بنفسج

شذى الصباغ: شهيدة مخيم جنين ذات الـ 21 ربيعًا

الجمعة 31 يناير

من هي شذى الصباغ التي قتلتها أجهزة الأمن
من هي شذى الصباغ التي قتلتها أجهزة الأمن

الشهداء في فلسطين نوعان؛ شهداء يقتلهم الاحتلال، وشهداء يقتلهم أعوان الاحتلال، بينما الشهداء شهداء، لأنهم قضوا في سبيل الله والوطن. والشهداء نورهم بين أيديهم، فلا يحزن المؤمن لمن قضى من ذويه وأحبائه شهيدًا، بل يتلاقى خبر استشهاده فرحًا مستبشرًا. والشهداء متشابهون إذا نظرنا إلى سيرهم وتاريخ حياتهم وإن كانت قصيرة؛ يحبهم من حولهم، وعلى علاقة طيبة بعائلاتهم، بل هم الأحب من بينهم، معطاؤون يحبون الخير، لذلك يجودون بأرواحهم وهذا الجود هو أعلى قيمة في العطاء، والجهاد في سبيل الله أسمى درجات الجهاد وأرفعها.

ونحن في بنفسج نداوم على التدوين عن الشهداء وحياتهم وسيرهم حتى يتعرف إليهم الناس في فلسطين وخارجها، فيعرفون أن الشهيدة والشهيد لهم حيواتهم وأهلم وعائلاتهم وحلمهم وبيوتهم، ونحن نروي سرديتهم لتظل باقية حية بيننا مثل أرواح الشهداء الأحياء. ولنا من الأمثلة العظيمة شهادة الشهيدة شذى الصباغ، وشهادة والدتها وعائلتها، ومن لقب الشهيد شهادة باقية تتسرب في سطور تاريخ الأمم وانتصارات الشعوب في نهاية المطاف.

الابنة التي تتوهج نشاطًا

حوار مع عائة شذا الصباغ.jpg

حاورنا والدة شذى الصباع، أم معتصم، وسألناها عن ابنتها الشهيدة شذى الصباغ التي قتلها أعوان الاحتلال في 28 كانون الأول/ ديسمبر 2024، أي أن العائلة أنهت عامها بفقد ابنتهم الصحافية شذى، وهذا حوار للتعرف إلى شذى ودراستها وحياتها وعائلتها.

توجهت بالحوار إلى الوالدة أم معتصم وسألتها عن شذى وطفولتها وحياتها ودراساتها، فأجابت بطريقة الأم التي تعرف أبناءها أكثر من أي أحد آخر، تسبر أحلامهم ورؤاهم ورغباتهم، تقول: "شذى مواليد ٢٠٠٣، نشيطة، حتى أنها لا تحب النوم منذ طفولتها، لا تتخلى عن الوقت، تبقى متيقظة لمعرفة كل ما يدور حولها. كانت خفيفة الظل، تحب الحركة وتكره الخمول.

أذكر أنها درست في روضة روضة الملاك الصغير في مخيم جنين. كانت، منذ صغرها، محبوبة كثيرًا، تحب العلم، وهي في المقدمة دومًا، ذكية جدًا ومتوقدة بالنشاط، أذكرها تقوم بتأدية واجباتها حينما تعود إلى البيت فورًا. وحصلت على المرتبة الأولى في مسابقة حفظ القرآن.

إلى المرحلة الابتدائية ودرستها في مدارس الوكالة في مخيم جنين، كانت شذى متفوقة وذكية في المرحلة المدرسية. وعلى صعيد الحارة والمنطقة المحيطة لها صديقات كثر كانت تحب اللعب معهن في الحي، وعلاقتهن حميمية، وكن على تواصل دائم. قالت لي إحدى معلماتها إنها لا تنسى شذى أبدا مذ كانت في المرحلة المدرسية الابتدائية: "صورتها ببالي.. شعراتها بالقرنين وشعرها الأسود الطويل..".

انتقلت شذى إلى مدرسة وكالة ثانوية، وبنت علاقات قوية بالطالبات والمعلمات ومديرة المدرسة كانت تذكرها وتحبها كثيرًا. كانت تهوى ابنتي الرسم وتحبه، ولا أنسى أن شذى حتى مرحلة الإعدادي ظلت تخرج للعب كالأطفال تمامًا، ووقتها هذا ملك لها، يوميًا تخرج إلى الحي وتلعب مع صديقاتها ومن ثم تعود لإكمال فروضها المدرسية.

في المرحلة الإعدادية انتقلت إلى مدرسة وكالة ثانوية، وبنت علاقات قوية بالطالبات والمعلمات ومديرة المدرسة كانت تذكرها وتحبها كثيرًا. كانت تهوى ابنتي الرسم وتحبه، ولا أنسى أن شذى حتى مرحلة الإعدادي ظلت تخرج للعب كالأطفال تمامًا، ووقتها هذا ملك لها، يوميًا تخرج إلى الحي وتلعب مع صديقاتها ومن ثم تعود لإكمال فروضها المدرسية. وكذلك في المرحلة الثانوية لم تنساها معلماتها وظللن يذكرنها بأنها مؤدبة وأخلاقها عالية، وكانت من الطالبات المتوفقات الطموحات..

إضافة إلى الرسم كانت شذى تحب الرحلات المدرسية وتحب ممارسة الرياضة كثيرًا وأبحها إليها كرة الطائرة، وكانت كذلك تهوى الكتابة وتبرع فيها، وكانت تنطلق في فروض تعبير اللغة العربية وتكتب بطلاقة.

محبوبة العائلة وصديقة الأطفال

الصحافية شذا الصباغ.jpg

علاقتها طيبة جدًا ومحببة إلى والدها، وعمومًا عائلتنا فيها انسجام، وشذى تحديدًا قريبة من الأعمام والأخوال ويحبها كل من حولها في العائلة والحي. وكانت علاقتها مميزة بأخيها الشهيد معتصم رحمه الله، كانوا يعصفون أفكارهم، ويتحدثون بشكل متناقض حتى تخرج معهم أفكار ذكية وجميلة، تأثرت به وأحبته وتعلقت به. وكذلك علاقتها بأخيها مصعب وأختها أم حمزة.

 وهي قريبة جدًا منها. تحب شذى الأطفال وخصوصًا أبناء شقيقتها، حتى أن ابن شقيقتها الصغير يناديها ب ماما. قبل استشهادها أذكر مشهده وهو يشدها إليه للجلوس إلى جانبه. تحت قراءة القصص لهم وتسرح شعر البنات وتمضي وقتها معهم بفرح.

انتقلت شذى إلى مرحلة الثانوية في جنين، درست الأول ثانوية الفرع العلمي ثم غيرت رأيها وقررت دخول الفرع الأدبي. أنهت التوجيهي/ الثانوية العامة، وكانت تتأمل الحصول على معدل عال، ولكنها لم تتمكن من ذلك للأسف بسبب الظروف الأمنية والعسكرية التي كانت سائدة في المنطقة. اختارت شذى تخصص الصحافة والإعلام الرقمي في جامعة القدس المفتوحة، قلت لها: ماما الصحافة بتخوف، فأجابت: قل لن يصيبنا ما كتب الله لنا، أنا بحب الصحافة وبدي لنقل رسالتي لبرا.

ساعدتها أثثاء دارساتها، كما شجعها أخوها مصعب قبل استشهاده رحمه الله. وتأثرت به في كتاباتها بعد استشهاده فكتبت عنه وعن الشهداء، وكان الأساتذة يثنون على تميزها في الكتابة مذ كانت طالبة جامعية. "مرة دكتورة قالت إلها نيال إمك فيكي ع قد ما إنت بتحبي العلم ومؤدبة وذكية". الحمدلله أكملت دراستها وبالتزامن مع الدراسة الجامعية تلقت دورات أفلام وإخراج ودورة تصوير.

كانت شذى طموحة جدًا وتحب التعلم والتطور في تخصصها وتلقي كل ما هو جديد. حتى أنها كانت تريد إكمل فصل لدراسة اللغة الإنجليزية – الترجمة، حتى تكمل تخصص الصحافة وتتنوع مصادرها ومقابلاتها مع العرب والأجانب. حتى أن نقابة الصحافة منحتها بطاقة الصحافي قبل تخرجها بسبب نشاطها في العمل الصحافي والمراسلات والتقارير والمقابلات. وكان موعد الأول من يناير 2025، هو موعد تسلمها لبطاقتها الصحافية رحمها الله.

يوم استشهادها

أجهزة الأمن تقتل شذا الصباغ.jpg

قبل أن تستشهد في نفس اليوم كانت شذى في مؤتمر صحفي في المخيم بعد أن اتصلوا عليها للتغطية، بعد انتهاء المؤتمر أجرت عدة لقاءات، خصوصًا بعد اشتداد الأوضاع في المخيم أثناء أعمال الاجهزة الأمنية، أنهت يومها التغطيات والتقارير، منها ما تمكنت من نشره على الإنستاغرام وتلجرام، إذ كانت ترسل الأخبار لنشرها أولًا بأول على الصفحات الإخبارية في تلغرام. كانت شذى صوت الصحافة من شارع مهيوب لأن الصحافة لم تستطع الوصول إلى تلك المناطق، وقتلتا بدم بارد وهي تؤدي عملها.

أثناء توجه شذى برفقة أطفال شقيقتها إلى بقالة قريبة من منزلها فاجأها قناص من عناصر السلطة وبدأ بإطلاق النار باتجاهها. وكانت القوات الأمنية تحاصر بيت عائلة يزيد جعايصة، أحد قادة كتيبة جنين، خرجت شذى من منزل شقيقتها وهي تحمل طفلين، ولم يسمحوا بسحب شذى عن الأرض رغم أن إصابتها كانت واضحة في الرأس.

كانت الساعات الأخيرة شديدة التوتر في مخيم جنين شمال الضفة الغربية، المشتعل أصلا منذ قرابة 3 أسابيع بسبب الاشتباكات بين عناصر أجهزة الأمن التابعة للسلطة الفلسطينية والمقاومين المتحصنين بداخله، الذين تصفهم بـ"الخارجين عن القانون. ليلة أمس السبت، يوم 28 كانون الأول/ ديسمبر 2024، قُتلت شذى بعد إصابتها بالرصاص الحي في الرأس أثناء تواجدها برفقة عائلتها أمام منزلهم في شارع مهيوب في عمق المخيم.

أثناء توجه شذى برفقة أطفال شقيقتها إلى بقالة قريبة من منزلها فاجأها قناص من عناصر السلطة وبدأ بإطلاق النار باتجاهها. وكانت القوات الأمنية تحاصر بيت عائلة يزيد جعايصة، أحد قادة كتيبة جنين، خرجت شذى من منزل شقيقتها وهي تحمل طفلين، الأول عمره عام ونصف عام والثاني عامان، ومعها أمها، وجميعهن يلبسن ملابس الصلاة، والعسكري يشاهدهن من شباك منزل جعايصة. فتح رجل الأمن النار وهو أمامهن بشكل مباشر وجها لوجه، ولم يسمحوا بسحب شذى عن الأرض رغم أن إصابتها كانت واضحة في الرأس.

وقال شقيقها مصعب الصباغ في تفاصيل استهدافها، إن عناصر أمن السلطة تتواجد في الحارة التي يسكنون بها منذ نحو أسبوعين بشكل يومي، ويتخذون المنازل العالية موضعًا للتمركز، وتنتشر قناصاتهم هناك. وبينما كنا نسهر في المنزل بشكل طبيعي، برفقة أولاد أختي أم حمزة، الذين طلبوا من شذى أن تشتري لهم بعض السكاكر والحلوى من دكانة صغيرة مجاورة. فخرجت شذى برفقة الصغيرين، وتوجهت للدكان وعند عودتها بدأ القناص بإطلاق النار بشكل كثيف باتجاهها. وكان إطلاق النار شديدا وكثيفا جدا ولمدة طويلة، وأصيبت شذى ولم يتوقف القناص عن إطلاق الرصاص.