لإتمام مهمات أكثر، وأربعة أيدٍ إضافية لإنجاز ما تبقى، وموظفة مساعدة لتفويضها المهمات. أنا حقيقة كنت في غيبوبة "صنع المستقبل" الخاص بي. هذا المستقبل الذي يتطلب مني جهدًا وكفاءة، يسلبني أن أكون حاضرةً في يومي، أو على الأقل في حالة انتباه لما هو حولي!
علاقتي مع زوجي ليست مهمة علي إتمامها، تفاعلي مع أطفالي ليست مجرد مهمة أخرى أيضًا. لأكون حاضرة مع العائلة وفي الحياة اليومية، تطلب مني تقليص مساحات "السعي" "وإثبات الكفاءة" وساعات العمل، وإلغاء وإزاحة لمخططات مستقبلية، والتي أمامها وجدت مزيدًا من المرح، المشاركة، الاستمتاع، الهدوء، البطء، التواجد في مسار حياتي اليوميّ.
قررت أن أرتدي ساعتي الإلكترونية، وأن أضع الجوال في الجارور مكانه، وأن أحذف تطبيق "الإنستغرام" وأطفئ الإشعارات، لم أعد أدفع نفسي لإنجاز قائمة كبيرة من المهمات. حذفت، وعدلت، ورتبت أوقاتي ومواعيد عملي بما يناسب حضوري وتواجدي مع عائلتي. هذه النسخة التي أنا عليها الآن ربما هي الـ20 خلال سنوات محاولاتي لترتيب علاقتي مع مفهوم "الكفاءة والتواجد". لكنها اختمرت وتشكلت مؤخرًا، أضعها بين يديك بعد 3 أشهر من رحلتي.
أتمنى لكم سنة مزدهرة وسعيدة
الحرية لغزة .. والرحمة للشهداء
والنصر للمقاومة في غزة ومخيم جنين