بنفسج

روان الكباريتي: عن جوامع الخير في قلب أمي الشهيدة

الجمعة 21 فبراير

كيف يتلقى المغتربون خبر استشهاد ذويهم في غزة
كيف يتلقى المغتربون خبر استشهاد ذويهم في غزة

بينما كانت تمسك هاتفها لترسل صورها وأطفالها إلى والدتها، شدها زوجها من يدها لتجلس مقابله يقول: "بدي أقلك إشي". أجابته بقلب مرتجف: مين، إذ لاح طيف والدتها أمامها في الحال. صرخت ترجوه وتبكي "لا تقلها مستحيل"، هز رأسه بالإيجاب وهمس باسم أختها أيضًا. لم تصدقه، أخذت هاتفتها واتصلب بوالدتها، ولكن لا رد! اتصلت على أشقائها لتسألهم ولا رد أيضًا، سقطت على الأرض فلم تحملها قدماها، ظلت تبكي وتقول: "ماما.. بدي إمي"...

روان الكباريتي، شابة فلسطينية مغتربة في مصر منذ 8 سنوات، لديها طفلتان، فقدت والدتها وشقيقتها جراء الحرب الإسرائيلية على غزة، تخبرنا عن تلقيها لخبر استشهادهما، وعن حرب المغتربين الأخرى التي خاضوها يوميًا في ظل الحرب، عن سيرة أمها التي كانت أبًا وأمًا لسنوات.

| رحيل الأم والأخت

روان الكباريتي

في 26 أكتوبر/تشرين الأول 2024، وصلها الخبر الذي غيّر مجرى حياتها، وهو استشهاد والدتها وشقيقتها، تقول لـ "بنفسج": "لم أستوعب كيف لأمي أن ترحل وأنا مشتاقة لها، وعلى أمل اللقاء بها، زارتني آخر مرة في القاهرة قبل الحرب بعامين، فكانت تلك الفترة أسعد لحظات حياتي، أشهر طوال وأنا أنتظر أن يجمعني الله بها ولكن وقع القدر".

في بداية الحرب ولأن والدتها وشقيقتها ظلتا في شمال غزة، انقطع الاتصال بهما مرات عديدة، تمنت لو أنها بينهم ومعهم لتهون عليها الحياة، تضيف: "عندما تحسنت الاتصالات صرت أتصل بأمى دوليًا لأسمع صوتها، وحينها أشعر أنني ملكت الدنيا وما فيها، عشت معهم كل لحظات الحرب عن بعد، حينما نزحوا في بداية الحرب لمشفى الهلال الإماراتي فكانت تلك اللحظة قاتلة وهي يبلغونهم بإخلاء المشفى تمهيدًا لقصفها، وقتها ارتعبت بشدة وحمدت الله وقتها على نجاتهم".

دعاء فراشة البيت

الشهيدة دعاء الكباريتي.jpg

تكمل روان لـ "بنفسج": مرت الأيام والشهور وأنا أدعو الله أن يحفظ عائلتي، ولكن أمر الله غالب، قصف المنزل التي تبقى به أمي رفقة شقيقتي، واستشهدن، لم تكن لدي الجرأة لإخبار بناتي الخبر، فتولى والدهم المسؤولية فحزنوا حزنًا شديدًا على جدتهم وخالتهم".

أما عن شقيقتها دعاء، لم يكن فراقها هينًا أبدًا، فهي أم ثانية بالنسبة لها، لديها من الأطفال ابنة وابن، شكل فراق والدتهم بالنسبة لهم صدمة كبيرة، كصدمة روان تمامًا، فهي تعتبر نفسها قد فقدت الأم الروحية لها، تردف: "أختى دعاء كانت فراشة البيت وروحه، عانت من الحزن في حياتها، ولكنها مع ذلك تشع حيوية وحياة، فرحة ضحوكة، تطبطب على قلوبنا جميعًا وهي بحاجة لمن يطبطب على قلبها المهموم".

| جوامع الخير في قلب أمي

الشيهدة.jpg

بالعودة إلى والدة روان، تصفها ابنتها المقهورة من ألم الفراق، بـ "امرأة بألف رجل" حملت الجبال على ظهرها ولم تشكُ يومًا، رحل زوجها عنها في عمر مبكر، فربت 6 أطفال وحدها، تقول روان: "أمي سيدة معطاءة حنونة، تفعل المستحيل لأجل أولادها، تقية تنصحنا بأداء النوافل على الدوام، عاشقة لشهر رمضان بشكل لا يوصف".

وعن أكثر المواقف التي رأت فيها روان والدتها واقفة بثبات تدعم من حولها، حين جاءها زوجها الراحل ليعطيها طفلته من زوجته الثانية بعد وفاة أمها، كانت حينها تبلغ من العمر 3 سنوات، فرحبت بها وربتها وكأنها هي من أنجبتها.

تكمل لـ "بنفسج": "لربما على أي سيدة يكون ثقيلًا أن تربي ابنة زوجها لكنها كانت أم لها بكل ما تعنيه كلمة أم، ظلت في حضانتها حتى تزوجت وأنجبت، وأختي تحبها بجنون ويوم استشهادها انهارت تمامًا".


اقرأ أيضًا: ضحى ناجي: في بيتي فقد وشهيدان


لا تنس روان قبل عامين حين زارتها والدتها لتقف معها في ولادتها الثانية، فتقول: "ما بنسى يوم قطعت طريق وبلاد حتى توقف معي بولادتي، شو كانت حنونة وتخاف علي وتدللني، ياريت الحياة وقفت عند هداك اليوم وضلت جنبي ومعي".

لم تقهر روان الحرب واستشهاد والدتها وأختها فحسب، بل قهرها الاغتراب خارج الوطن، وأن تموت حبيباتها وهن مشتاقات للقاء، يدعين الله أن يلم الشمل. تتحدث روان دائمًا مع والدتها في كل ليلة، بكل ما يجول بخاطرها، من اشتياق لها وألم وقهر، تود لو أن تعود للحياة لتخبرها كم أن الدنيا موحشة دونها.

تكمل بصوت يملؤه الحزن: "أنا أعيش الجحيم منذ فراقها، كم تمنيت أن أحتضنها الحضن الأخير حتى لو كان الوادعي، ولكني كنت أود ذاك العناق، والآن كل ما أريده أن أركض نحو قبرها لاحتضن التراب، وأقول لها ها قد عدت يا أمي لحضنك وحضن البلاد". وتختم حديثها بقهر: "يا الله شو الجرح كبير وبيكوي كوي".