بنفسج

غزة: طائر العنقاء الذي يبعث من العدم

الأربعاء 26 فبراير

غزة تبث الحياة فيها من جديد
غزة تبث الحياة فيها من جديد

عرفه العرب بالعنقاء وعرفه الغرب بالفينيق، وهو طائر ضخم يموت بإحتراقه ويحيا من رماده .. ما القصة؟ الروايات والقصص القديمة حاكت ورسمت ملامح الطائر الأسطوري "العنقاء" كرمز للتحدي والتجدد والقوة، الطائر الذي ينهض من رماد النيران ليعيد دورة حياته من جديد فيستحيل هزيمته مرة بعد مرة ومعركة بعد معركة.

تقول الأسطورة إن العنقاء طائر أسطوري عربي، يمتاز بالجمال والقوة، إذ اقتربت ساعة موته عمد إلى إقامة عش بين الأشجار، ثم يضرم النار في نفسه، حتى إذا صار رمادًا نهض عنقاءً أشد وأبقى من جديد - وهو الشعار المعتمد في بلدية غزة – كما أن طائر "العنقاء" ينهض من رماده كل ألف عام.

 في ما تنهض غزة من رمادها كل يوم، تقف شامخة في مواجهة القصف المستمر كل عام وكل يوم وكل ساعة وكل دقيقة، تصنع من ركام البيوت حياة لانهائية، وتكتب أسطورتها الخاصة باللغة العربية الفصيحة بحيث تنحني "العنقاء" خجلًا من حقيقة القصة في غزة التي يختلط فيها الخيال بالواقع، فالحقيقة في غزة عصية وتحتاج إلى خيال أصيل لتفهم المدينة وشعبها.

نرى المدينة الساحلية "غزة" كحال "العنقاء" التي سطرت على مر العقود الماضية وحتى يومنا هذا قصصًا في الصمود والتحدي لم يسبق أن شهد مثلها التاريخ الإنساني، صنعت غزة أسطورتها التي ستقرأها الأجيال القادمة ليصل كل أنحاء العالم تفاصيل حكايتها، التي سطرت قيام "عنقاء غزة" في أرض فلسطين.

بداية تليق بالأساطير، أكتوبر الصناعة العبقرية، الذي أعطى عمرًا إستمر 471 يومًا من المعاناة من رصاص الإحتلال والحروب والحصار وسياسات التجويع والعقاب الجماعي، حكايات غزة فرح مسلوب بقوة النيران تعلن الحقيقية الأخرى عن غزة، التي تعكس الجمال والحب والعمق الموجود داخل هذه المدينة، غزة العنقاء سطرت الإصرار على البقاء والحياة إذا ما استطاعوا إليها سبيلاً.

غزة ما زالت صانعة المعجزات والمفاجآت، فعلى الرغم من المعاناة إلا أن مزيج العناد، والعرق، والدم، والدمع، تكوّن في قلب الأرض التي عشقها الشعب الغزيّ، المسافات التي قطعوها فوق الأرض وتحتها في الحرب من تشريد ونزوح والرحلات الشاقة لتأمين قوت يومهم، الشهداء الذين عانقت أرواحهم السماء وتركوا الدنيا ومن عليها برائحة دمهم الطيبة، وأخبار الثكالى التي أوجعت قلوب الضمائر الحيّة وأسقطت الدموع.

هي قلب الأرض المعشوقة فلسطين بالدم والروح والغضب، غزة – المعادلة الصعبة – التي لا يستطيع أي أحد نكرانها، يعيشون حياة ظلم وحصار ودمار، ويعانون الفقر والبطالة والحرمان من الأمن والمأكل والمشرب والملبس والكهرباء والرعاية الصحية، إلا أنهم مستمرون في إدهاش العالم يومًا بعد يوم بقدرتهم على الثبات والدفاع عن قضيتهم الإنسانية العادلة – الحق في الحياة والبقاء.


اقرأ أيضًا: قصة الشعب الذي لا يقهر


غزة العنقاء بطائرها العظيم الذي ينهض من رماد النيران التي تحرقه كل مرّة، إلا أن شعب غزة أثناء إحتراقهم بتلك النيران على أرض الواقع ليسوا أساطيرَ لا تشعر ولا تتألم، بل إنهم بشر تجمعهم المشاعر والأحاسيس وقدرة التحمل والصبر على خلاف أسطورة "طائر العنقاء"، وهذا يقود إلى إن حياة سكان غزة ليست مجرد قصص أو أرقام أو شعارات تستخدم في الكتابة أو الأحاديث والخطابات أو في النشرات والتحليلات الإخبارية.

 لأن لكل روح حياة ولكل حياة قصة وبصمة وظروف وأهل وأحلام وطموحات تسعى الروح إلى تحقيقها بشتى الوسائل كغيره من البشر، ولكن الأرواح في غزة لا يسعها إلا أن تتمسك بأمل أن يكتب لها القدر أن ينالها يومًا ما. "العزيمة والإرادة التي تطفوا على الشعب الغزيّ، ساهمت في إبداع الطرق والوسائل للتغلب على الحصار القاسي وإبقاء روح الحياة وبساطتها في أرواحهم الجميلة".

ترسم غزة العنقاء حياة جديدة تقاوم الاحتلال بالحياة ومواجهة الموت والدمار والتمرد على القتل من خلال ممارسة الحياة تحت القصف وفوق الدمار لأرض تصول في شمالها وجنوبها محروثة بالحُبّ والوعد تُقسِم بالتين والزيتون قسمَ أجيال من قبل ومن بعد أنّ نهاية الدرب المُعبّد بالعناد واضحة، كالشمس تنشر جسرًا لأجيال قادمة معبأة بالصهيل، يليق لأهل غزة العنقاء الفرح، وتستحق أن تسمع تكبيرات أهلها المؤجل، وأن تؤرخ خروج غزة الجديدة، لا طائر العنقاء من الرماد، عذرًا أيتها العنقاء، فقد قتلتك غزة وصارت هي الأسطورة!

ستفتح البراعم المغلقة وستطير الفراشات حولها وستشرق الشمس بأشعتها الذهبية لتنير كل الطرقات والمحال القديمة التي تشهد أن شعب غزة كانوا فيها، إلى الشهداء والجرحى إلى المدينة الصغيرة والوطن الكبير، لن يضيع حق خلفه مطالب ولن تزول الفكرة وسيغدو فجر الحرية عما قريب، "غزة" إنها بداية الحكاية لا النهاية التواقة للخلود، العصية على الموت، المبعوثة من رمادها، لا تموت ولن تموت.