بنفسج

كي لا ننسى الإبادة: واجب الوقت والمرحلة

الأحد 16 فبراير

كيف ندعم غزة بعد توقف الحرب
كيف ندعم غزة بعد توقف الحرب

انتهت حرب الإبادة التاريخية، غزة بمساحتها الجغرافية المحدودة المغلقة، وهي المحاصرة منذ 25 عامًا، تهاجمها إسرائيل التي تعد من أقوى الدول على مستوى السلاح والتجهيزات العسكرية والاستخباراتية والتكنولوجية، واستشهد في الحرب نحو 50 ألف شهيد ومئات آلاف الجرحى وآلاف المفقودين. ومع كل هذا للقتل والدمار والخسائر البشرية والمادية يشهد العالم أجمع أنه غزة انتصرت بصمودها ولم ترفع الريات البيضاء.

فكان واجبًا علينا الاستمرار في دعم غزة؛ بالدعاء وتسيير حملات الإغاثة والمساعدة والاستمرار بالمقاطعة، وغيرها من السبل التي تجسد وقوفنا مع غزة، وهذه مادة تحاول الوقوف على أساليب الدعم والمساندة التي نستطيع بها إسناد غزة. 

واجب المقاطعة... مرحلة الوقت

قاطعوا نستلة.jpg

صبرت وحدها وانتصرت وحدها وما كان منا إلا دعمها بمقاطعة البضائع التي تدعم الاحتلال، وذكر شهدائها وتثبيت مروياتهم والسرديات المحيطة بهم. وتسيير الجهود الإغائية التي تقودها مؤسسات المجتمع الأهلي والأفراد والحملات التي تساند غزة وأهلها من تقديم الطعام والأدوية واللوازم المعيشية اليومية. غزة تحتاج اليوم مزيدًا من المناصرة والمساندة والدعم؛ إذ أن البلدان التي تخوض حروب إبادة كالتي شهدتها غزة تحتاج فترات إنعاش طويلة، ونحن نعمل أن الحرب قد توقفت وعاد النازحون إلى بيوتهم ولكنها بيوت مدمرة.

أعلنت الأنروا أن عدد الأطفال غير المحميين في غزة يترواح بين ١٨ و١٩ طفلًا، ومنهم عدد كبير غير مصحوبين بأي من أفراد العائلة وهو عرف بالناجي الوحيد، وهذا يحيل إلى مسؤولية كبيرة على المجتمع بأكمله لرعاية هؤلاء الأيتام وكفالتهم بالمأوى والمأكل والمشرب واللباس والتعليم وتأمين حياة كريمة لهم فضلًا عن الرعاية الصحية والنفسية والعاطفية.

وإن انتهت الحرب فلم ينته الاحتلال وهو عامل تهديد محيط بها برًا وبحرًا وجوًا. وفترات الانتعاش هذه تحتاج إحاطة بكل الجوانب على مستوى الوفاء للراحلين الذين ضحوا بأرواحهم من أجل كرامتنا، من أجل الأطفال الذين يتموا وظلوا وحدهم، ولأجل المبتورين الذين فقدوا أطرافهم وهم كثر. وأشكال الدعم متعددة يسطتيع كل منا المشاركة فيها على الصعدي المادي والمعنوي، وهي ذاتها التي برزت خلال الحرب، ولكن حقيقة تكريسها ومأسستها يجب أن تكون اليوم أولوية على مستوى الدول ومؤسسسات المجتمع المدني والأفراد، ومن أهمها: 

المقاطعة: العودة إلى المنتجات المقاطعة تسمين للاحتلال

قاطعوا ستار بكس.jpg

١-الاستمرار في المقاطعة: آتت حملات المقاطعة الواسعة أكلها في مشارق الأرض ومغربها، إذ توسعت وانتشرت ليس على صعيد المجتمع العربي فقط وإنما العالم أجمع، فتحولت المقاطعة منذ حرب الإبادة إلى حركة نضالية إنسانية عالمية يرتبط الالتزام بها بالأبعاد الأخلاقية التي تمثل المبدأ الإنساني الشمولي العام. فماذا يعني أن تتدوال ماليًا مع شركات رأسمالية عالمية تدعم آلة حرب تمارس الإبادة الجماعية بحق الأطفال والمدنيين في بقعة صغيرة ضيقة محاصرة.

الدفاع عن عن هذه البقة يصير مبدأ أخلاقيا عالميًا تُناصَر بها الشعوب المظلومة، انتشرت الحملات التوعيوية التي تروج لمقاطعة البضائع والمؤسسات والشخصيات التي تدعم الاحتلال بشكل مباشر أو غير مباشرت وأثبتت نجاعتها. وإن استمرار المقاطعة والترويج لها لهو من أهم أشكال مساندة غزة وتعزيز صمودها، باعتبارها مسألة أخلاقية عالمية ترفض الإبادة والتهجير وممارسات الاحتلال أيا كان مصدرها. إن استمرار مقاطعة الأفراد بدعم من المؤسسات الأهلية والإعلامية واستكمال كل أدوات دعمها يساهم في محاربة الاحتلال وتحويل قضية غزة إلى مسألة عالمية تدافع عنها الإنسانية جمعاء.

ولم تقتصر المقاطعة على الباضع والمؤسسات الرأسمالية التي تنتج البضائع فقط وإنما آلة إنتاج الرموز التي طالما أنتجت السرديات الكبرى التي تنادي بالحريات وحقوق الإنسان. وأخرى عل صعيد مقاطعة الشخصيات العربية والعالمية التي دعمت الاحتلال أو بقيت صامتة أمام ما يجري من إبادة أمام ادعائهم بالتأثير في الرأي العام أو القدرة على تحريكه. إن مقاطعة كل هذه الإنتاجات الرمزية والمادية وهدمها لهي من الأدوات المهمة التي تكرس دعم غزة بعد مرحلة حرب الإبادة وأثناء مرحلة التعافي وكذلك مرحلة الصبر والصمود حتى التحرر النهائي. 

الشهداء ليسوا أرقامًا

قاطعوا نسكافيه.jpg

٢-الاستمرار في الحديث عن الشهداء.. ليسو أرقاما: نؤكد دومًا أن من رحلوا على مدار فلسطين وتاريخها وأشبعوا الأرض من دمائهم ستبقى ذكراهم خالدة في ذاكرتنا الجمعية، فنذكر المقاومين الشهداء كل باسمه الكامل وحياته وتفاصيلها والأثر الذي استشهد به وعليه، والعلماء الشهداء، والأطباء الشهداء كل باسمه وكنيته ووظيفته ومكان استشهاده وشهوده وصورته التي عاش حياته فيها وهيأته عند رحيله.

 نذكر الشهداء المدنيين الذين قضوا ظلمًا تحت أنقاض بيوتهم، أو أثناء سيرهم للظفر بكيس طحين مضرج بالدماء، والشهداء الذين أحرقوا في خيامهم، والمصلين الساجدين، والنازحين في مراكز الإيواء، وكل الذين قضوا في المجازر المتتالية في حرب الإبادة على غزة. لا نذكرهم أرقامًا بل نسجل قصصهم وحياتهم وكل الأشياء التي تخصهم ولهم بها صلة. وإن تحويل ذكرى كل شهيد في كل مسار حياته إلى مروية حيّة لهي واجب علينا، وهذه وظيفة تتظافر فيها جهود المؤسسات على اختلافها، وبها يكتب التاريخ ويروى لكل الأجيال.

وتاريخ الأمم لا تثبته إلا قيد الكتابات التي تدوّن كل الوقائع وتؤرشفها وتحفظها وتحميها من الضياع، لذلك نرى الاحتلال في كل حرب يحاول تدمير ما يحفظ من مؤرشفات شخصية وعائلية. فقدنا ما يزيد عن 50 ألف شهيد، عدد كبير منهم سجل بمجهول الهوية، وعدد كبير آخر لا زال جسده تحت أطنان الأنقاض، والحرص على التعرف على كل جسد يعني التعرف على فرد من عائلة فلسطينية له صلة بأهله ومحيطه وصلة بذاكرتنا فهذا الشهيد يحال إليه تاريخ الوطن. 

الاجتهاد في نشر أسماء الشهداء ومناقبهم وحلمهم وقصصهم وصلاتهم لهو واجب نتحمله بحفظ ذاكرة غزة بأشخاصها وشوارعها وأبنيتها ومساجدها وشواطئها وهذا هو الأثر الخالد لو بعد حين. وهذه مسألة يجب أن تشتغل عليها مؤسسات بآلية منظمة بجهود تستثمر الأدوات التي من شأنها رصد الشهداء بمسح سكاني شامل مسمى، كل شهيد باسمه الكامل حتى وإن لم جسده كاملًا، وتسجيل كل كل حالة هو عليها والمكان الذي استشهد فيه، كم له من الأبناء والبنات، تعريف بأمه وأبيه وزوجته وعمله ودراسته ووظيفته وإنجازه، حتى وإن كان طفلا قضى في رحم والدته ولم يبصر ضوءا في هذه الحياة.

 لا تملّ من غرس الفسائل

قاطعوا ماكدونالذز.jpg

٣-الجهود الإغاثية والمشاركة في إعادة الإعمار ولو بشق تمرة: برزت العديد من الحملات الإغاثية التي ساهمت في إيصال الغذاء والأدوية والمستلزمات، ولكنها كانت تواجه الكثير من التحديات والصعوبات بسبب استمرار الحرب والسياسات التي مارسها الاحتلال لمنع وصولها. ولا بد الآن من إعادة حشد المساعدات على الصعيد العام المؤسساتي التي تقوم به الهيئات والجمعيات بمساعدة الأفراد ورجال الأعمال والميسورة أحوالهم.

 والحرص على ترويج إعلامي متزامن لحملات التبرع والمساهمة حتى لو بأقل القليل على مستوى التبرع المالي أو العيني، وتبني إنشاء مشروعات من شأنها إعادة تعمير المشافي والمساجد والبيوت والشوارع. وكل الحملات لها أثرها في إسناد غزة وأهلها ومشاركتهم همّ تعمير البلاد وإعادة لملمت أشلائها.  

فلسطين في الوعي والذاكرة

الشهداء ليسوا ارقاما.jpg

٤-استمرار التثقيف عن القضية الفلسطينة: تبين المصادر أن الاهتمام بالبحث عن القضية الفلسطينية قد زاد أثناء الحرب على غزة، وزاد أيضًا هم الأهلي في الإجابة عن أسئلة أطفالهم عن فلسطين والاحتلال والحرب وقتل الأبرياء. وإن ربط الأطفال بالقضية والتاريخ والأحداث هو تركيز للجهود الأخرى التي تروم إلى تربية جيل بوعي إدراكي ديني ووطني وتاريخي متكامل.

وهذه ليست جهود تقتصر على الآباء والأمهات فقط وإنما منظومة تربوية شاملة تعد برامج تثقيفية بقوالب تتواءم مع عقل الطفل وقدرته على فهم الأمور من حوله، وتبسيط الأسئلة المعقدة والمفاهيم التي يصعب إداركها، وه يمهمة يضطلع بها الأهلون والمربون والمعلمون... 

٥-أن لا ننسى الناجي الوحيد، وخصوصًا من الأطفال، وكفالة الأيتام:أعلنت الأنروا أن عدد الأطفال غير المحميين في غزة يترواح بين ١٨ و١٩ طفلًا، ومنهم عدد كبير غير مصحوبين بأي من أفراد العائلة وهو عرف بالناجي الوحيد، وهو الطفل الذي فقد كل أفراد عائلته النووية والممدتة. وهذا يحيل إلى مسؤولية كبيرة على المجتمع بأكمله لرعاية هؤلاء الأيتام وكفالتهم بالمأوى والمأكل والمشرب واللباس والتعليم وتأمين حياة كريمة لهم فضلًا عن الرعاية الصحية والنفسية والعاطفية.

 وهم مع كل تلك الاحتياجات بحاجة إلى التعافي من الدمار النفسي الذي أصابهم خلال الحرب؛ فجلهم شاهد بأم عينيه موت أمه وأبيه وعائلته، وكلهم تأثروا بمشاهدات الحرب وأصواتها وهي تفاصيل ستظل عالقة في ذاكرة كل منهم مما لا يتسع لها حزن وألم. ورعايتهم تقع على عاتق كل منا لإنقاذ ما تبقى لهم من حياة يستطيعون تخطي آلامها أو إصلاح تشوهاتها في وعي كل طفل في غزة